دعا الناشط البيئي محمد التفراوتي إلى الحفاظ على الموروث الواحي للمملكة من خلال العناية والتفحص بالنظر لاستعجالية المخاطر المحدقة بهذه المناطق الجغرافية النائية والمعطاء التي تئن تحت وطأة تغير المناخ وبطش الحرائق، وشح المياه، فضلا عن السلوك البشري غير السوي تجاه معظم الموارد المختلفة باختلاف المجالات وتنوعها.
فيما يلي النص الكامل للرسالة المفتوحة:
السيد الوزير المحترم
أود أن ألفت انتباهكم، عبر هذا الخطاب المفتوح، إلى ملف هام يتعلق بالواحات المغربية الذي يستوجب العناية والتفحص لاستعجالية المخاطر المحدقة بهذه المناطق الجغرافية النائية والمعطاء والتي نلدغ كل سنة بشرارة المعاناة التي تطالها. واحات تئن تحت وطأة تغير المناخ وبطش الحرائق وشح المياه..، فضلا عن السلوك البشري غير السوي تجاه معظم الموارد المختلفة باختلاف المجالات وتنوعها.
أضحت حرائق الواحات سنة واجبة كل عام بالمغرب، يستشري لهيبها في مناطق جغرافية بعينها، تخلف خسائر مهولة تجهز على كل الآمال والآفاق الواعدة في رفع نسبة الإنتاج الوطني من التمور، وتطوير مجال الواحات الوطنية الوارف واستدامة نظمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتثمين تراثها المادي واللامادي بعقلانية وابتكار. كما أضيف كابوس آخر هو الفياضانات، مثل حدث فيضانات الرشيدية الأخير الذي خلف خسائر بالقنوات المائية المرتبطة بالآبار والتي تمتد أفقيا تحت الأرض (الخطارات). الحصار من كل جانب. مرة لهيب النيران وتارة أخرى فيضانات تغمر الحقول المعيشية لساكنة لا مورد لها إلا ما تكتسبه من مداخيل بسيطة من هذه الفضاءات المستنزفة.
الحرائق المسجلة كل سنة تربك مختلف الاستراتيجيات التي تنشد تحقيق تنمية مجالية مستدامة. هل هو عامل مناخي أقوى من كل الاستعدادات وسبل المواجهة المعتمدة من قبل الجهات الوصية والمعنية؟ خصوصا أمام استحضار السياق الدولي المتمثل في تفشي الحرائق في عموم دول العالم. آخرها حريق أمريكا.
وعليه، لا مناص من استحضار بعدين رئيسيين.
الأول يندرج ضمن السياق الدولي ويؤكد فرضية انعكاسات تغير المناخ وتبعات الاحترار العالمي.
وثانيا، وطني بزغ في أوج تجلياته خلال ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة قياسية تجاوزت 50 درجة، حيث شهدت مدينة أكادير (وسط المغرب)، يوم 11 غشت 2023، أقوى ارتفاع للحرارة شكل حدثا مناخيا وطنيا متطرفا. ودخل المغرب تاريخ أعلى درجة حرارية بتسجيل، لأول مرة، رقم قياسي بلغ نحو 50.4 درجة مئوية.
ومن المرجح أن هذا الاستثناء المناخي يوعز إلى تأثير تغير المناخ، رغم أن هناك من يعتبر أن الظاهرة ما هي إلا دورة مناخية عادية.
لا مراء أن تأثير تغير المناخ طال معظم الدول من ضمنها المغرب. ومختلف الظواهر المناخية القصوى التي تبدو هنا وهناك، مع موجات الحرارة الشديدة التي هي تذكير بوجوب اعتماد سياسات عمومية تروم إيجاد سبل التكيف مع تغير المناخ، وتأهيل المناطق الهشة للتكيف مع مثل هذه الحرارة المتطرفة، خصوصا في مجال القطاع الزراعي والواحات.
