بعد مرور حوالي تسع سنوات على بداية العمل بدستور فاتح يوليوز 2011 وفي ظل مواجهة فيروس كورونا وبعدما عرفته القضية الوطنية من التطورات على إثر ما قامت به القوات المسلحة الملكية لإجلاء مرتزقة البوليساريو من ممر الكركرات، وفتح العديد من القنصليات بمدينتي العيون والداخلة، وفي سياق النقاش الجاري حول ما يتعين القيام به من خطوات قصد إيجاد الحلول الممكنة للقضايا المطروحة وفق ما يخدم المصلحة الوطنية للبلاد في ظل هذه الظرفية الدقيقة من خلال تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد الذي سيقدم إلى جلالة الملك، سأحرر هذا المقال بعنوان : «الحوار الاجتماعي والنموذج التنموي الجديد» من خلال الجوانب التالية :
– الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية
– تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية
– دعم المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني
-1 الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية :
يعد الحوار الاجتماعي المدخل الأساسي لإيجاد الحلول للقضايا المطروحة والذي تطلب من الطبقة العاملة مجهودات ونضالات كبيرة من أجل تقويته وتطويره لكي يؤدي دوره على المستوى المطلوب، ولم تكن تستهدف من وراء ذلك الدفاع عن حقوقها وتحسين أوضاعها الاجتماعية فقط، بل ظلت تناضل بالأساس وفق ما يخدم مصلحة المغرب بمنظور شمولي، ويتضح ذلك من خلال ما قامت به من أجل المساهمة في إخراج المستعمر وما استمرت عليه طوال الفترة الممتدة ما بين 1956 و1959 والذي واصلته بعد المسيرة الخضراء مع انطلاق مرحلة المسلسل الديمقراطي في سنتي 1976-1977 حيث واصلت نضالاتها من خلال إضرابات ربيع 1979 ثم إضراب 20 يونيو 1981 ثم الإضراب العام 14 دجنبر 1990 وبفضل دعم القوى الحية التقدمية والديمقراطية والمثقفين الملتزمين والفئات ذات المصلحة في التغيير كان لهذه النضالات دور كبير في تقوية الأحزاب والنقابات والعمل السياسي، وهو ما تبين في المسيرات المليونية التي نظمت في مدينتي الرباط والدار البيضاء حول القضايا الكبرى ومنها : المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية – دعم القضية الفلسطينية – التضامن مع الشعب العراقي – والمطالبة بحماية حقوق المرأة، وهو ما وفر الشروط لمجيء حكومة التناوب التوافقي وإبرام عدة اتفاقات اجتماعية بدءا بالتصريح المشترك لفاتح غشت 1996 ثم اتفاق 23 أبريل 2000 ثم اتفاق 30 أبريل 2003 ثم اتفاق 26 أبريل 2011، وصولا إلى إقرار دستور فاتح يوليوز 2011 وكان المطلوب بعد هذه المحطة الأساسية في تاريخ المغرب استثمار ما تحقق من مكتسبات على كافة المستويات الاجتماعية والحقوقية والحريات العامة والديمقراطية، بتفعيل وتقوية الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية وتطبيق تشريع الشغل، وهو ما كان سيساعد على إيجاد الحلول لجميع القضايا المطروحة.
-2 تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية :
وكان من الممكن لو تم استثمار الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية وتطبيق تشريع الشغل أن يؤدي ذلك إلى تسريع تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية وهو ما أصبح الجميع مقتنعا به بعد اجتياح فيروس كورونا تماشيا مع ما جاء به دستور فاتح يوليوز 2011، والذي نص في بداية الفصل 31 منه على» (تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لنشر أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في :
– العلاج والعناية الصحية
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة).
– وفي هذا الإطار تم إصدار العديد من القوانين والآليات التي تنظم هذا المجال، نذكر منها على الخصوص :
* الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 184-72-1 الصادر 27 يوليوز 1972 حول نظام الضمان الاجتماعي.
* القانون 65-00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الصادر بتاريخ 3 دجنبر 2002.
* القانون رقم 14-03 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل الصادر في 11 نونبر 2014.
* القانون 15- 98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا الصادر بتاريخ 23 يونيو 2017.
* القانون 15- 99 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا الصادر في 5 ديسمبر 2017.
