ما بين ذكرى وشوق

ما بين ذكرى وشوق تقتات القوافي على بوح همسنا فتسرقنا من حضن اللحظة، عبارات تاهت فيها النفس..
ليتنا سنونوات تغفو على لهفة، وتستيقظ على غناء الشمس.. وليت هاتيك الأماكن ما هرمت، فعيون القلب غائرة ولم تأخذها سِنة منذ الأمس…
ترى ماذا بعد الحب؟
تبدو الأمور من بعيد شائكة ومعقدة كأنها تبعات تلاحقنا.. لكن كلما اقتربنا منها تغدو مؤامرة ضخمة تختبئ داخل أقبية عارية، استهلكتنا الأماني في تعّقب جثامين الأحلام ، لكم أفرطنا في تقمص أدوار لا تناسب جموحنا حتى تجردنا من براءة كانت تختصر ملامحنا…
يا الله أي حنين هذا الذي يثير أشجاني!
أي احتشاد هذا الذي يجمعني في ليل يعدو لاهثاً مسعورا نحو تذكرك!
حسنا أيها الأمس أمهلني دهرا واحدا فقط وسأثبت لك كم هو سهل تجاوزك ونسيانك .
لطالما كانت المسافة هائلة بين التجاوز والعبور إليك، كنت لسعة النار التي طفحت جلدي، كنت قُبلة باردة معلقة فوق سقف انفعالي.
ستظل نزوة مهذبة تحرق روحي في صمت وتحتقن رغبتي في النزوح إليك، في عالم شاحب مليء بالرتابة.. كل مصائبي تشير إليك، رجل حانق يتسلل كل ليلة إلى رأسي يفتش فيه عن حلم قديم عن دهشة بعيدة عن حلقة مفقودة، يعود كل مرة شاردا من كل شيء.. رجل تباغته الفوضى يخلد هزائمه بارتشاف السجائر الرخيصة، على الأرجح أنه يسافر إلى عالم طافح بالهموم والمتاعب، كان علي أن أكون أكثر وضوحا هذه المرة.. لقد كنت جيوكندا مليئة بالأسرار أهلكَتني عبقرية صنعك، تعالَ استلق على سفوح أفكاري، بالمناسبة أملك ضياعا رائعا لكلينا.. لطالما كنتَ الهامش الهائل الذي أفقدني كل صواباتي..
لا تتوقف عن كتابة كلمة «أحبّكِ» في كل مكان، فوق زجاج سيارتك، فوق ورقة خريفية تساقطت حديثا، فوق خاصرة ليل شاهد على ارتيابي حين تجوب مخيلتي، على لحن يراقصني في مدارات كوكب ملون بغيابك، ثمة دائما متسع لنزهة أخيرة، ما رأيك؟

أيها المغرور الذي يحتل تشتتي ويطفو فوق أمواج تعبي توقف عن إحالتي إلى عالم لا يشبهني، توقف عن الثرثرة في خيالي.. أنت لستَ سوى كل شيء يحاصرني، لقد أخبرتك مرارا أني توقفت عن انتظارك، توقفت عن كوني يرقة فردوسية تحول حجم مأساتك إلى لوحة برزخية .
كثيرا ما أتعبني الركض في حقول موحشة، كنت أقاتل لأجلنا، لأجل أن نحظى بفرصة الخروج سوياً لنتجاوز أزمة هذا الشعور المنكوب، لكنك كنت رجلا طائشا لا تملك قبعة سحرية تتسع لأحلامي الصغيرة، لم تأخذ يوما سعال روحي على محمل الجد.. كنت تجيد الصراخ فقط وأنت تنظر في عيني المنهزمتين أمام حبك وتردد أرجوكِ دمريني ألا يكفيكِ أني مصاب بكِ بالقدر الذي يمنعني من قول كلمة «أحبكِ».
متى تدركين أنك دمرت آخر فرصة لنجاتي، يقال إنني شوهدت آخر مرة أرتشف الصبر على نواصي الليل.
يا عالم أيغرق المرء داخل ذاكرته! ها أنا أفعل.
أُطِل على مَدينتَي المنكوبَة مِن شرفات قلبي المتعَب وذاتي المسكونة بالهَلاك والذكريات الثقيلة، فَأُدرِك أن كل ما يحدث هو معادِل لِما يحدث داخلي، لأن من ينهار في الحرب نحن قبل الحجارة.. كم كَبِرنا… والطريق إلى الفرح ما يزال يَطول..
إنهُ الليل يا صديقي.. جاءَ كعادته.. الروح فيه تائِهة والوضع يزداد سوء، لا شغَف يتحرك لدَي، هدوء قاتِم في الأرجاء، لا ضَوء يكسِر العتمة، والوحدة تحاصِرنِي أينَما كنت..
الحرائق مستَمِرة في داخلي منذ سنوات طويلة لا تريد أن تنطفئ، وإني أكابِر وأُسرِف في التظاهر لكِني لست بخير..
ربما أتلاشَى، فأنا لا أشعر بشيء أبدا.. مستيقِظة لكنني في حالة سكون دائم.. عاجزة عن فعل شيء.. أحدق في كل شيء فقط..
لطالما كنتَ بارعا في خلط الأدوار بيننا حتى غدت كتاباتي ملاذا تغفو فيها مواجعي وعبثيتك قصيدة مسعورة تتباهى فيها بعوائك.. والأحلام كعناقيد الأوهام، فدعني أتدلى في دالية أحلامك، بعض الأعذار يا سيدي ألم، فلا تتعبني في قضم أوجاعك، دعني فقط أتجول كغيمة تائهة في وطن السراب، أو اتركني أتبخر في ليلة صيف سريالية، كنقطة حبر نسيت أن تلملمها أفكارك.
تبا،
توقفتُ عن ابتلاع الخيبات التي دفعتها إلي، لم أعد أرى أي جذوى لحضورك، أعترف بأنه ما من أحد أحبك أكثر مني لكن يوما ما سينطفئ كبرياؤك العظيم وستشاهد في نظرتي القاسية حرائق انبعاثك وانهزامك..

بقلم: هند بومديان

Top