وعليه أخبركم السيد الوزير أن إدارتكم فطنت إلى وجوب اعتماد استراتيجية تحمي الواحات المغربية ونظمها البيئية الأكـثـر هشاشة، وتشجيع معالجة قضايا تـغـيـر المـنـاخ مـن خــلال إجـــراءات الـتـكـيـف واستحضار خـصـائـص كـل نـظـام بيئي، وكذا الدعوة لتعاون دولـي قوي لمواجهة تغير المناخ.
فأعلن رئيس الحكومة، حينها، مبادرة “الواحات المستدامة” وذلك في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرون بمدينة مراكش (COP22) عام 2016 بأفكار وتصور جيد يفي بالرهان ومتطلبات واقع الواحات المغربية. لكن بقيت حبرا على ورق لسنين طويلة لم تفعل، إلى حين انعقاد المؤتمر الدولي للواحات ونخيل التمر في مدينة ورزازات، 29 – 30 مايو 2023 حول موضوع “جميعا من أجل استدامة وتكيف المنظومة الواحية”، من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وأعلن رسميا تبني المبادرة عمليا بعد انتظار ثمان سنين.
نعم 8 سنوات. وتنفس ساكنة الواحات الصعداء. وبدأ الترقب عن مبادرات الاستدامة دقيقة التصور. هذا طبعا أمام برامج موازية تروم تحسين تجديد أنظمة الواحات للوزارة أو مساعي الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وأركان.
انتظار وترقب، إلى أن برزت في الأفق مبادرة عربية تنشد الدعم وتبادل الخبرات والتجارب للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي.
ففي أفق تعاون عربي، وفي إطار تبادل الخبرات والتجارب بين الدول المعنية بالواحات، بادرت جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، والتي يرأسها خبير من مغاربة العالم، في سياق استدامة الواحات بالوطن العربي، إلى الإعلان عن “المبادرة الدولية للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي” على مستوى دول شمال افريقيا والشرق الأوسط في المؤتمر الدولي السابع لنخيل التمر (مارس 2022) بالتعاون مع الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان، من أجل تنمية واحات نخيل التمر التاريخية وتثمين المخزون الزراعي والثقافي والاجتماعي للواحات، والمحافظة على الإرث الفلاحي والبنك الجيني للتنوع الحيوي، والإرث الثقافي للواحات.
فتم تمكين مجتمع الواحات من صون التنوع البيولوجي للواحات وتعزيز أمنه الغذائي لمواجهة التغير المناخي، والمحافظة على التراث المادي واللامادي للواحات في مواجهة التغير المناخي.
وقد صممت للمبادرة مخرجات تروم بناء شراكات إقليمية ودولية لتعزيز التعاون للمحافظة على واحات النخيل في مواجهة التغير المناخي، وتنشد نقل المعرفة ونتائج المشاريع والبرامج التي تم إنجازها في الواحات وفق أفضل الممارسات الدولية، ما أدى إلى حصول الواحات المستهدفة على شهادة (GIAHS) من منظمة الأغذية والزراعة. وستعمل المبادرة على إعداد وثيقة خاصة بالواحات المستدامة لنخيل التمر ورفعها للجهات المعنية بالأمم المتحدة.
لكن لم يحسم الوزير السابق السيد الصديقي في التوقيع رسميا على المبادرة كوصي على القطاع، وذلك في مختلف المناسبات، سواء في مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ بالإمارات (COP28) نوفمبر 2023، أو في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس. وكذا المعرض الدولي للتمور. ففي كل مرة كان الأمر يؤجل إلى مناسبة مقبلة وهكذا دواليك. التأجيل، تم التأجيل. ومصالح ساكنة الواحات تضيع والفرص تهدر دون مبرر او مسوغ. وصلنا الآن إلى 10 سنوات منذ قمة المناخ بمراكش.
وعليه نلتمس منكم السيد الوزير إيلاء عناية خاصة بهذا الملف. ورفع كل التباس. والعمل على تفعيل مبادرة “الواحات المستدامة” في سياق دولي كي ينعم مواطنو الواحات بالاستقرار، وتصان مواردهم ورأس مالهم الطبيعي من كل منغصات طبيعية أو بشرية، وتنتصر المبادرات الجادة الضامنة لحقوق الأجيال القادمة.
ودمتم للصالح العام والسلام.