الاقتراب من الحسم الاستمرار في اليقظة والتعبئة

خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية جاء محصورا في القضية الوطنية، ووضعها ضمن منطق جديد يجعل ملفها قريبا من الحسم، ومن إنهاء النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمملكة.

لقد أشاد جلالة الملك بالموقف الفرنسي الأخير، ووضعه في مستوى المنعطف مقدما الشكر لباريس، كما لفت إلى أن 19 دولة من دول الإتحاد الأوروبي تؤيد مشروع الحكم الذاتي، وفي مقدمتها إسبانيا، المستعمر السابق للمنطقة، والأعرف، إلى جانب فرنسا، بتفاصيل وحيثيات الملف.

وفضلا عن الموقفين الفرنسي والإسباني، وقبلهما الأمريكي، هناك كذلك الموقف “الضمني” لكل من روسيا والصين، العضوان الآخران بمجلس الأمن، واللذان استبعدا الجمهورية الوهمية من لقاءات القمة مع الدول العربية والإفريقية، كما فعلت بلدان وقوى دولية أخرى، ثم هناك موقف المملكة العربية السعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي وباقي الدول العربية والإفريقية، وكل هذه المؤشرات الديبلوماسية والسياسية تؤكد تنامي وعي العالم كله بمشروعية الموقف الوطني المغربي، وبالتالي اقتراب هذا النزاع المفتعل من مرحلة الحسم النهائي.

هذه أبرز رسالة جسدها خطاب جلالة الملك أمام البرلمان، والدافع الجوهري لجعل الخطاب محصورا في قضية الصحراء المــــــغربية ومستجداتها وتطوراتها.

أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى المغاربة، وخصوصا الطبقة السياسية وكل الهيئات والمؤسسات الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني، وتشدد على ضرورة الاستمرار في التعبئة واليقظة والتنسيق والتعاون للدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، واعتماد الفعل والكفاءة في ذلك، وأكد جلالة الملك على أن”المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم”، وهي إذن رؤية ملكية استراتيجية تسعى إلى توطيد السيادة المغربية، وتقطع مع مقاربة ومنطق رد الفعل لتنخرط في منطق المبادرة والحزم والاستباقية والصرامة في الدفاع عن الحقوق الوطنية للمغرب.

باستحضار دلالة الرسالتين أعلاه، وسياقات الخطاب الملكي ومضمونه ومعجمه، يعتبر إذن خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان استراتيجيا ويؤسس لمرحلة جديدة في ملف الدفاع عن الوحدة الترابية، وهي مرحلة تقوم على الوعي باقتراب النزاع المفتعل من الحسم، وتدرك ضرورة الاستمرار في التحلي باليقظة والتعبئة، والعمل لصيانة المكتسبات المحققة والتصدي لإشاعات ومناورات الخصوم.

وحيث أن هذا الخطاب الإستراتيجي وجهه الملك أمام غرفتي البرلمان، فهذا أيضا لا يخلو من دلالة، ذلك ان الأمر لا يحمل فقط رسالة بشأن الديبلوماسية البرلمانية والتنسيق بين الغرفتين واعتماد الكفاءة والاختصاص في القيام بالمهمة، ولكن يضع المؤسسة التشريعية امام مسؤولياتها في الوعي بأهمية المساهمة في بناء وترسيخ وتمتين المرحلة المقبلة، أي ما بعد الحسم الدولي والميداني للنزاع المفتعل، والتفكير في التشريعات والمنظومات القانونية والإدارية ذات الصلة، أي أن الخطاب الملكي اليوم وضع الدفاع عن الوحدة الترابية وبناء مقومات المرحلة الجديدة ضمن الأدوار الإستراتيجية التي يجب أن ينكب عليها البرلمان، وأن تنخرط فيها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وان يكون ذلك مندرجا ضمن شروط النهوض بالمغرب وتعزيز وحدته وتنميته.

خطاب الملك هو خطاب يحتفي باقتراب الحسم، وأيضا يدعو لبناء مرحلة جديدة تقوم على التعبئة الوطنية، ويقدم رؤية ملكية مبتكرة تقوم على مبدأ التغيير في المقاربة، داخليا وخارجيا، وعلى أخذ المبادرة واعتماد الحزم والاستباقية.

محتات الرقاص
[email protected]

Top