- جلالة الملك يوجه الدعوة للجزائر من أجل تغليب منطق الحكمة
- الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر أصبحت متجاوزة
- فيروس كورونا مازال موجودا وعلى الجميع مواصلة اليقظة واحترام توجیهات السلطات العمومية
- تنفيذ النموذج التنموي الجديد يتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة
أكد جلالة الملك محمد السادس أن مرحلة تنفيذ النموذج التنموي الجديد مسؤولية وطنية تتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة، معربا عن تطلعه بأن يكون “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
وشدد جلالة الملك محمد السادس، في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش، أن وباء فيروس كورونا مازال موجودا، وأن الأزمة مازالت مستمرة، مشيرا إلى أنه، رغم تأثير هذا الوباء بشكل سلبي على المشاريع والأنشطة الاقتصادية، وعلى الأوضاع المادية والاجتماعية، للكثير من المواطنين، تمت محاولة إيجاد الحلول، للحد من آثار الأزمة، مذكرا لهذا الخصوص بإطلاق مشروع صناعة اللقاحات والأدوية والمواد الطبية الضرورية بالمغرب.
وبخصوص العلاقات المغربية الجزائرية، دعا جلالة الملك محمد السادس إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز وضع مؤسف يضيع طاقات البلدين، معبرا عن عن الأسف للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين البلدين، والتي تسيء لصورتهما في المحافل الدولية.
كما أكد جلالة الملك على أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول، مشددا على أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين.
وفي ما يلي نص الخطاب الملكي السامي:
” الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
إن عيد العرش، الذي نخلد اليوم، بكل اعتزاز، ذكراه الثانية والعشرين، يمثل أكثر من مناسبة للاحتفال بذكرى جلوسنا على العرش.
فهو يجسد روابط البيعة المقدسة، والتلاحم القوي، الذي يجمع على الدوام، ملوك وسلاطين المغرب بأبناء شعبهم، في كل الظروف والأحوال.
فالمغرب دولة عريقة، وأمة موحدة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ. والمغرب قوي بوحدته الوطنية، وإجماع مكوناته حول مقدساته.
وهو قوي بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، وعملهم على تنميته وتقدمه، والدفاع عن وحدته واستقراره.
إن هذا الرصيد البشري والحضاري المتجدد والمتواصل، هو الذي مكن بلادنا من رفع التحديات، وتجاوز الصعوبات، عبر تاريخها الطويل والحديث.
شعبي العزيز،
نود في البداية، أن نجدد عبارات الشكر لكل الفاعلين في القطاع الصحي، العام والخاص والعسكري، وللقوات الأمنية، والسلطات العمومية، على ما أبانوا عنه من تفان وروح المسؤولية، في مواجهة وباء كوفيد 19.
إنها مرحلة صعبة علينا جميعا، وعلي شخصيا وعلى أسرتي، كباقي المواطنين، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم، وأتقاسم معهم نفس الشعور.
ورغم أن هذا الوباء أثر بشكل سلبي، على المشاريع والأنشطة الاقتصادية، وعلى الأوضاع المادية والاجتماعية، للكثير من المواطنين، حاولنا إيجاد الحلول، للحد من آثار هذه الأزمة.
وقد بادرنا، منذ ظهور هذا الوباء، بإحداث صندوق خاص للتخفيف من تداعياته، لقي إقبالا تلقائيا من طرف المواطنين.
كما أطلقنا خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، بتقديم مساعدات مادية مباشرة.
وقمنا بإنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، للنهوض بالأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل مختلف المشاريع الاستثمارية.
شعبي العزيز،
من حقنا اليوم، أن نعتز بنجاح المغرب في ” معركة الحصول على اللقاح “، التي ليست سهلة على الإطلاق، وكذا بحسن سير الحملة الوطنية للتلقيح، والانخراط الواسع للمواطنين فيها.
وإيمانا منا بأن السيادة الصحية عنصر أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد، فقد أطلقنا مشروعا رائدا، في مجال صناعة اللقاحات والأدوية والمواد الطبية الضرورية بالمغرب.
ورغم كل هذا، لا بد من التنبيه إلى أن الوباء مازال موجودا، وأن الأزمة مازالت مستمرة. وعلى الجميع مواصلة اليقظة، واحترام توجیهات السلطات العمومية، في هذا الشأن.
شعبي العزيز،
بفضل هذا المجهود الوطني الجماعي، يسجل الاقتصاد الوطني مؤشرات إيجابية، على طريق استعادة قدراته الكاملة.
وقد تعززت هذه الوضعية، والحمد لله، بنتائج الموسم الفلاحي الجيد، الذي أنعم به الله علينا؛ والذي يساهم في توفير المنتوج الفلاحي الوطني، وإشاعة روح الطمأنينة لدى المواطنين.
