خلاصات جائحة كوفيد حاضرة في مؤتمر “كوب16” للتنوع الحيوي

يلتئم قادة بيئة عالميون، منذ يوم الاثنين الماضي، وإلى غاية الاثنين المقبل، ضمن مفاوضات ماراطونية في مدينة كالي الكولومبية، لتقييم مستويات التنوع الحيوي المتدهورة عالميا والالتزامات التي تعهدت بها الدول لحماية النباتات والحيوانات والموائل الحيوية. حيث يعتبر مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع الحيوي، المعروف باسم (كوب 16)، متابعة لاجتماعات عقدت في مونتريال عام 2022، إذ وقعت 196 دولة على معاهدة تاريخية لحماية التنوع الحيوي، تضمن 23 إجراء لوقف خسارة الطبيعة، بما في ذلك وضع 30% من كوكب الأرض و30% من النظم البيئية المتدهورة تحت الحماية بحلول عام 2030.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الحيوي إلى “استثمارات كبيرة” في الصناديق الدولية لإنقاذ الطبيعة، مضيفا في رسالة مصورة بالفيديو عشية افتتاح المفاوضات: “يجب أن نغادر كالي مع استثمارات كبيرة في صناديق الإطار العالمي للتنوع البيولوجي، ومع التزامات بتعبئة مصادر أخرى للتمويل العام والخاص لتنفيذه بالكامل”.
وذكر غوتيريس بأن “تدمير الطبيعة يؤجج الصراعات والجوع والأمراض، ويغذي الفقر وأوجه عدم المساواة والأزمة المناخية، ويضر بالتنمية المستدامة والوظائف الخضراء والتراث الثقافي والناتج المحلي الإجمالي”، مشددا على أن “الأمر يتعلق بالوفاء بالوعود التي قطعت فيما يتعلق بالتمويل وتسريع الدعم للبلدان النامية”، لأن “انهيار الخدمات التي تقدمها الطبيعة، مثل التلقيح ومياه الشرب، سيؤدي إلى خسارة سنوية للاقتصاد العالمي تقدر بتريليونات الدولارات، حيث ستكون أفقر البلدان هي الأكثر تضررا”.

أظهرت جائحتا كوفيد-19 وإيبولا المخاطر التي اتخذها البشر بتوغلهم في الحياة البرية، لكن هل عززتا الإدراك في هذا الشأن؟ في مؤتمر الأطراف السادس عشر “كوب16” عن التنوع الحيوي في كالي الكولومبية، يأمل خبراء ومنظمات غير حكومية في وضع خطة عمل عالمية طموحة، مع العلم أن التحرك يبقى من مسؤولية الحكومات.
وتقول أديلين ليرامبرت من منظمة “بورن فري” (Born Free) البريطانية غير الحكومية، لوكالة فرانس برس خلال وجودها في كالي إن “إزالة الغابات والزراعة المكثفة والتجارة واستغلال الحيوانات البرية هي العوامل الأساسية في فقدان التنوع البيولوجي وتطور الأمراض الحيوانية المنشأ”.
ويوضح كولمان أوكريوداين، مدير الحياة البرية والنباتات في منظمة “الصندوق العالمي للطبيعة” غير الحكومية، “كلما زاد عدد البشر الذين يدخلون مع مواشيهم مناطق كانت معزولة عن أي نشاط بشري وتتمتع بتنوع بيولوجي مرتفع، زاد احتمال مواجهتهم لسلالات جديدة من الفيروسات (خصوصا فيروسات الحمض النووي الريبوزي، مثل كوفيد-19) التي تتغير باستمرار”.
ويشير إلى أن تربية المواشي بصورة مكثفة، مع ما يتبع ذلك من استخدام كبير للأسمدة والمبيدات الحشرية ومضادات الميكروبات لقتل الكائنات الحية الدقيقة أو إبطاء انتشارها، “يمثل خطرا متزايدا لانتشار الفيروس”.
ويستشهد أوكريوداين أيضا بظاهرة ثالثة، وهي “تجارة الحياة البرية التي تدخل الحيوانات الحية أو لحومها إلى المناطق الحضرية”. ومن الأمثلة على ذلك: السوق في مدينة ووهان الصينية حيث ظهر كوفيد-19، بحسب الفرضية التي يرجحها العلماء، أو أطنان لحوم الطرائد التي تعبر القارات بشكل غير قانوني في عنابر الطائرات.

“كل شيء مترابط”

وحذر المنبر العلمي والسياسي الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية من أن “أوبئة مستقبلية ستظهر بوتيرة أعلى وستنتشر بسرعة أكبر، وتتسبب في أضرار أكبر للاقتصاد العالمي، وتقتل عددا أكبر من الناس مقارنة بكوفيد-19، ما لم يعدل النهج العالمي لمكافحة الأمراض المعدية”.
وللاستجابة لذلك، لا بد من اعتماد “خطة عمل” بشأن الارتباط بين التنوع البيولوجي والصحة من البلدان الأعضاء الـ 196 – وليس بينها الولايات المتحدة – في اتفاقية التنوع البيولوجي، التي تجتمع حتى الأول من نوفمبر في كالي لحضور مؤتمرها السادس عشر (كوب16).
وتؤكد سو ليبرمان، نائبة رئيس الجمعية الأميركية للحفاظ على الحياة البرية (WCS)، وهي منظمة غير حكومية، “علينا أن نتعلم من كوفيد”، مذك رة بمثال سوق ووهان.
وتشرح قائلة “عندما تكون الحيوانات متوترة، في قفص فوق بعضها البعض، فإنها تطلق سوائل جسدية تحتوي على فيروسات”.
تؤكد ليبرمان “نحن بحاجة إلى تغيير علاقتنا مع الطبيعة إذا أردنا منع المزيد من الأوبئة. كل شيء مترابط”.
ويرتكز عمل المفاوضين الذين يناقشون الخطوط العريضة لخطة العمل العالمية سطرا تلو الآخر في كالي، على مفهوم “الصحة الواحدة”.
ويقول أوكريوداين إنه “نهج شمولي يشير إلى أن صحة البشر والحياة البرية والنظم البيئية مرتبطة ارتباطا وثيقا”.
ويشير “الصندوق العالمي للطبيعة” إلى أن “النص جاهز تقريبا للاعتماد”، “وهي خطوة إيجابية لمؤتمر الأطراف”، مبديا رضاه لرؤية الخطة تشير بوضوح إلى خطر الأمراض الحيوانية المنشأ الناجمة عن تدمير الموائل أو نشر البشرية للأنواع الغريبة الغازية.
غير أن أوكريوداين يخشى استخدام لغة مخففة بشأن مسؤوليات “الزراعة المكثفة أو استخدام مضادات الميكروبات”.
وستكون للخطة سلطة أخلاقية لكونها نصا حظي بموافقة 196 دولة، لكنها لن تكون ملزمة.
وتؤكد ليبرمان أن “خطة العمل التطوعي ليس لها أي عواقب إذا أرادت الحكومة تجاهلها”، مضيفة “هناك أمراض جديدة ذات منشأ حيواني طوال الوقت، مثل مرض ماربورغ (الذي س جل في رواندا). إذا لم يتغير شيء، سيكون هناك وباء آخر. السؤال ليس هو +هل سيكون هناك+ جائحة أخرى، لكن +متى+”.

Top