يعيش حياته الفنية ويبدع في صمت.. يقول كلمته وينصرف بدون ضجيج ولا ادعاء.. هو ممثل كوميدي ومخرج وكاتب سيناريو (بالدارجة والأمازيغية) ومترجم.. إنه الفنان أيت همو اعدي لحسن، المعروف في الأوساط الفنية باسم الشهرة “سرحان” نسبة لقبيلة أيت سرحان، بضواحي الصويرة، التي ينتمي إليها..
غالبا ما نجد كبار الفكاهيين في العالم خجولين، لكنهم في الأداء التمثيلي يركبون صهوة الجرأة ولا يحصرهم حاصر.. كذلك الشأن بالنسبة لفناننا سرحان.. فهو غزير الإنتاج لكنه لا يبالي بالحديث عن تجربته ولا يهمه تسويق “بضاعته”، وربما هذه حال ورثها عن أجداده الأمازيغ الذين يعملون أكثر مما يتكلمون..
رغم أنه رباطي المولد، إلا أنه مرتبط حتى الجنون بجذوره في قبائل إحاحان وبالذات دوار أكدود أيت سرحان.. ذلك ما يظهر جليا من خلال كل أعماله في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية الأمازيغية.. تمثيلا وكتابة وإخراجا..
تشبع بفن التمثيل، كمعظم الممثلين، منذ مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، لكن بداية ارتباطه الوثيق بالحقل الفني، إبداعا وتنظيما، تعود إلى سنة 1991، حيث عمل على / وشارك في تأسيس فرق مسرحية بكل من الرباط وأكادير والدار البيضاء، وساهم في إنجاز عدة أعمال مسرحية بالدارجة والأمازيغية..
لكن تجربته الفنية ستعرف تحولا كبيرا انطلاقا من السنوات الأولى لبداية الألفية الثالثة، عندما كتب وأخرج وشخص مجموعة من الأفلام الكوميدية والدرامية التي دخل بها لعالم الاحتراف وتعرف عليه الجمهور من خلالها، منها الفيلم الكوميدي الشهير “إسوينكيمن” وشريط “أرفوفن” وفيلم “إسكيرن” وغيرها..
وستتعمق تجربته أكثر حينما تمكن من الاشتغال إلى جانب كبار المخرجين الذين سبقوه.. حيث وجد نفسه أمام أعمال بمثابة ورشات ومحترفات تتيح له فرصا لتعميق واستكمال التكوين لاسيما في مجال التقنيات السينمائية في التصوير والإنارة والصوت والتوضيب.. فاشتغل تحت إدارة مخرجين مكرسين كمساعد مخرج وككوتش وكمدقق لغوي فضلا عن اشتغاله كممثل.. وهكذا عمل كمساعد مخرج في السلسلة البوليسية “المفتش قاسم” للمخرج سعيد خلاف؛ وفيلم “أوثار الحياة” للمخرج محمد بوزكون؛ وفيلم “الصدق” للمخرج محمد الشريف الطريبق، والفيلم السنيمائي “تاونزا” للمخرجة مليكة المنوك؛ وفيلم “لعبة امرأة” للمخرج حكيم قبابي.. كما عمل ككوتش ومدقق لغوي في الفيلم السينمائي “حب الرمان” للمخرج عبد الله فؤكوس وأفلام أخرى يضيق المجال لحصرها..
بذلك استطاع فناننا سرحان أن يتمكن من الصنعة والحرفة في مجال السينما والتلفزيون، وإثر ذلك اختار أن يخرج أفلامه بنفسه، لاسيما تلك التي كتب هو سيناريوهاتها.. نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: السلسلة الكوميدية “إمزداغن”، الفيلم السينمائي القصير “أمين الأسرة”، السلسلة الأمازيغية “الهربوب” (من 10 حلقات)، السلسلة الكوميدية “عاين باين” (من 30 حلقة)، السلسلة الكوميدية “ستار طير”، السلسلة الكوميدية “حساب صابون” (من 30 حلقة)، الفيلم السينمائي القصير “اليد البيضاء”، و”شاشة سوداء”، والفيلم السينمائي (الفخ) وغيرها من الأعمال الدرامية التي بثتها القناة الأمازيغية أو الأولى أو القناة الثانية، وشارك بها المخرج في مهرجانات سينمائية عدة..
أمام هذا الزخم من الإنتاج، لم يتخل سرحان عن فن التمثيل، فنجده ممثلا في كل أفلامه، كما تتم المناداة عليه من قبل بعض المخرجين ليشارك في تمثيل أفلامهم ومسلسلاتهم، بل منهم من يختاره للعب أدوار البطولة، كدوره في فيلم “سيدة الظلام” للمخرج براهيم الشكيري.
لكن المؤسف أمام كل هذا التراكم، هو أن الفنان سرحان لم ينل حظه من الاستقبال النقدي، رغم أن أعماله تبث على القنوات العمومية الوطنية، ومتاحة على منصات متعددة، وتحظى بنسبة مشاهدة عالية. وكذلك الشأن بالنسبة لضعف الاهتمام الإعلامي بأعماله وبالدراما الأمازيغية عموما، خصوصا إذا علمنا، وربما البعض يجهل ذلك، أن المخرج سرحان كان سباقا لتحقيق بعض المنجزات لأول مرة في الدراما الأمازيغية قبل غيره.. فأول الأفلام الناجحة التي أدخلت ما يسمى بـ “المؤثرات الخاصة” LES EFFETS SPECIEAUX كانت من توقيعه، كفيلم “الحكمة”، وكذلك فيلم “كازا إداوتانان” كأول فيلم أمازيغي من نوع الأكشن، وكان أيضا من الأوائل الذين وضعوا اللبنات التأسيسية للأفلام الغنائية في الدراما الأمازيغية كأفلام “تيبضيت الوالدين”، “الهول نتاروا”، “إمحسادن نتايري”، “الفال اومليل”، “تيركي نغواليم”، “تيبراتين”، “تودرت الحسين أمراكشي” وغيرها من الأعمال التي لقيت استحسان الجمهور الأمازيغي الميال بطبعه للشعر والغناء..
هو هذا إذن السيد سرحان الأمازيغي الذي أبدع وصال وجال في الدراما الأمازيغية كتابة وإخراجا وتشخيصا.. بجنسيها الكوميدي والمأساوي، وراكم تجارب تمكن من خلالها أن يضع لنقسه موطأ قدم في المشهد السينمائي الأمازيغي الوطني.. وأهمله النقد الفني والإعلام الثقافي، ربما بسبب ما عانته الثقافة واللغة الأمازيغيتان من إقصاء وتهميش على مدى عقود، وكذلك بسبب تراجع الإعلام الثقافي عموما وهيمنة ثقافة التفاهة والتهريج، ولكن أيضا وأساسا بسبب الاختيار الذي تشبث به الفنان سرحان وهو الاشتغال في صمت وبتواضع خارج الأضواء وبعيدا عن المسالك الملتوية.
بقلم: الحسين الشعبي