في فضاءات الحياة والفن المترامية الأطراف ترعرعت الفنانة والممثلة سعيدة باعدي، وترعرع معها طموحها الذي تحول إلى طاقة متجددة، نبعت من الأطلس المتوسط لتحط الرحال بمدن كبرى، حيث انغمست في شعاب الفن والحياة عن عشق وسبق إصرار.
فمن الأطلس المتوسط، وتحديدا من قرية تعلالين حيث مسقط رأس والدها، وقرية كرامة من حيث تنحدر والدتها، انطلقت سعيدة التي تشبعت بقيم التحمل والصبر هناك جريا على عادة سكان الجبال، لتجترح لنفسها مسارا حياتيا وفنيا قادها للشهرة الفنية، فتحولت إلى وجه معروف في شاشات التلفزيون والفن السابع، مع العض بالنواجد على الفن الرابع الذي تعشقه حد الجنون.
ومن الصغر حتى الشهرة وقعت تحولات عديدة، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن سعيدة، التي تلقت تكوينا أكاديميا وفنيا رفيعا، عرفت كيف تحول كل لحظة من حياتها إلى فرص لاقتناص النجاح، وهو ما برز في عدة محطات، كان آخرها نهاية سنة 2018 خلال مهرجان الإسكندرية لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، في نسخته الـ34، حيث تمكنت من الظفر بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في شريط “ولولة الروح” لعبد الإله الجوهري، وذلك مناصفة مع الممثلة السورية الكبيرة سوزان نجم الدين عن دورها في الشريط السوري “روز”.
وقد كانت فرحتها مزدوجة بتتويج شريط “صمت الفراشات” لزوجها المخرج حميد باسكيط بجائزة العمل الأول لمسابقة الأفلام العربية الروائية الطويلة، خلال المهرجان نفسه.
وفي استحضار لمسارها المهني والحياتي، تقول سعيدة في لحظة بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الفنين الرابع والسابع علاوة على فضائها الأسري، هما عالمها الخاص، اللذين تتجدد معهما الحياة من أجل المساهمة في خلق قيمة مضافة في المجالات التي تشتغل فيها وتشغلها .
وفي كلتي الحالتين، كما تشير لذلك، فإنها تحرص على التحرك نحو الأمام بصمت وبخطوات محسوبة، دون ضجيج حياتي أو إعلامي، لأنها تؤمن أن كل عمل مفيد في الفن كما في الحياة ، يحتاج إلى تفكير عميق، وربما لعزلة تمكن من رؤية الأشياء بشكل أوضح.
لهذه الأسباب كلها، فإن هذه الفنانة التي أصبحت وجها مألوفا لدى عشاق السينما والمسرح والأعمال الفنية على شاشة التلفزة، تتحرك، كما تصرح بذلك، في الفن والحياة بصمت وعفوية، حين يقتضي الأمر ذلك، وتتحرك بنبرة عالية محسوبة حين يناديها هاتف الفنين السابع والرابع.
وهنا، تراهن هذه الفنانة على إنتاج أعمال جيدة بمعية زوجها المخرج حميد باسكيط، الذي أثرى المشهد الفني الوطني بعدة أعمال سينمائية.
لكن اشتغال سعيدة باعدي مع زوجها في عدة أعمال، لم يمنعها، كما تقول، من الانفتاح على تجارب أخرى، فكانت النتيجة، فضلا عن صمت الفراشات 2018 الذي أخرجه حميد باسكيط، عدة أعمال منها السلسلة المغربية الكوميدية (عائلة السي مربوح 2001) من إنتاج القناة الأولى للمخرج حسن الواحدي.
كما كان لها حضور وازن في الفيلم التلفزيوني (نافح العطسة) من إخراج مجيد الرشيش سنة 2004، و(تيغالين 2002) للمخرجة المغربية فاطمة بوبكدي، إلى فيلم (فطومة) من إنتاج دوزيم سنة 2004.
وعبر كل هذا المسار الفني، تتأبط سعيدة حلمها، كي تنحت لنفسها موقعا متجددا في المشهد الفني الوطني والعربي، خاصة في ظل توافد أجيال جديدة على عالمي الشاشتين الكبيرة والصغيرة، لكن اشتغالها في صمت يوفر لها مساحة من التفكير تضمن لها الحضور المتجدد.
وتحرص سعيدة، في كل المناسبات، على تأكيد عشقها للتمثيل، مع الإشارة إلى أن زواجها بالمخرج حميد باسكيط، الذي هو صديق لها قبل أن يكون زوجها، أثمر إنجاب التوأمين إيناس وياسمين.
ويبدو أن سلوكها الذي تغلب عليه البساطة والعفوية، والذي تشبعت بهما منذ صغرها، لم يفارقها تماما، فهي تؤدي – في مجال الفن – مختلف الأدوار بتلقائية دون الإخلال بكنه الإبداع، وكذلك الشأن في الحياة اليومية، حيث تعود للبساطة في تعاطيها مع الحياة.
وفي خضم التحولات التي يعيشها المشهد الفني الوطني والعربي، تواصل سعيدة المسير نحو آفاق فنية مغايرة من خلال خوض تجارب فنية تعكس صميم الحياة اليومية المغربية، وهو ما برز بوضوح في مشاركتها في الفيلم الطويل “طاكسي بيض” للمخرج منصف مالزي، الذي خرج مؤخرا للقاعات السينمائية.
فهذا الفيلم الجامع بين الفكاهة والدراما، الذي يأخذ المشاهد في سفر مليء بالتوتر والضحك والضعف بعدما أصبح ركاب الطاكسي رهائن لدى تاجر للمخدرات، يكشف جزء من الشخصية الفنية لسعيدة باعدي، التي تملك القدرة على الانتقال من حالة لأخرى بسلاسة دون كثير من العناء.
وبين سعيدة الفنانة والإنسانة تشكلت جسور من التفاعل المنتج مع الحياة بمعناها الواسع، وهو ما وفر مساحة مريحة عبدت الطريق أمام شقيقتها حفيظة، التي شيدت مسارها الفني مستفيدة من تجارب وتراكم سعيدة، التي عرفت كيف تسخر تكوينها الأكاديمي لفائدة ممارستها الفنية.
سعيدة باعدي.. الانغماس في شعاب الفن والحياة والطموح اللامحدود
الوسوم