الأمن في مدننا

بالرغم من تشديد وزير الداخلية أمام مجلس المستشارين على وصف الوضعية الأمنية بالمملكة بكونها «جد عادية وتبعث على الارتياح»، وهي الخلاصة التي يمكن، على العموم، الاتفاق معها احتكاما مثلا لمؤشر المقارنة مع بلدان أخرى، أو لمؤشرات تقنية مختلفة، فإن العديد من مدن ومناطق البلاد تعاني فعلا من تنامي ظواهر السرقة واعتراض سبيل المارة والاعتداء الجسدي ونهب الممتلكات، وهذا واقع موجود على الأرض، ويتكلم عنه الناس في مختلف مجالس الحديث، وتنقل الصحف يوميا أخباره وتفاصيله.
في الكثير من مدننا الكبيرة والمتوسطة، بل وحتى الصغيرة، باتت أحياء بكاملها بمثابة (نقط سوداء)، وهي تحت رحمة منحرفين وقطاع طرق، كما أن مناطق صارت تعاني من انفلاتات أمنية تجسدها جرائم حقيقية تقترف في حق ناس أبرياء ليلا ونهارا…
ربما يتطلب الأمر تحليلا أكثر عمقا للظاهرة، ودراسة جدية للأسباب والخلفيات، وربما قد نفسر ما يحصل بمبررات اجتماعية واقتصادية وثقافية وعمرانية وديموغرافية، ويكون كل هذا مقنعا ومنطقيا، لكن المعاناة التي يواجهها السكان في الأحياء والشوارع تفرض اليوم حلولا أمنية مستعجلة، أي تمكين الناس من حقهم في الشعور بالأمان داخل بيوتهم، وفي الشارع، وبالاطمئنان على سلامتهم وعلى سلامة أفراد أسرهم وممتلكاتهم.
لا ينكر أحد اليوم أن عصابات من المنحرفين تستعمل السيوف والسكاكين، وتعتمد حتى على فصيلة عدوانية ومتوحشة من الكلاب، وهي موجودة في الأحياء وفي الحافلات وفي محطات النقل العمومي وفي محيط المدارس والثانويات والجامعات والمصانع، وتزرع الرعب وسط الأسر، وتخلف أحيانا عاهات لدى الكثيرين، بل وتزهق أرواح بعضهم…
من الإيجابي الحديث عن تطوير الترسانة القانونية والتنظيمية، ومن المهم الانكباب على تكوين قوات الأمن على ثقافة القانون وحقوق الإنسان، ولكن مطلوب أيضا تعزيز التغطية الأمنية في مختلف الأحياء، وتقوية حضور الشرطة بالقرب من الناس، وجعل المواطنات والمواطنين يحسون بالأمان والطمأنينة في حياتهم اليومية، وفي تنقلاتهم وأنشطتهم المهنية والاجتماعية، ومطلوب كذلك الإسراع بتمكين المصالح الأمنية من وسائل العمل، وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية لكي يحسوا هم بالاطمئنان، ويكون في الإمكان منحه إلى المواطنين.
في السياق نفسه، لا بد من التأكيد على أن البلاد فعلا لم تشهد أي انفلات أمني يحمل طبيعة وطنية عامة على صعيد كامل البلاد مثلا، وهذا يمكن احتسابه للسياق السياسي العام، وللجهود التأطيرية لكافة المتدخلين في الحقلين الاجتماعي والسياسي، بالإضافة طبعا إلى جهد المؤسسات الأمنية في محاربة الجريمة، والعمل على تثبيت الأمن والاستقرار، لكن ما يتعرض له المواطنون يوميا في العديد من جهات المملكة يتطلب اليوم من قوات الأمن تكثيف حضورها وتحسين مردوديتها لجعل المغاربة يحسون بالأمن في حياتهم اليومية.

[email protected]

Top