مسؤولية التعيينات

تدارس مجلس الوزراء الذي انعقد أول أمس بوجدة تحت رئاسة جلالة الملك القانون التنظيمي رقم02-12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وذلك بعد صدور قرار المجلس الدستوري رقم 854/12 القاضي بجعل أحكام المادتين 2 و3 مطابقة للدستور. وبغض النظر عن الآراء القانونية والتقنية والسياسية المعبر عنها هنا وهناك هذه الأيام بشأن مقتضيات هذا النص، فإن التقدم الذي يجسده يبقى واضحا، ويمثل سابقة عما كان يجري العمل به إلى اليوم.
إن المكاسب والخطوات المتقدمة التي يتم تحقيقها تقاس أيضا بما كان يحدث قبلها، وكذا بما كانت تطالب به الأطراف، وعلى هذا الصعيد، فإن النص الجديد يحمل مستجدات، في المضمون وفي الشكليات المسطرية، لم تكن لا في الواقع ولا في مطالب الكثيرين، ولهذا يجب تثمين ما تحقق، والانطلاق منه لتحقيق مكاسب أخرى جديدة في المستقبل.
وفي المقابل، فإن الأهم اليوم يبقى هو أن تنجح الحكومة في مسؤولية التعيين في مئات المناصب التي يعود إليها الاختصاص بشأنها، وأن تقدم الدليل على قدرتها على إعطاء الحياة والمعنى لما يتم تحقيقه من مكاسب في القوانين وفي النص الدستوري.
اليوم، عندما يتابع المغاربة اعتقال مسؤولي عدد من المؤسسات، فإنهم يتطلعون إلى الحكومة الحالية كي تنجح في اختيار أطر وطنية تتحلى بالكفاءة المهنية والتدبيرية الضرورية، ومتشبعة بالمصداقية الأخلاقية والوطنية، وقادرة على احترام القانون، وعلى خدمة الشأن العام من دون جنوح نحو النهب والاختلاس والاغتناء غير المشروع…
إن المناصب التي سيتم التعيين فيها يجب أن تبتعد عن الترضيات، وعن كل الخلفيات والنزوعات الذاتية، لفائدة رؤية وطنية قوامها إسناد المسؤولية لمن يمتلك الكفاءة والنزاهة والحس الوطني، ولمن هو قادر على المساهمة في إنجاح مسلسلات التأهيل التنموي لبلادنا.
إن مسؤولية الحكومة لن تكون محصورة في اختيار المستحقين للمسؤولية، وإنما تشمل أيضا النجاح في ترسيخ منظومة متكاملة للحكامة الجيدة في إدارة المؤسسات، وفي التطبيق الدائم للقانون، وتفعيل المراقبة والتتبع، وبالتالي جعل الجميع ينضبط لمقتضيات القانون.
وإذا نجحت الحكومة في الاختيار، وفي تجويد التدبير والحكامة، فإنها ستكون قد قدمت خدمة كبرى للبلاد، من خلال تقوية أسس دولة القانون، وترسيخ مبدإ الاستحقاق في تولي المناصب بدل كل أشكال الزبونية والمحسوبية والوساطات، وهذا من شأنه تحسين المناخ العام في بلادنا، وتحسين صورة البلاد في الداخل وفي الخارج.
إن بلادنا اليوم تتغير فعلا، والنقاش الذي يثيره القانون المشار إليه أعلاه أحد تجليات التغيير، كما أن الجدل الذي أثير مؤخرا بشأن حصانة العسكريين يندرج في السياق ذاته، وهذه الدينامية تتطلب اليوم متابعة واعية ويقظة، وحرصا من كل الطيف السياسي على التطوير وعلى الواقعية.

[email protected]

Top