سنة ليست للنسيان

لا نكاد نشعر بالسنة التي نحن فيها إلا عند تأهبها للرحيل، مثل ضيف ثقيل نحاول طيلة الوقت أن نتجاهل وجوده، وحين بعبر عن رغبته في الانصراف، عند ذاك، نجامله ونولي اهتماما به.
بحلول السنة الجديدة نتبادل التهاني، ونتمنى لبعضنا سنة كلها مليئة بالأفراح والمسرات..

حسب العبارة المسكوكة التي تتداول بكثرة في مثل هذه الفترة بالذات.
هناك من يملك الجرأة على النظر إلى وجهه في المرآة، بمعنى أنه يحاول القيام بجرد للأعمال التي أنجزها على امتداد سنة كاملة.
قد يصاب بخيبة أمل، لكونه أضاع قطعة من عمره دون أن يحقق شيئا يذكر، ويمني النفس بأنه في السنة القادمة سيتدارك الأمر وسيضع أولويات، لكن قد تمضي سنة أخرى دون أن يتمكن من مباشرة تلك الأولويات.
إنها سنة للنسيان، قد يقول، على غرار قول اللاعبين الرياضيين بعد مشاركتهم في أسوأ مقابلة لهم: إنها مقابلة للنسيان.
القليل من المواطنين، سواء كانوا متعلمين أو غير متعلمين، هم الذين يحرصون على تسجيل يومياتهم، رغم الأهمية التي يكتسيها هذا النشاط اليومي، على اعتبار أنه يوثق لفترات من أعمارنا، ويسمح بالتالي بالاسترشاد بها في المستقبل.
هذه اليوميات، تسمح لنا بالانتباه إلى أخطائنا والعمل على تفاديها مستقبلا.
حين تقليب صفحاتها، سيتبين لنا أن الحياة ليست رتيبة كما قد نتصور، لا وجود ليوم شبيه بآخر.
وكما قال أحد الفلاسفة القدماء: إننا لا نسبح في النهر نفسه مرتين.
الحياة تمضي بحلوها ومرها، وهذه اليوميات المخطوطة والموثقة، تساعدنا على الانتباه إلى أشياء ما كان بمقدورنا أن نفطن لها لو لم نسجلها.
نتأمل الحدث الذي يكون قد مضى على وقوعه عدة أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، وندرك أسبابه الجوهرية وتداعياته، وقد يثير ذلك ضحكنا، الضحك على غبائنا، علما بأن ما نوثقه لا يخصنا وحدنا، بل يتم في علاقتنا مع الآخرين، وهي علاقة متشابكة ومركبة، مليئة بالمطبات والمكائد مثلما أنها لا تخلو من نوايا حسنة أو سيئة.
أعتقد أنه في وقتنا الراهن، بات من اليسير توثيق يومياتنا، بفضل وسائط الاتصال الحديثة، لا بل صار باستطاعتنا الاطلاع على يوميات غيرنا، بما فيها الحميمية، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أن العديد من مستخدمي هذه الوسائط، لا يحسنون استغلالها، حيث منهم من يكتفي بتوثيق نكت أو عبارات سخيفة أو صور لوجبة طعام، وفي اعتقادي أنه لو كان مبتكر هاته الوسائط، يدرك أن عينة من الناس ستستخدمها بذلك الشكل السيئ؛ لأعرض عن إخراجها إلى الوجود.
قد نلتمس العذر للناس الأميين حين يهملون توثيق يومياتهم، لكن ما عذر الأدباء بهذا الخصوص؟ نادرة جدا هي الإصدارت التي تضم يومياتهم، مع أن اليوميات، هي أهم وأفيد من النصوص المتخيلة والتي قد لا تمت بصلة إلى الواقع.

[email protected]

*

*

Top