ويأتي هذا التطور الملحوظ، في سياق واعد، بعد تقديم اللجنة الخاصة للنموذج التنموي لمقترحاتها، التي تسمح بإطلاق مرحلة جديدة، لتسريع الإقلاع الاقتصادي، وتوطيد المشروع المجتمعي، الذي نريده لبلادنا.
لقد قامت اللجنة باجتهاد بناء و مشکور، و بعمل وطني، شاركت فيه القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، و هیآت اقتصادية ونقابية واجتماعية، ومجتمع مدني، وعدد من المواطنين.
وكما كان الشأن في مرحلة الإعداد، فإننا نعتبر تنفيذ هذا النموذج، مسؤولية وطنية، تتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة، خاصة تلك التي ستتولى المسؤوليات الحكومية والعمومية، خلال السنوات القادمة.
وإننا نتطلع أن يشكل “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
وبصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين، سنحرص على مواكبة هذا التنزیل، بما يلزم من إجراءات وآليات.
شعبي العزيز،
بموازاة مع مبادراته التنموية، على المستوى الداخلي، فإن المغرب يحرص، بنفس العزم، على مواصلة جهوده الصادقه، من أجل توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي.
وإيمانا بهذا التوجه، فإننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، و غير مقبول من طرف العديد من الدول.
فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين.
لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله. وقد عبرت عن ذلك صراحة، منذ 2008، و أكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات. خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا، على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا.
وليس هناك أي منطق معقول، يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول. نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد؛ وإنما نحن إخوة فرق بيننا جسم دخیل، لا مكان له بيننا. أما ما يقوله البعض، بأن فتح الحدود لن يجلب للجزائر، أو للمغرب، إلا الشر والمشاكل؛ فهذا غير صحيح. وهذا الخطاب لا يمكن أن يصدقه أحد، خاصة في عصر التواصل والتكنولوجيات الحديثة.
فالحدود المغلقة لا تقطع التواصل بين الشعبين، وإنما تساهم في إغلاق العقول، التي تتأثر بما تروج له بعض وسائل الإعلام، من أطروحات مغلوطة، بأن المغاربة يعانون من الفقر، ويعيشون على التهريب والمخدرات.
وبإمكان أي واحد أن يتأكد من عدم صحة هذه الادعاءات، لا سيما أن هناك جالية جزائرية تعيش في بلادنا، وهناك جزائريون من أوروبا، ومن داخل الجزائر، يزورون المغرب، ويعرفون حقيقة الأمور.
وأنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا. لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره.
والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر؛ لأنهما كالجسد الواحد. ذلك أن المغرب والجزائر، يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات، والاتجار في البشر. فالعصابات التي تقوم بذلك هي عدونا الحقيقي والمشترك. وإذا عملنا سويا على محاربتها، سنتمكن من الحد من نشاطها، وتجفيف منابعها.
ومن جهة أخرى، نتأسف للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية.
لذا، ندعو إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا.
فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان.
لذا، أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك.
شعبي العزيز،
نغتنم هذه المناسبة المجيدة، لنوجه تحية إشادة وتقدير إلى كل مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن وحدة الوطن وسيادته، وصيانة أمنه واستقراره.
كما نستحضر، بكل وفاء أرواح وتضحيات أجدادنا الكرام، وفي مقدمتهم جدنا ووالدنا المنعمان، جلالة الملك محمد الخامس، وجلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، وكل شهداء الوطن الأبرار.
قال تعالى ” إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا “. صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته “.
***
قالوا عن الخطاب الملكي
محمد بنحمو: بادرة نابعة “من القلب والعقل والحكمة” تجاه الجزائر
أكد الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية، محمد بنحمو، أن الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بادرة نابعة “من القلب والعقل والحكمة” تجاه الجزائر .
وقال الباحث المغربي “إنها دعوة لتحكيم العقل وتحمل المسؤولية التاريخية للمضي قدما وتجاوز عقد الماضي”، مضيفا أن “اليد التي مدها جلالة الملك للجزائر تؤكد مرة أخرى أن قناعات وخيارات جلالة الملك هي مغاربية”.
وأردف بنحمو أنها دعوة أيضا لتجاوز الوضع الراهن للعلاقات، ولتجاوز هذا الوضع غير الطبيعي والتعامل معه بعيون الحاضر وليس الماضي، مشيرا إلى أن هذه الدعوة الملكية تهدف إلى “تجاوز كل ما من شأنه أن يزرع الانقسام بين الشعبين”.
وتابع أن “إغلاق الحدود وضع غير طبيعي بين البلدين، ويمس بالعديد من الحقوق والحريات الأساسية للإنسان”، معتبرا أن أسباب الإبقاء على هذا الإغلاق “لا تستند على أي أساس ولا مبرر لها “.
