ضد الإجرام في الداخلة

برغم الهدوء الذي عاد إلى الداخلة، فإن ما شهدته المدينة مروع فعلا، ويستدعي انكبابا عميقا على تحليل وقائعه بغاية إيجاد الأجوبة الضرورية لما حصل…
أن تتشكل جماعات أو ميليشيات من ملثمين يركبون سيارات رباعية الدفع لا تظهر أرقام لوائحها، وينشرون الرعب والموت وسط الناس في شوارع المدينة، ويتعمدون دهس أبرياء، فهذا خطير وغير مقبول بتاتا…
أن يطالب البعض بترحيل مواطنين مغاربة إلى خارج المدينة بخلفيات قبلية، فهذا كذلك مرفوض، ولا مكان له في مغرب اليوم وفي عالم اليوم…
أن تتحول اشتباكات أعقبت مباراة عادية لكرة القدم بين فريقين مغربيين، إلى مواجهات تحضر فيها الخلفيات السياسية، والانفصالية حتى، فهذا يرفضه كل المغاربة…
أن يعمد البعض إلى استباحة أرواح الناس وأعراضهم وأملاكهم، فكل هذا لا يمكن اعتباره إلا إجراما، وليس شيئا آخر.
أن يتم إحراق وكالات بنكية ومقرات إدارية ومؤسسات تعليمية، وفرض حالة إغلاق شامل في المدينة وشل حياتها الاقتصادية والتجارية والإدارية، فهذا أيضا إجرام، وكل قوانين الدنيا تعاقب من يرتكبه..
بلا شك، أن العلاقات المحلية والمشاعر في الداخلة باتت، منذ فترة، مليئة بالضغائن، وانتشر الغل بين الناس وبين الأسر، ومس أحيانا الروابط العائلية والقبلية نفسها، وذلك بسبب تراكم الوقائع منذ سنوات، وبسبب ظروف الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وأيضا بسبب نمط تدبيري وإداري عاشته المنطقة في السابق، لكن كل هذا لا يسمح لأحد بتحويل الداخلة إلى مرتع للسيبة، وإلى أرض بلا قانون.
وبنفس القوة، نعتبر أن ما جرى يعيد التنبيه إلى استعجالية الانكباب على القضايا الاجتماعية والتنموية لساكنة المنطقة، وضرورة تغيير أساليب وسياسات التدبير الإداري والأمني للعلاقات مع المواطنين هناك، وهذه مهام لا شك أن وزير الداخلية قد وقف عليها أثناء تواجده في عين المكان، واستماعه إلى تظلمات الناس ومطالبهم، وهي تحتاج إلى تفاعل إيجابي وسريع.
من جهة ثانية، فإن دور العناصر الانفصالية غير مستبعد فيما حصل، خصوصا على ضوء السياق الإقليمي الساخن، والذي انعكس بكثير من السلب على الطروحات الانفصالية، كما أن توقيت أحداث الداخلة مع تحركات الديبلوماسية المغربية في نيويورك لا يمكن استبعاده من التحليل، وكل هذا يجعل فرضية تعمد العناصر الانفصالية نقل استفزازاتها إلى داخل مدينة هادئة مثل الداخلة أمرا متوقعا، ما يقتضي الانتباه والحرص على استقرار وأمن  مدننا الجنوبية، وأيضا تعزيز برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية هناك، إلى جانب تطوير الحوار والتواصل.
إن الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في بلادنا تفرض كذلك الوعي بأهمية انبثاق نخب سياسية ومجتمعية جديدة في أقاليمنا الجنوبية تكون قادرة على تمثل تفاصيل وإشكالات الرهان الوطني لمغرب اليوم، والعمل لتحقيقه.
في الداخلة برز من جديد الدرس واضحا للجميع، وهو أن الرهان اليوم، على الوطن وعلى وحدته وعلى استقراره، وعلى إنجاح التغيير ضمن المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.

Top