الفقيه بن صالح: عيد الأضحي .. أثمنة الأسواق المحلية ملائمة مقارنة مع مصاريف الفلاح

بعض الأسر تضطر للاستدانة لتوفير الخروف
بحكم ارتباطه الوثيق بالموروث الإسلامي لم يفرط المغاربة قط في طقوس وتقاليد عيد الأضحى، وظل بذلك، وعلى امتداد التاريخ يعتبر مناسبة خاصة، لها طقوس وتقاليد ثابتة، تمتد بعمق في سلوكيات المجتمع وتنسج علائق وطيدة بين أفراده. ولعل اجتماع أفراد الأسرة خلال هذه المناسبة تحث أجنحة الأب أو الجد وذبح الأضحية بشكل جماعي، والحفاظ على بعض الممارسات الموروثة التي تأصلت في قيمنا منذ مطلع العهد الإسلامي، كطريقة الذبح واللبس، والحفاظ على أصالة المائدة، وطلي رأس الأضحية وأيدي الفتيات والأولاد الصغار بالحناء، وربط صلة الرحم والتواصل مع الجيران والأقارب، خير تجلي على أن هذه  القيم السنية والعرفية هي”بُعْـــد جوهري” لا يتغير مهما تغيرت طبيعة الأسر، ولأنها ببساطة أيضا، نور وجداني يوثّق روابط الأسر المغربية ويُفعّل بشكل حقيقي الجانب الروحي في موروثنا الديني، ويدعو في جانبه الاجتماعي والوظيفي إلى ترابط الأفراد وتغليب سبل التضامن والتكافل.
واعتبارا لهذه الأبعاد، لابد من الإشارة أن العيد لم يشكل يوما ما “منعطفا” في حياة الأسرة المغربية بسبب ما تحتاجه من نفقات إضافية، كما لم يشكل نقطة تمييز أو تمايز بين أفراد المجتمع، لان الوازع الديني يتحكم في خيوط هذه المناسبة، ولان المرجعية الدينية تؤصل بعض الأخلاقيات والتقاليد في وجدان الأسر. فالعيد في مفهوم الأسرة المغربية مناسبة خاصة، على الكل الاحتفاء بها، وادخار قدر مالي لتدبير أمرها، حتى لو اقتضى الأمر الاستدانة من مصادر أخرى كوكالات القروض والأبناك وغيرها من مؤسسات التمويل، كما صرح لنا بذلك العديد من المواطنين، الذين أوعزوا الأمر إلى ظروف هذه المناسبة الكريمة، التي اتسمت بالصعوبة فـــــقط، لأنها جاءت، نتيجة تواتر عدة مناسبات، كشهر رمضان الأبرك والعطلة الصيفية والدخول المدرسي.
وعموما تفيد استطلاعات الأسواق المحلية أن الأثمنة جد موائمة  مقارنة مع مصاريف الفلاح والكساب، فقط تبقى الإشارة إلى أن الحديث عن غلاء السوق هو في حد ذاته له ارتباط وشيج بوضعية المواطن نفسه وبارتفاع غلاء المعيشة والمواد الغذائية وفاتورات الكهرباء والماء الشروب، وبطبيعة الوضع الاقتصادي العام،الذي أرهق ليس  فقط الأسر الفقيرة، إنما أيضا كبار الكسّابة، الذين  يدركون  وضعية السوق، يقول احد الكسابة ببلدية أولاد عياد باقليم الفقيه بن صالح، إننا نعرف جيدا مآل سوق الماشية، فالأثمنة جد عادية وطبيعي آن تعرف تغييرا من منطقة إلى أخرى بسبب العرض والطلب، لكن عموما هذا لاعلاقة له بقيمة المنتوج الذي يتطلب مصاريف كبرى إنما بقدرة الشراة الذين تختلف وضعيتهم من واحد إلى اخر.
