أبو بكر القادري

ووري الثرى أول أمس الأحد بسلا جثمان أبي بكر القادري، وهو واحد من كبار قادة الحركة الوطنية وحزب الاستقلال، وبرحيله لم يتبق على قيد الحياة سوى واحد من الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال.
إن كثافة الحضور في جنازة الرجل، ومشهد الطيف السياسي والثقافي المتنوع يسير وراء جثمانه إلى الزاوية القادرية بسلا، يؤكد أن الكثيرين احتفظوا للراحل بصورة الموحد والمتسامي فوق الخلافات.
لقد نجح القادري على امتداد عقدين على الأقل في جعل الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني بيتا جامعا وموحدا لكافة المغاربة، وحاضنا لشعورهم الوطني والإنساني تجاه قضية الشعب الفلسطيني، كما مثل الرجل باستمرار عنوانا رئيسيا في ارتباط المغرب بمحيطه المغاربي والعربي، وبقضايا الشعوب العربية ضد الاحتلال، وبوحدة وتعاون الحركات التحريرية للبلدان المغاربية .
بقي القادري أيضا، وبحسب كثير من الاستقلاليين، مترفعا عن كل الاصطفافات داخل الحزب وحوله، وكان الكل يلجأ إليه، ويحتمي بحكمته وبرجاحة النظر.
صورة ثانية ستبقى ملتصقة بأبي بكر القادري، وهي أنه استطاع دائما أن يبرز تشبثه بقناعاته الدينية الإسلامية وشخصيته المغربية المحافظة الأصيلة، وفي نفس الوقت انفتاحه على عصره، وعلى تطور مجتمعه والعالم، وبذلك كان نموذجا عمليا للشخصية المغربية الوسطية المعتدلة والمنفتحة.
لقد عكس القادري هذه الجدلية الخلاقة من خلال مواقفه، وفي كتاباته، وأيضا وسط محيطه الأسري والعائلي والحزبي، وبرحيله نفقد علامة وطنية مركزية في مناهضة التشدد والتطرف ورفض الغلو.
منذ شيوع نبأ وفاته مساء الجمعة، تقاطرت عبر وسائل الإعلام وفي بيت العائلة عبارات ومشاعر الأسى من لدن فعاليات سياسية وثقافية وتربوية ونسائية خبرت الفقيد وعايشته وقرأت له وعنه، والكثير من هذه الفعاليات لم يكن يجمعها سقف حزبي تنظيمي واحد مع الراحل، لكن كانت ترى فيه ملهما، ومساندا في القضايا الوطنية الرئيسية، وفي قضايا النساء، وفي مطالب الانفتاح والتسامح.
أبو بكر القادري، ستذكر له الأجيال الحالية أنه بقي إلى آخر يوم في حياته صحو الذاكرة وبليغ التعبير وواضح البصيرة بشأن قضايا البلاد، حتى أن الكثيرين لم يدركوا خبر مرضه، ولم يصدقوا نبأ الرحيل الأبدي، وقال عنه العديدون أول أمس بأنه شاهد عصر فعلا.
صورة أخرى ستبقى أيضا شاهدة على الفعل الوطني للقادري، وهي مدرسة النهضة بسلا، التي مكنت الكثيرين من التعلم، بل ومن التخرج وتولي المسؤوليات الوظيفية مع بداية عهد الاستقلال، وبالموازاة مع هذه التجربة الوطنية، واصل الراحل  طيلة حياته اهتمامه بقضايا التربية والتعليم، وخلف بشأنها مؤلفات وكتابات متعددة، كما كتب معرفا بعدد من الرموز الوطنية ومحتفيا بها وبتاريخها.
الرحمة للفقيد، والصبر الجميل لأهله.
[email protected]

Top