معالجة أمنية وإصلاح ديني وتعاون دولي
عمل المغرب على عدة مستويات لأجل حماية أمنه القومي وتعزيز استقراره الداخلي، وذلك من خلال استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تعتمد على رفد الخطط الأمنية وإصلاح الشأن الديني وتفعيل التعاون الدولي. وقد نجحت هذه الخطة الخاصة بالتعامل مع التهديد الإرهابي في أن تجعل المقاربة المغربية نموذجا يحتذى لمواجهة هذا التهديد الذي لم يعد شأنا خاصا بدولة دون أخرى، بل خطرا عابرا للحدود والقارات. أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطابه إلى المشاركين في القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية التي انعقدت بالرياض، أن “الانتشار المقلق لجماعات التطرف والإرهاب، التي تستهدف المس بالأمن والاستقرار الدوليين، وبالوحدة الترابية للدول وقتل الأبرياء وتخريب البنيات الاقتصادية، وتدمير رموز ومظاهر التراث والحضارة الإنسانية، تتطلب من المجتمع الدولي إجابات جماعية حازمة، والمزيد من التنسيق والتعاون في المجالين العسكري والأمني، من أجل التصدي لهذه الآفة العالمية. كما تتطلب بلورة استراتيجية مندمجة، تشمل أيضا النهوض بالجانب الاجتماعي والتنموي، إضافة إلى الدور الهام للبعد التربوي والديني، في نشر ثقافة التسامح والاعتدال، وتحصين الشباب من الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة.عملا بهذه الرؤية، اتخذ المغرب خلال الأشهر القليلة الماضية، قرارات هامة، مكنته من تحقيق نتائج مهمة في محاربة الإرهاب، أولها كانت إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات المغربية) خلال مارس الماضي. وسيتولى المكتب معالجة العديد من الجرائم، خاصة الجريمة المنظمة وتجارة الأسلحة والمتفجرات والإرهاب والمساس بسلامة الدولة.
ويتعلق القرار الثاني، بتعيين جلالة الملك محمد السادس، في مايو الماضي، عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني، مديرا عاما للأمن الوطني، ليجمع بين المنصبين في تجربة هي الأولى من نوعها بالبلاد. وبموازاة ذلك، عملت الدولة على تقوية تعاونها مع دول مثل أسبانيا وفرنسا، في مجال مكافحة الإرهاب.
وثمنت عواصم إقليمية ودولية الخطوات المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، لما لها من مردود إيجابي ومؤثّر على صعيد حماية المغرب وأيضا حماية الدول المجاورة، على غرار أسبانيا، التي أكّد وزير داخليّتها خورخي فيرنانديث دياث، في سبتمبر الماضي، على أن “استقرار المغرب وأمنه مسألة استراتيجية بالنسبة لأسبانيا والاتحاد الأوروبي والمنطقتين المغاربية والأفريقية”، مشيرا إلى عزم بلاده المساهمة في تعزيز علاقات التعاون مع المغرب بهدف حماية المصالح المشتركة، بحسب وكالة المغرب الرسمية.
إصلاحات دينية
يردّ الخبراء نجاح النموذج المغربي إلى عدم الاكتفاء بالاستراتيجية الأمنية والتعاون الدولي، بل أيضا إلى الانطلاق من أساس الخطر، وهو المجال الديني، الذي شهد مجموعة من الإصلاحات الهامة التي من شأنها أن تساهم في تنوير الشباب بالخصوص وتوضيح الفروق بين الاعتدال والتطرّف.
واعتبر عبدالحكيم أبو اللوز، الباحث المغربي في الشأن الديني والسلفية، أن بلاده اعتمدت استراتيجية لمكافحة الإرهاب، تضم مقاربة أمنية وإصلاح الشأن الديني. وأضاف أن الاستراتيجية تعتمد بالدرجة الأولى على المقاربة الأمنية التي تقوم على رصد المجاهدين المغاربة بالخارج والداخل، في حين أن مقاربة إصلاح الحقل الديني تتعلق بإطلاق عدد من المؤسسات الدينية مؤخرا.
وتأكيدا على جدّية الإصلاحات وأهميتها، أطلق المغرب معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بالإضافة إلى عقد جلسات حوار مع سلفيين في السجون، أفرزت إطلاق سراح 37 منهم الأسبوع الماضي، بموجب عفو ملكي، وهذا يؤكد أن المغرب انتقل إلى السرعة القصوى في محاربته للإرهاب.
