زلازل وكوارث هزت العالم..-الحلقة 13-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.

بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال الحسيمة 2004.. ذكرى مشاهد أليمة عاشها الريف

عاش المغرب مجموعة من الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل، وغيرها، وكان على الدوام يخرج من هذه الكوارث بأقل خسائر ممكنة، بالنظر للحجم الذي تضرب به الزلازل البلاد الذي يبقى ضعيفا أو متوسطا، باستثناء زلزال أكادير في 1960 الذي أدى إلى مقتل ما يزيد عن 15 ألف شخص.

وتتكرر الزلازل بين الفينة والأخرى بعدد من المناطق دون أن يكون لها اثر مشهود أو خسائر بشرية أو مادية كبيرة، إلا أن المغرب عاش على وقع كارثتين للزلزال وهما زلزال أكادير الذي ذكرناه في أول حلقة من هذه السلسلة، ثم زلزال الحسيمة الذي ضرب هذه المدينة سنة 2004.

سبق وأن تعرضت الحسيمة لهزات مختلفة لكنها بقيت ضعيفة ولم تؤدي إلى خسائر كبيرة، وتتكر الزلازل بالحسيمة بشكل كبير بالنظر لتواجد هذه المدينة ذات التضاريس الجبلية في منطقة حزام جبال الريف، وهي المنطقة الواقعة بين الصفيحتين الإفريقية والأوراسية، وتعد المنطقة الأكثر نشاطا زلزاليا هنا في المغرب.

تعود تفاصيل الكارثة إلى ليلة 24 فبراير 2004، وفي ليلة باردة كانت معها ساكنة المدينة قد آوت إلى فراشها في انتظار يوم الغد، دون أن تعلم أن ليلتها لن تنقضي داخل المنازل، ذلك أنه في تمام الساعة الثانية والنصف صباحا اهتزت الأرض مت تحت ساكنة الريف بقوة تراوحت بين 6.3 و6.6 درجة على سلم ريشتر.

أدى هذا الزلزال إلى رعب كبير بالمدينة استيقظ على إثره السكان هرعا نحو الشوارع، فيما كان البعض قد وجد نفسه فعليا تحت الأنقاض يقاوم من أجل البقاء، كانت لحظات مرعبة عاشتها مئات الأسر.

في اللحظات الأولى للزلزال انهارت عدد من الأبنية والمنازل بمناطق مختلف من الحسيمة، وكذا بمناطق مجاورة لها، ووصل صدى الزلزال إلى مدن مجاورة، حيث شعر به سكان تاونات وتازة وفاس وساكنة طنجة وتطوان وبعض مدن الشرق، وحتى سكان هذه المدن ممن أحسوا بالزلزال غادروا بيوتهم نحو الفضاءات المفتوحة خوفا من مصير الدمار وانهيار المنازل.

تحول هدوء ليل الحسيمة وقراها إلى ليل مرعب يسمع فيه آنين العالقين تحت الأنقاض وصراخ الخائفين من تقلب الأرض واهتزازها، وصراخ أول من عاينوا جثثا لذويهم تحت الركام، كانت المشاهد قاسية وسط تصاعد الدخان والأتربة نتيجة انهيار المباني.

توقيت الزلزال كان فاصلا في ارتفاع عدد القتلى والجرحى بالنظر لتواجد الجميع في بيوتهم نائمين، لا قدرة لهم لا على الفرار ولا البحث عن مأمن ليجد الآلاف أنفسهم تحت الركام فجأة أو هاربين من شيء لا يعرفونه في اتجاه المجهول.

لحظات بعد الكارثة، بدأت السلطات المحلية تستوعب ما حدث، وبدأ متطوعون وفرق من الوقاية المدنية يشرعون في عمليات إنقاذ العالقين من تحت الأنقاض ببعض أحياء المدينة، فيما كان سكان القرى يئنون تحت ركام منازلهم المبنية بالطوب والتراب منتظرين دعما ومددا من أجل انتشالهم من الظلمات الموجودة تحت الركام.

