من دروس ذكرى الحماية

حلت في 30 مارس ذكرى توقيع الحماية الفرنسية على المغرب، معلنة هذا العام مرور قرن كامل على تضييع بلادنا لسيادتها على أرضها، ودخولها بذلك ضمن لائحة البلدان الخاضعة للاستعمار.
ولقد كان من المهم العمل على إبراز الذكرى والوقوف عندها بما في ذلك على المستوى الرسمي، لكن أيضا وأساسا على الصعيد الجامعي والأكاديمي، بغاية استقراء دروس الحدث، واستحضار ذاكرة شعبنا ومقاومته من أجل الحرية والاستقلال.
إن مناسبة ذكرى الحماية الفرنسية تطرح أمام الأجيال الحالية من المغاربة سؤالا كبيرا عن أسباب خضوع بلادهم قبل قرن للاستعمار، ولعل الدرس الكبير الواجب التأمل فيه على هذا المستوى، هو أن تخلف المجتمع وقتها، وترهل بناء الدولة هو ما أنتج انهيار البلاد واستسلامها لقوى استعمارية متفوقة على مستوى العلم والتقنية العسكرية والصناعية، ومتأهبة لاحتلال بلدان وشعوب أخرى ونهب ثرواتها وخيراتها.
واعتبارا لما سبق، فان الإصرار على تطوير المجتمع بالتعليم والثقافة، وبإنماء الوعي المدني والوطني، وبتمتين التحديث وإعلاء العقل، وبجعل الدولة قوية وديمقراطية، هو ما يتيح للبلاد أن تحمي سيادتها واستقلالها وأرضها.
التأمل الثاني الذي تتيحه المناسبة يتعلق بشراسة وبطولة المقاومة التي خاضها شعبنا وحركته الوطنية ضد الاستعمار، وتوج ذلك بنيل المغاربة استقلال بلادهم وحريتها، وكل هذا المسار الكفاحي، ومختلف تفاصيل وسياقات المرحلة التي استمرت من زمن فرض الحماية إلى زمن بزوغ عهد الاستقلال، يستحق مزيدا من البحث والتنقيب في الدروس والدلالات وفي الذاكرة الوطنية، كما أن هذا المسار أيضا أنتج تنامي وعي شعبنا، وارتباطه بوطنه، بل وبتشكل مفهوم الوطن ذاته، وهي كلها تحولات جرت في المجتمع وفي العقول وفي منظومات تدبير الدولة، ما يدفع اليوم إلى الانتباه إلى ما تفرضه علينا تحديات الزمن المعاصر، من حيث الحاجة إلى ترسيخ مشروعنا المجتمعي الجديد القائم على المزيد من التحديث، وعلى تقوية شروط المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى تحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتنمية الثقافية، وهذا ما يعزز وحدة المجتمع اليوم وتماسك أركانه، ويقوي ارتباط المواطنات والمواطنين ببلادهم ودفاعهم عنها وعن وحدتها وحريتها واستقلالها وتقدمها.
أما التأمل الثالث فهو يعزز الاثنين السابقين، ويتعلق بأن العالم لا زالت مع ذلك تحكمه مصالح دوله ولوبياته، ومن ثم فان امتلاك موازين القوى المادية والاقتصادية والسياسية والإستراتيجية هو الذي يضمن لأي بلد احترام العالم له، ولذلك، فان كسب رهانات الإصلاح الديمقراطي الداخلي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، هو ما يضمن للبلاد علاقات دولية جيدة، كما أن الارتكاز في السياسات الخارجية يكون للمصالح العليا للبلد، وبالتالي فان الدرس الجوهري من المناسبة اليوم هو استمرار سعي كل مكونات المجتمع من أجل يكون المغرب دولة قوية وديمقراطية في آن، ويكون بلدا متقدما اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
[email protected]

Top