نفس الرأي أكده فلاح من جماعة حد بوموسى بحيث ربط غلاء الماشية بارتفاع مواد الكلأ من” فصة” ونخالة وشعير وعلف اصطناعي.. وأشار على انه مقارنة مع السنة الماضية، يعرف هذا العام منتوجا متميزا بسبب التساقطات المطرية المهمة، وقال إن السمنة التي هي مصدر راحة الأسر متوفرة، وأكيد يقول المتحدث أنها طبيعية ولا علاقة لها إطلاقا بمواد العلف المصنعة، كما يروج لذلك بعض الشناقة على الأقل هنا  بإقليم الفقيه بن صالح، لأن أغلب الكسابة اعتمدوا على العلف المحلي  ولأن السلطات المختصة كانت  تتبع مسار الكسابة عن كثب.
إلى جانب هذا، أكد التالمي عبد العزيز، وهو  من الباعة الجدد  بقطاع الماشية يقطن  بجماعة أولاد بورحمون على أن  أسواق الإقليم، ورغم كل ما قيل عن اكراهات العرض والطلب، قد عرفت رواجا مهما  مع اقتراب عشرية العيد،ولوحظ  اكتساحا قويا لرؤوس أصناف من الغنم تختلف عن نوعية المنطقة. ولذا وأمام هذا الخليط المتنوع من الرؤوس طفا سؤال الجودة  على “رحبة” الأسواق، الذي أوعزه البعض إلى نوعية العلف وطبيعة العناية، والآخر إلى خصوصية المراعي أو ما يسمى ب”المرقد”وعن هذا وذاك، برزت أيضا، مزايدات الكسابة والبائعين، وبدأ كل فوج يتفاخر بمرقده أو نوعه.
ومعلوم أن بني موسى وبني عمير والسراغنة ودكالة على سبيل المثال، يتباهون بالحولي “الصردي” و”لبركي”، والكسابة بالجنوب يتباهون بصنف” الدمان” المعروف بكثرة توالده ومناطق الأطلس، وقبائل الشرق بنوع “ألحمري” إضافة إلى أنواع أخرى. ويبقى الحولي الصردي من أجود هذه الفصائل كلها، وهو الذي يتواجد بالفقيه بن صالح ويسعى إليه كل سكان المنطقة بمعية أهل العاصمة الاقتصادية الذين يفضلون الاقتناء من هذا المرقد الجيد.
وبخصوص طرائق البيع والشراء فهي في الغالب الأعم لا تختلف كثيرا عن نظيرتها بباقي الأسواق، حيث يتوافق البائع والشاري عن ثمن الأضحية بعد أخد ورد إلى حين التوصل إلى حل يرضي  الطرفين، ويميل السكان هنا إلى البحث عن المعارف من الكسابة، وذلك تفاديا لبعض العيوب، التي قد تكون بالأضحية كما أن البعض الآخر، يفضل الاقتناء من الضيعات الفلاحية أو إسطبلات كبار الفلاحين، وذلك لتواجد علاقة قديمة بين الطرفين، أو فقط تجاوزا لأتعاب السوق و تدخل الشناقة  والوسطاء الذين يرفعون من سقف السعر.
أصحاب هذه الإسطبلات (أو ما يسمى هنا بالكوريات)،أكدوا لنا من جهتهم، أنهم لا يعرضون بضاعتهم بالسوق، إلا قبل أيام قليلة من العيد، أي بعدما يتأكدون من أن كافة زبائنهم قد حصلوا على الأضحية، وعبروا لنا عن ميلهم القوي للبيع بالإسطبل عوض السوق، لان ذلك  يعفيهم من أتعاب التنقل والواجبات الضريبية ،ويمنحهم فرصة التفاوض والتريث أثناء كل عملية بيع. وهى العملية نفسها التي يفضلها الزبائن لأنها أيضا تمنحهم فرصة الفحص الدقيق للأضحية والاستشارة مع أفراد الأسرة، الذين غالبا ما يحضرون لإبداء رأيهم على عكس” الرحبة”التي تتسم بالضيق والمنافسة وتدخل الشناقة.
كما أن هذه الإسطبلات غالبا ما يكون أصحابها  معرفون لدى الزبائن، لذلك فهم يتكلفون بالأضحية إلى حين اقتراب موعد الذبح، وأي قضاء قدره الله فهو على حساب صاحب الضيعة. وهذه ضمان في غاية الأهمية، بما أن مجمل المأجورين على وجه الخصوص يفضلونها لأنها تعفيهم من أتعاب الحولي خلال فترة ما قبل العيد.

*

*

Top