تهديد دفاتر التحملات

التصريح التهديدي الذي رمى به البرلماني عبد الله بوانو بشأن نقل ما اعتبره معركة حول دفاتر تحملات التلفزيون العمومي إلى الشارع، ومواجهة من وصفهم بجيوب مقاومة الإصلاح يقدم في الواقع أكبر إساءة للوزير الخلفي، ويعكس مستوى فهم الأشياء وخلفياتها ومنهجيات العمل، كما أن  تحريك حملات فايسبوكية وتوقيع عرائض لدعم هذا الطرف أو ذاك،  وتوزيع الجريدة بالمجان في الدار البيضاء، كل هذا من شأنه إجهاض حوار يبقى مع ذلك صحيا وايجابيا بالنسبة لمستقبل إعلامنا السمعي البصري، ولأفقنا الديمقراطي المشترك.
لقد سبق أن أبدينا استغرابنا للخروج الإعلامي المفاجئ لمسؤولي المؤسسات الإعلامية في مواقف تبرز رفضا واضحا لتصورات وزير القطاع، وهو السلوك الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، واستغربنا لصمت حكماء الهاكا، لكن مع ذلك، فان انتقادات المهنيين، وفعاليات مختلفة من المجتمع تفرض الإنصات لها، والتفاعل الحكومي الايجابي معها، وليس الدفع بوقفها القسري وتخويف المنخرطين فيها.
ليس المهم اليوم التذرع بانضباط ادراي بارد للمساطر ولشكليات التصديق، ولكن من المهم أكثر إيجاد المداخل لتعزيز الحوار حول دفاتر التحملات داخل مجلس الحكومة أولا، ومن خلال حوار مؤسساتي منظم وجدي مع ممثلي المهنيين، ومع الفعاليات الثقافية والفنية والإعلامية والحقوقية، ثم السعي لبلورة اتفاقات واسعة من شأنها أن تؤمن دعما كبيرا وإسنادا مجتمعيا  للإصلاح وللدفاع عنه.
المهم اليوم، هو شجاعة التدارك والانكباب على إبداع السبل الكفيلة بتصحيح أي اختلال، وإيجاد المخارج لكل منغلقات التنفيذ، وبالتالي تنزيل الإصلاح على الأرض.
هذا هو المطلوب اليوم، أما جعل الأمر كله بمثابة مواجهة شعبوية تتطلب النزول إلى الشارع للدفاع عن الوهم، فهذا الأسلوب من شأنه إحداث انعكاسات سلبية في المستقبل على كل حوار مجتمعي بشأن قضايا أساسية أخرى .
سيكون خطأ قاتلا إذا تم حصر كل من يبدي انتقادا اليوم لدفاتر التحملات ولمنهجية إعدادها في دائرة الشياطين ورافضي الإصلاح وفي اللوبي الفرانكفوني المهيمن والخائف على مصالح معينة، وستقود هكذا عقلية إلى … الفتنة فعلا، والى جعل دفاتر التحملات هي المنتهى والغاية، والحال أن الهدف هو تأهيل حقيقي وشامل لإعلامنا العمومي، كما أن شعبنا اليوم يتطلع إلى الحكومة الحالية كي تحقق مطالبه الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وكي تنجح في الحد من الفساد، وكي تحقق على الأرض حكامة جيدة ومختلفة .
وعليه، فان المطلوب اليوم هو الرفع من مستوى النقاش الجاري بشأن دفاتر التحملات، وتفادي جره إلى التخوين والاتهامات المجانية  وقلب الحقائق، وهنا البداية يجب أن تصدر عن الحكومة، أي الوزارة المسؤولة عن القطاع، وذلك بالخروج الشجاع إلى المجتمع (داخل الحكومة أولا، ومع المهنيين ثانيا، ومع مختلف فعاليات المجتمع المعنية)، والتصريح باستعدادها لتلقي الملاحظات، وتبادل الآراء، والعمل على بلورة خلاصات مشتركة حول الإصلاح، والتفكير في سبل التعديل والتصحيح.

Top