الشرطي و»البزناس»

ما حدث في الدار البيضاء مساء الأحد، أصاب ساكنة العاصمة الاقتصادية بالهلع والرعب، وأعاد للواجهة موضوع تنامي الجريمة في المدينة، وعدم تردد مرتكبيها في مواجهة قوات الأمن، وبالتالي فرض نوع من السيبة في عدد من الأحياء، وتحويلها إلى مناطق محصنة لا يجري أي شيء فيها إلا بأمرهم.
وبحسب بيان ولاية الأمن، فقد أصيب أز‬يد من خمسة من أفراد شرطة وشخصان آخران بجروح متفاوتة الخطورة في تدخل أمني لعناصر الفرقة الجنائية الولائية لتوقيف مشتبه به في ترويج المخدرات، وذلك بحي درب الكبير بمنطقة الفداء في الدار البيضاء، كما أن أفرادا من الحي ومن عائلة مروج المخدرات المعروف في المنطقة أقدموا على احتجاز رجل شرطة بعد أن أدخلوه إلى منزل بالحي، مطالبين بإخلاء سبيل «بزناسهم» المدلل.
سكان المنطقة تجمعوا بالعشرات في موقع الحدث، والأحياء المجاورة لم يكن الحديث الرائج في مجالسها سوى واقعة «بزناس درب الكبير»، وبغض النظر عن مآلات القضية، أمنيا وقضائيا، فإنها تعيد طرح موضوع عصابات الاتجار في المخدرات، وعصابات السرقة والنشل ومهاجمة المنازل والمارة على مستوى الدار البيضاء، بالإضافة إلى الإمكانات المتوفرة لقوات الأمن قصد تغطية كامل تراب الولاية، وأيضا من أجل القيام بتدخلات ناجعة وفعالة وسريعة لفرض الأمن، وحماية السكان.
إن العاصمة الاقتصادية للمملكة بتعدادها البشري الضخم، وبشساعة مساحتها الجغرافية، وعدد أحيائها وشوارعها، تتطلب إستراتيجية أمنية متكاملة ومتكيفة مع طبيعة المدينة وحجم مشاكلها، لأن الدار البيضاء هي في الواقع بمثابة «دولة» إذا تمت المقارنة مع عدد سكان كثير من البلدان العربية والإفريقية، ونجاح هكذا إستراتيجية يستوجب أيضا توفير الإمكانات المادية والتقنية واللوجيستيكية الكافية لقوات الأمن، بالإضافة إلى أهمية توفير الأعداد الكافية من رجال الشرطة، وتدبير انتشارهم بما يجسد مفهوم «شرطة القرب» على أرض الواقع.
بالفعل، إن زمننا السياسي والديمقراطي الحالي يفرض إدراج عمل قوات الأمن ضمن مرتكزات القانون، وفي إطار الحرص على احترام حقوق الناس وكرامتهم، والابتعاد عن الظلم وعن الشطط في استعمال السلطة، والحرص على إعمال التخليق داخل مختلف هياكل المؤسسة الأمنية، لكن في نفس الوقت، فإن للمواطنين كافة، الحق في الأمن والاطمئنان على سلامتهم الجسدية، وعلى أعراضهم وممتلكاتهم وحريتهم، وهي حقوق من مسؤولية الدولة حمايتها والسهر على تمتيع كافة المواطنات والمواطنين بها، وفي القيام بهذا الدور الجدلي يقاس نجاح عمل قوات الأمن في الدار البيضاء وفي غيرها.
الدار البيضاء، هي تيرمومتر لقياس نجاح السياسات العمومية، وهي أيضا واجهة المغرب العصرية والاقتصادية، ومن الضروري تعبئة كل الجهود والإمكانات لجعلها مدينة آمنة، وغير مخيفة أو مرعبة لا لسكانها ولا لزوارها وسياحها وضيوفها.
[email protected]

Top