الاحتجاجات الاجتماعية

شهدت تنغير الأحد الماضي احتجاجات اجتماعية قادتها جمعيات محلية، وانتهت بمواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، وبالرغم من استعادة المدينة لهدوئها الآن، فإن ما عاشته ذكر الكثيرين بأحداث سيدي إفني، وقبلها أحداث صفرو، وأيضا بروز حركات احتجاجية اجتماعية مختلفة في عدد من المناطق النائية والمهمشة، وكلها تحيل على أشكال احتجاجية مستجدة في فضائنا السوسيولوجي والسياسي لابد من تحليل مضامينها ورمزياتها سواء من طرف السلطات العمومية أو من طرف طبقتنا السياسية.
لن نتوقف هنا عند المطالب والشعارات التي ترفعها هذه الحركات الاحتجاجية، فهي في النهاية لا تختلف عن سياق المطلب الاجتماعي الذي تعبر عنه الفئات المستضعفة من شعبنا، وحاجة كثير من مدننا ومناطقنا إلى التنمية وإلى البنيات التحتية والى تطوير الخدمات الأساسية، إنما المطلوب اليوم الانكباب على الشكل الاحتجاجي نفسه.
إن العديد من هذه الحركات صارت في الفترة الأخيرة تقوم على رفض انخراط الأحزاب، وتصر على إبراز طابع «مدني» غريب، كما لو أن الهيئات السياسية «تجمعات عسكرية»، وفي بعض الحالات يتم الانطلاق من خلفية قبلية لا تستقيم مع شروط عصرنا وتطلعنا المجتمعي إلى ترسيخ الحداثة والديمقراطية، والأمر هنا يسائل بالخصوص أحزابنا الديمقراطية واليسارية، التي يفترض أن تكون حاضنة لهذه الديناميات الاحتجاجية التي أصبحت تميز العديد من  أقاليمنا.
وللتذكير، فإن هذا الوضع انطلق مع التعدد الذي أصبح يسم احتجاجات حملة الشهادات العاطلين، ثم تواصل مع تنسيقيات مناهضة الغلاء، لينتقل اليوم إلى احتجاجات تقام في مدن صغيرة ومتوسطة ضد التهميش ومن أجل الشغل والسكن بالخصوص، وبالتالي فإن مختلف هذه الآليات الاحتجاجية صارت تتشكل بعيدا عن القوى التقدمية، ما يجعلها تفتقر إلى تأطير.
إن الحركات المشار إليها، تجسد أيضا النتيجة المنطقية لكل الممارسات التي استهدفت إبعاد شبابنا وشعبنا عن السياسة وعن العمل السياسي طيلة سنوات، وهي اليوم تقدم درسا لكل صناع هذه المقاربة، يتعلق بالوضعية التي سيكون عليها مجتمع بلا… سياسة.
لم يعد من الممكن في زمننا هذا ممارسة أي تعتيم على الاحتجاجات الاجتماعية، والأحداث الجارية الآن في سيدي بوزيد بتونس تعطينا الدليل، حيث المواطنون المحتجون أنفسهم يتحولون إلى صحفيين وبواسطة هواتفهم المحمولة يعممون المشهد والكلمات عبر الانترنيت إلى العالم كله.
ليس المقصود هنا تنغير وحدها فهي فقط مناسبة للحديث وللقول، إنما الدينامية كلها، توجب اليوم جعل المسألة الاجتماعية على رأس أولوياتنا التنموية، وتفرض الانكباب بجدية وبمقاربة إستراتيجية على موضوع الممارسة السياسية في بلادنا واستعجالية تأهيل حقلنا السياسي والانتخابي ومنظومتنا الحزبية، كما أنها  تستدعي من قوانا التقدمية الالتفات إلى ذاتها والى ما يفرزه المجتمع من تغيرات.
في تنغير وسيدي إفني وصفرو يحضر الدرس، وعلى الكل حسن التأمل والقراءة.

Top