وقال أبو اللوز إن هذه المؤسسات الجديدة تتجه إلى تسويق الخطاب الديني المغربي داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى محاربة الإرهاب، خاصة بعد الأعداد الكبيرة للمغاربة التي انضمت إلى الجماعات الإرهابية، والتي كشفت عنها المؤسسات الرسمية. فقد ذكرت وزارة الداخلية “أن نحو 1505 مغاربة، يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية، بينهم 719 في صفوف تنظيم داعش الإرهابي”.
وأضافت الوزارة، “أن 405 متطوعين جهاديين لقوا حتفهم في سوريا والعراق”، فيما أشارت أنها تمكّنت من تفكيك 15 خلية إرهابية، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، كانت تعد لارتكاب جرائم تستهدف أمن وسلامة المملكة.
وأفاد وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد، قبل أيام، أنه تم تسجيل 240 قضية إرهاب بالمحاكم المغربية، خلال الأشهر التسعة الأولى من 2015. وقال الرميد خلال تقديم ميزانية وزارة العدل والحريات برسم عام 2016 داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، إنه تمت متابعة 230 متهما يشتبه بعلاقتهم بقضايا الإرهاب. وكشفت الوزارة أنه تم بين يناير وسبتمبر من عام 2014 متابعة 192 متهما بقضايا مكافحة الإرهاب.
سياسة أمنية
وأرجع خالد السموني الشرقاوي، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي)، تحقيق المغرب لنتائج إيجابية في محاربة الإرهاب إلى سياسته الأمنية القوية، خصوصا أن مجموعة من العناصر الأمنية استفادت من التدريب في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، مما جعلها تكتسب خبرات متطورة.
وبين الشرقاوي أن بلاده تعتمد المقاربة الأمنية الاستباقية، والتي تحول دون وقوع جرائم إرهابية أو سياسية، وذلك بعد تفجيرات الدار البيضاء 2003، التي خلقت صدمة لدى الدولة والشعب، نتجت عنها تجاوزات على مستوى أماكن الاحتجاز والاستنطاق، لكن هذه الحالة لم تدم كثيرا بعد أن استوعب المغرب حجم الخطر، وبدأت السلطات في الاعتماد على الحكامة الأمنية (مراعاة حقوق المتابعين واحترام حقوق الإنسان).
وكانت تفجيرات هزت مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب) في 16 مايو 2003، أودت بحياة نحو 45 شخصا بينهم 12 من منفذي التفجيرات و8 أوروبيين. وعلى إثرها اعتقلت السلطات المغربية، المئات من الأشخاص بتهمة الانتماء لتيار السلفية الجهادية، وتمت محاكمتهم بموجب قانون الإرهاب، حيث صدرت ضدهم أحكام وصفها أهالي المعتقلين بالمشددة.
وقال الباحث عبدالحكيم أبو اللوز، في سياق تعليقه على هذا القرار، إن بلاده تريد التخلّص من إرث ملف السلفية الذي يعرضها لانتقادات كبيرة من طرف جمعيات حقوقية، على غرار منتدى الكرامة لحقوق الإنسان (غير حكومي)، الذي طالب بإعمال ما أسماه “المقاربة التصالحية” في التعامل مع المعتقلين في قضايا الإرهاب، داعيا إلى “نزع فتيل التوتر بين الدولة وأولئك المعتقلين”.
ولم يتأخر جلالة الملك محمد السادس في الاستجابة لمثل هذه المطالب، وفاجأ المغاربة والمتابعين الدوليين لقضايا الممكلة، بإصدار عفو ملكي استثنائي عن 4215 سجينا، بينهم 37 من المحكومين بقضايا الإرهاب و215 من المنحدرين من الصحراء المغربية. وتلقى منتدى الكرامة لحقوق الإنسان “بارتياح كبير قرار العفو الملكي عن 37 سجينا، من الذين أعلنوا عن مراجعة أفكارهم السابقة”، مضيفا، في بيان له أنه “يثمن عاليا” هذا القرار، الذي يعدّ تفعيلا ملموسا للاتفاقية التي تم توقيعها في 25 مارس 2011 مع ممثلين عن المعتقلين تقضي بالإفراج عنهم عن دفعات.
في تعامله مع ملف الإرهاب، لم يكتف المغرب بالحديث عن كيفية مواجهة الجوانب النظرية والأيديولوجية لهذه الظاهرة التي تستنزف شباب الدول وتنميتها واقتصادها وتسيء لسمعتها في الخارج، بل عمد إلى ربط المقاربات النظرية بمشاريع عملية وقرارات ملكية، أهلته ليكون “نموذجا في العالم العربي في مجال السياسة الأمنية، جعل فرنسا وأسبانيا تراهنان على التعاون مع المملكة”، وفق خالد السموني الشرقاوي.
< عن مجلة « العرب» بتصرف