احتجاجات غريبة

جاءت أحداث أسفي لتنبهنا مرة أخرى إلى اتجاهات غريبة صارت تسلكها بعض الاحتجاجات الشبابية والاجتماعية في بعض المناطق، ومؤخرا في المدن المنجمية، وهي تطورات تسائلنا جميعا، وتفرض التفكير في كل الانعكاسات والمآلات.
لقد تم تخريب ممتلكات لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في مرة سابقة، وتمت عرقلة سير القطارات المزودة للمصانع وتلك الناقلة للمنتوجات الفوسفاطية، كما جرى تعطيل حركة النقل السككي، واليوم تم إحراق مقرات إدارية  وأتلفت وثائق وملفات، بالإضافة إلى  أحداث أخرى، وكلها تجعلنا اليوم أمام سؤال جوهري لا يرتبط بتنظير أو بحيثيات تحليلية، بل يلخص عمق انشغال المغاربة…
ماذا يحصل؟
لم تنقصنا يوما الاحتجاجات والمسيرات طيلة التاريخ النضالي لشعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية، وقد بقي النبض حيا ووقادا حتى في أحلك سنوات الرصاص، ولكن نضالية شعبنا لم تكن يوما تعني تخريب المنشآت الاقتصادية الحيوية لبلادنا، كما أن المعارك النضالية التي خاضها شعبنا كانت دائما مؤطرة بمرجعيات مطلبية واضحة في الشكل والأسلوب والهدف.
إن الأعمال التي ترافق اليوم الاحتجاجات الاجتماعية في بعض المناطق، وأيضا بعض الشعارات التي صارت ترفع في بعض المسيرات الشبابية، تطرح على مقترفيها ومسانديهم سؤال الخلفية والغاية في كل هذا الذي يجري.
ما معنى أن تتحرك كثير أشياء في البلاد منذ خطاب تاسع مارس إلى اليوم، ووحدها لافتات الاحتجاجات والمسيرات وعقلياتها تبقى جامدة ؟؟؟؟؟؟
إن التطورات السلبية التي تشهدها بعض الحركات الاحتجاجية تفرض اليوم نقاشا صريحا ومسؤولا وأن نسمي الأشياء بمسمياتها من دون مزايدات.
إن الانضباط لمقتضيات دولة القانون، والحق في الفضاء العمومي وتمثل القناعات الحقوقية، كل هذا من مسؤولية الجميع، بمن في ذلك منظمو الاحتجاجات أنفسهم، تماما كما أن حماية استقرار البلاد والدفاع عن ثرواتها الاقتصادية ومؤسساتها الإنتاجية هي مسؤوليتنا كلنا.
في السياق نفسه، تفرض المناسبة التذكير بأن المعضلة الاجتماعية تعتبر أولوية في مغرب اليوم، ومن المستعجل الانكباب على قضاياها (التشغيل، السكن، الصحة، التعليم…)، كما أن إنجاح أوراش الإصلاح السياسي، وكسب رهان الاستحقاقات المرتقبة، وتمكين البلاد من برلمان قوي وتمثيلي وحكومة قوية ومنسجمة، وأيضا تخليق وتأهيل حقلنا السياسي والمؤسساتي والانتخابي والحزبي، من شأن كل هذا إحداث الأثر الملموس على الواقع، وجعل الناس يقتنعون بأن البلاد تتغير فعلا.
من المصلحة اليوم أن يعم الوضوح، وأن تسير البلاد بثبات نحو التغيير في إطار دولة القانون، وأن تكون مؤسسات الدولة حاضرة وفاعلة وقوية بالقانون وبانضباطها له.
[email protected]

Top