أرشيف المغرب

لأول مرة صار المغرب يمتلك مؤسسة وطنية تتولى صيانة تراث الأرشيف الوطني، والقيام بتكوين أرشيفات عامة وحفظها وتنظيمها وتسهيل الولوج إليها.
مؤسسة «أرشيف المغرب» التي تم تدشينها يوم الجمعة الماضي، واتخذت من المقر السابق للخزانة العامة بالرباط مقرا لها، يندرج إحداثها ضمن مسلسل تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، خصوصا ما يتعلق بالذاكرة والتاريخ، كما أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا، كان قد وقع في نونبر 2009 اتفاقية مع وزارة الاقتصاد والمالية ومفوضية الاتحاد الأوروبي بشأن مواكبة تنفيذ توصيات الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بالتاريخ والذاكرة، ومن ضمنها إحداث «أرشيف المغرب»، وبالتالي فإن تدشين المؤسسة اليوم يمثل تتويجا لكل هذه المساعي، وخطوة أخرى على طريق جبر أضرار المجتمع وحماية ذاكرته.
بلا شك، إن كثير أسئلة وملاحظات تفرض نفسها بشأن التأطير القانوني للمؤسسة الجديدة، ومداخل تطويرها مستقبلا، لكن، مع ذلك، فإن تدشينها اليوم يجعلها أمرا واقعا، وبالتالي فإن مسلسل التطوير والمراجعة والتعديل سينطلق من شيء ملموس وموجود على الأرض.
من جهة ثانية، فإن مؤسسة مثل «أرشيف المغرب»، وإن كان سياق تأسيسها يرتبط بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن أدوارها ومجالات عملها ستشمل مختلف وثائق البلاد وأرصدتها الحاضنة لتاريخ المغرب وراهنه ومستقبله، ومن ثم فهي لن تكون معنية فقط بفترة تاريخية محددة، أو بقضية أو مبحث بعينه، بل إن عملها التوثيقي والعلمي سيتسم بالشمولية.
وفضلا عما سبق، فإن الأكثر أهمية في كامل هذه المنظومة، هو جعل التراث الأرشيفي الوطني متاحا للباحثين والصحفيين وغيرهم من مؤسسات وأفراد، وذلك وفق آليات قانونية وتنظيمية واضحة وميسرة، وبما يجعل من هذا العمل تجليا آخر لشفافية الدولة وحداثتها وديمقراطيتها.
إن جعل المؤسسة، بموجب قانون 30 نونبر 2007، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويشرف عليها مجلس إداري، علاوة على اختيار باحث معروف لإدارتها، يفتح الباب للتفاؤل بخصوص قدرة المؤسسة على إعمال برامجها الطموحة والنجاح في جمع التراث الأرشيفي المغربي، وتنظيمه وجعله مفتوحا أمام الراغبين، وأمام البحث العلمي، بما يساهم في صيانة ذاكرة شعبنا وبلادنا، وإغنائها، واستثمار التجارب المخزنة في ثناياها لتطوير مسارنا الديمقراطي والحداثي والتنموي.
الذاكرة ملك للمغاربة جميعهم، ولتراثنا الأرشيفي الوطني كثير تجليات في السياسة والثقافة والعلم والفنون والمجتمع، ولمؤسسة «أرشيف المغرب» مسؤولية ضخمة في تجميع أرصدة هذا التراث عبر مختلف حقب تاريخنا ومن مختلف المصادر، ثم تنظيمه وتجهيزه، وبلورة القوانين والمساطر الميسرة لاستثماره والولوج إليه.
وحتى تنجح المؤسسة في  كسب هذا الرهان، لا بد من دعمها وإسناد مسؤوليها والتفاعل مع برامجهم من لدن مختلف المؤسسات والسلطات المعنية.

[email protected]

Top