شرعت السلطات في عملية تحديد المواقع الأكثر تضررا بالمناطق القروية والحضرية المتاخمة لمدينة الحسيمة، وبدا البحث عن ناجين محتملين من الكارثة، وانتشال جثث من فقدوا أرواحهم جراء ما وقع.

كانت الجماعات القروية أكثر تضررا، حيث تم تسجيل أول حصيلة بجماعة آيت قمرة والتي بلغ عدد القتلى فيها نحو 203 قتيلا، ثم مدينة إمزورن القريبة على الحسيمة ببضع كيلومترات والتي سجل بها أزيد من 165 قتيل، ثم الجماعة القروية بني عبد الله التي سجلت بها مقتل 90 شخصا، وإمرابطن 107 قتيل، و آيت يوسف وعلي 64 قتيلا، وجماعة الرواضي 24 قتيلا، فيما سجل 58 قتيلا بقرية ايت داوود، وفي حصلية أدنى سجل قتيلان في قرية ازمورن.

أدى الزلزال على تشريد الآلاف الذين غادروا منازلهم التي تضررت بفعل الزلزال وبقوا بدون مأوى، فيما غادر الآلاف الآخرين منازلهم خوفا من الهزات الارتدادية، وهكذا شرعت فرق الوقاية المدنية في تحويل الساحات العمومية إلى مناطق للإيواء، وبدأت في نصب مئات الخيام.

قدرت حينها السلطات المحلية عدد اللاجئين من مخاطر الهزات الارتدادية بنحو 15 ألف من أصل أزيد من 70 ألف نسمة من ساكنة المدينة، فيما شرعت السلطات بتوجيهات ملكية في إغاثة الناجين وتوزيع الإعانات على الساكنة وتقديم المساعدات الإنسانية.

عقب الزلزال حل الملك محمد السادس بمدينة الحسيمة لتفقد جهود الإغاثة والإنقاذ، كما حل مسؤولون رسميون بالمدينة لمعاينة جهود الإنقاذ والشروع في عملية إعادة الإعمار ومساعدة المنكوبين.

وجرى بتعليمات ملكية الشروع في عملية إعادة الإعمار من خلال تأهيل المباني المتضررة من الزلزال وإعادة بناء المنازل التي انهارت سواء بالمدن أو القرى، كما جرى مواكبة الساكنة التي ظلت بدون مأوى من خلال إقامة مناطق مؤقتة لإيواء الأسر التي فقدت منازلها.

كما جرى وضع مستشفيات ميدانية مدنية وعسكرية لإغاثة المنكوبين من الزلزال، وتقديم العلاجات الضرورية للناجين من هذه الكارثة، وتقديم الإعانات الضرورية والمساعدات الإنسانية للساكنة.

وخلال جهود الإنقاذ والإغاثة، كانت تتجدد الهزات الارتدادية، التي عطلت في بعض القرى والأحياء جهود الإنقاذ وإخراج العالقين من تحت الأنقاض، إلا أنها استمرت بعد توقفها.

طال الدمار مجموعة من القرى والمدن المجاورة التي تعرضت فيها عدد من المباني للانهيار نتيجة ارتداد الزلزال، كما هو الحال بالنسبة لتاونات وتازة، فيما لم تسجل أي هزات أخرى قوية بهذه المدن.

وبالرغم من مرور حوالي 20 سنة على الكارثة إلى أن ساكنة الحسيمة ومع كل هزة أرضية تستحضر تلك الليلة المظلمة من فبراير 2004، وتدفع كل هزة أرضية بعض السكان إلى نصب الخيام والنوم في العراء خشية وقوع هزات أعنف تعيد إيقاظ جروح الماضي وتعميق الجرح المندمل منذ زلزال 2004. 

  • إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top