قضيتنا الوطنية… اليوم ودائما

كشفت المشاورات الأخيرة التي أجراها مجلس الأمن، في جلسة مغلقة، حول قضية الصحراء، والتقرير الشفوي الذي عرضه المبعوث الأممي كريستوفر روس، ورئيس بعثة المينورسو وولفغانغ ويسبورد، عن تنامي الاقتناع  في الأوساط الدولية بالضرورة الملحة لإيجاد حل لهذا النزاع المفتعل . وقد بدت هذه القناعة واضحة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك من خلال تصريحات روس نفسه، جراء التحديات الأمنية والإستراتيجية التي تحياها منطقة الساحل جنوب الصحراء، بالإضافة إلى ما عبر عنه المبعوث الأممي حينما صرح بأن هذا النزاع « يمكن، في حال ما إذا تركناه يتفاقم، أن يغذي حالة إحباط متنام، ويسفر عن تجدد العنف والأعمال العدائية، التي ستكون مأساوية بالنسبة لشعوب المنطقة».
من جهة ثانية، كان لافتا حرص كريستوفر روس على الإشارة إلى أن تحسين العلاقات المغربية الجزائرية وبناء الاتحاد المغاربي من شأنه أن يساهم في تقدم سير المساعي الرامية لحل نزاع الصحراء، وهذا يعتبر إدخالا واضحا للجزائر في الموضوع، كما كان يطالب بذلك المغرب على الدوام. كما يذكر هذا المعطى أيضا براهنية الاندماج المغاربي اليوم، باعتباره مطلبا لشعوب المنطقة، وحاجة للبلدان الخمسة من أجل تعزيز تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وبناء مستقبل سكانها وتيسير التبادل والتنقل فيما بينهم.
أما المؤشرات الأخرى التي بدت من خلال تصريحات روس، فتتعلق بما أسماه المقاربة الجديدة في المفاوضات، حيث عرض»جولات دبلوماسية مكوكية»، بدل جولات المفاوضات غير الرسمية التي حكم عليها بالفشل، وهو ما يزكي ما كان قد نبه إليه المغرب حينما لفت إلى أن المفاوضات صارت بلا أفق.
ويضاف هذا المؤشر إلى الآخر المتعلق بالصلاحيات، حيث نفى روس أن يكون عاين أحداث عنف خلال زيارته إلى الأقاليم الصحراوية المغربية، كما جرى التأكيد على الالتزام بالمحددات التي كان مجلس الأمن قد وضعها لمسلسل التفاوض وللوساطة الأممية في هذا النزاع. وهنا أيضا يبدو واضحا الأثر الايجابي للتنبيه الذي كان قد جسده قرار المغرب سحب الثقة من روس.
إن المؤشرات الايجابية التي خرجت من المشاورات الأخيرة في مجلس الأمن حول نزاع الصحراء، تضع المملكة ضمن دينامية جديدة لابد من استثمارها وتقويتها ديبلوماسيا وميدانيا، لكنها أيضا تحمل الديبلوماسيبة المغربية عديد مسؤوليات تقتضي اليقظة ومواصلة الانتباه والتعبئة داخليا وعلى الصعيد الدولي.
وفي هذا الإطار لابد أولا من انتظار صدور التقرير النهائي لكريستوفر روس للاطلاع على تفاصيله واستنتاجاته وتحليلها واتخاذ المتعين بخصوصها، كما أن الحضور القوي اليوم للمغرب داخل المؤسسات الدولية(خصوصا على صعيد مجلس الأمن الذي يتولى رئاسته الدورية)، وداخل ديناميات إقليمية متعددة(الأزمة السورية، الوضع في مالي، الشرق الأوسط…)، يفرض تعاطيا ذكيا ويقظا بما يعزز دفاعه عن مصالحه الوطنية أولا، ويحمي التزاماته الإقليمية والدولية ثانيا، ويوفق بين الهدفين بشكل جدلي.
وبقدر ما أن المؤشرات الأخيرة كانت إذن ايجابية وداعمة للموقف المغربي، فان دقة المرحلة اليوم، إقليميا ودوليا، تفرض تدبيرا ذكيا ومنتبها لخطوات ومواقف المملكة على الصعيد الدولي، كما أنها تعيد للواجهة أهمية تقوية الورقة الداخلية، من خلال تمتين الجبهة الداخلية، وتعزيز المنجز التنموي والديمقراطي داخل الأقاليم الجنوبية لفائدة الساكنة المحلية.
[email protected]

Top