ومن خلال استعراض جميع القوانين المتعلقة بالحماية الاجتماعية والتي أشرنا إلى بعضها يتبين أن هناك مجهوداً كبيراً بذل في إصدار القوانين، غير أن هناك نقصاً فيما يتعلق بالتطبيق ويتمثل ذلك بالأخص في :
– عدم تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على جميع الأجراء بالإضافة إلى التلاعبات التي تعرفها جل التصريحات، ويمكن تحقيق ذلك إذا تم تطبيق ما تنص عليه المادة 511 من مدونة الشغل وهو ما أكدنا عليه في العديد من المقالات.
– عدم القيام بإصلاح القانون المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل والذي بذلت النقابات مجهودات كبيرة من أجل إخراجه إلى حيز الوجود على أن يتم تطويره خلال المراحل المقبلة، إلا أنه أفرغ من محتواه عند بداية تطبيقه والذي أصبح يحتاج إلى مراجعة حول طريقة تطبيقه.
– عدم الإسراع بتمديد التغطية الصحية والتقاعد على المهنيين غير الأجراء والعاملين لحسابهم الخاص، وخاصة بالنسبة للقطاعات التي يعمل بها أكبر عدد من المهنيين، وهو ما كان سيساعد في الإسراع بتعميم الاستفادة من نظام التغطية الصحية (الرميد) على جميع المستحقين.
كل ذلك كان قابلا للتطبيق دون صعوبة لو تم الحرص على تطبيق قوانين الحماية الاجتماعية مصحوبة بحملات تحسيسية واسعة تستهدف جميع الفئات المعنية لكون الحماية الاجتماعية تعتمد بالأساس على قاعدة التضامن، وأمام التقصير الحاصل جاءت المبادرة الملكية الأولى بإحداث الصندوق الخاص لمواجهة تداعيات كورونا، والثانية التي جاءت في خطاب العرش، وخطاب ثورة الملك والشعب، وخطاب افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، والتي أعطت لهذا الموضوع ما يستحق من أهمية، وعلى إثرها تم وضع البرنامج الذي سيبدأ تنفيذه ابتداء من فاتح يناير 2021 وكان الوضع سيكون أحسن بكثير لو تسريع وتيرة تعميم الحماية الاجتماعية وتطبيق البرامج السابقة وعدم هدر عامل الزمن.
-3 دعم المقاولة وتقوية الوضع الاقتصادي :
كما كان من الممكن لو تم إعمال الحوار الاجتماعي، والمفاوضة الجماعية، وتطبيق تشريع الشغل وتقوية دور اتفاقيات الشغل الجماعية وتعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية مع تضافر الجهود بين الأطراف الثلاثة وفق ما يخدم مصلحة المقاولة والعمال أن يساعد ذلك على دعم المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني وتوفير مناخ اجتماعي سليم وإلى خلق الثقة بين الأطراف الثلاث، علما أن تقوية العمل النقابي يخدم مصلحة المقاولة والاقتصاد الوطني وليس العكس.
– الخلاصة :
من خلال ما أشرنا إليه يتضح أن النضالات التي خاضتها الطبقة العاملة طوال المراحل الماضية والتي بذلت من أجلها مجهودات كبيرة من موقعها كقوة اقتراحية أدت إلى تحقيق نتائج إيجابية، يجب أخذها بعين الاعتبار خلال المراحل المقبلة، غير أن النقاش سار في اتجاه غير سليم حول دور الإضرابات وأشكال الاحتجاجات وعدم اعتبارها وسائل مشروعة للدفاع عن الحقوق وخلق التوازنات مما أدى إلى ارتفاع حدة التوتر الاجتماعي ثم تطور إلى اختلاف في وجهات النظر حول ضوابط الحوار الاجتماعي، والمفاوضة الجماعية وتطبيق مقتضيات مدونة الشغل، وقانون النقابات، وقانون تنظيم حق الإضراب، وملائمة الأجور والأسعار، وهي قضايا يمكن الوصول إلى التوافق حولها إذا تم العمل وفق القواعد المتعارف عليها واعتماد دستور منظمة العمل الدولية، واتفاقيات الشغل الدولية، والتشريع الوطني نصا وروحا وما تضمنته الاتفاقات السابقة مع التحلي بالجدية والموضوعية ومراعاة مصلحة المقاولة والعمال والاقتصاد الوطني في آن معا، مع استحضار دقة وطبيعة المرحلة وهو ما يتماشى مع ما جاء في خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب وخطاب افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان حيث أكد جلالة الملك على تقوية الاقتصاد الوطني، والنهوض بالاستثمار،وتعميم الحماية الاجتماعية.
> بقلم:عبد اللطيف أعمو