وأشار إلى أن “البلدين يواجهان التحديات والمخاطر ذاتها”، مذكرا بتأكيد جلالة الملك للجزائر على نحو واضح وصريح بأن الشر والمشاكل لن تأتيها أبدا من المغرب وأن ” أمن واستقرار الجزائر من أمن المغرب واستقراره”.
وشدد بنحمو على أن الأمر يتعلق بدعوة للجزائر لبناء علاقات متجددة وتجاوز هذا “الوضع غير السليم الذي يؤثر سلبا على البلدين، ويعاكس طبيعة العلاقات التي تربط الشعبين عبر سنوات من الكفاح المشترك” .
محمد بودن: تجديد للإصرار على ترسيخ الإنجازات
قال المحلل السياسي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، محمد بودن، إن الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس يحمل تجديدا للإصرار على ترسيخ الإنجازات والبناء عليها سعيا إلى الاعتماد على الذات في أكثر من مجال، إيمانا بتاريخ المغرب وإمكانات مواطنيه وقوة مؤسساته.
وأضاف بودن أن الخطاب الملكي السامي هو “خطاب مواصلة التحرك نحو مزيد من التقدم والتنمية داخليا وتكريس الوضوح خارجيا”.
وبخصوص جائحة كوفيد-19، أشار الخبير إلى أن جلالة الملك أكد على رسائل ثابتة تتعلق أساسا بتثمين جهود الصفوف الأمامية بما يليق بتفانيهم وخدمتهم الوطنية وعملهم الإنساني، علاوة على إبراز تحديات المرحلة وتأثيرات الوضع على الاقتصاد وسبل العيش والقرارات المتخذة، والمتعلقة أساسا بصندوق كورونا التضامني وخطة إنعاش الاقتصاد وصندوق محمد السادس للاستثمار للتخفيف من تأثيرات الجائحة على قطاعات مختلفة وحماية الشرائح الاجتماعية الأكثر تضررا وتحويل التحديات إلى فرص. وسجل بودن أنه بفضل رؤية جلالة الملك محمد السادس، المغرب مستمر في تحسين الأداء والعمل وسط متغيرات متسارعة، وهذا واضح فيما يتعلق بتأمين اللقاح وسيرورة الحملة الوطنية للتلقيح واقتحام المغرب لسوق واعدة تتعلق بصناعات اللقاحات والأدوية. واعتبر أن المملكة ترتقي لمستوى الفرص والتحديات لتجنب أي نقص أو خصاص في هذه المرحلة، وما يليها من شواغل في سياق وضع النموذج التنموي على سكته وما يمثله من تعاقد متجدد يتيح المجال أمام التحسين والتطوير دائما بمشاركة مختلف الفاعلين والقوى الحية لاستيعاب التحولات.
وبخصوص العلاقات المغربية- الجزائرية، أبرز الخبير أنه ثمة تأكيد ملكي على أهمية الحوار وفتح الحدود، لأن المرحلة التي تجتازها العلاقات الثنائية ينبغي معها تصور المستقبل بشجاعة وسعة نظر.
وتابع بالقول: ”قد تكون النكسات جزء من رحلة البلدين في مرحلة معينة، لكن إهمال الحلول أمر غير ذي جدوى طالما أن الوضع الراهن للعلاقات ليس نتيجة للعقدين الماضيين”، مضيفا أن الآن توجد بادرة حسن نية وإرادة من المغرب يلزمها ما يشبهها من الجزائر لإحياء روح التضامن بين توأمين.
واعتبر بودن إحياء روح التضامن بين البلدين خيارا استراتيجيا سيمكنهما معا من مواجهة الجيل الجديد من الأعباء والتحديات، واستثمار الإمكانات البشرية واللامادية والمستقبلية للبلدين وصهرها في مجهود جماعي يمكن أن ينعكس إيجابا على الفضاء المغاربي.
وأضاف “هذا تطلع نحو المستقبل وتفسير للأمور لمن لا يدريها أو يعيها مع تفكيك لبعض المزاعم والأحكام المسبقة والاستنتاجات الخاطئة حول المغرب ومواقفه المبدئية والنظرة التي يتوفر عليها لجواره”. وختم الخبير بالتأكيد على أن الخطاب الملكي “خاطب العقل في الدولة الجزائرية وتمسك بالأخوة مع الشعب الجزائري، لأن الوضع الحالي للعلاقات المغربية الجزائرية لا ينبغي أن تكون له علاقة لا بالماضي ولا بالمستقبل، ويمكن الانتقال إلى مساحة جديدة قائمة على القواسم المشتركة للتغلب على عدم اليقين والحد الأدنى من التعاون”.
مصطفى السحيمي: رسالة سلام وأخوة
قال الباحث السياسي والأكاديمي مصطفى السحيمي إن الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس هو رسالة سلام وأخوة تجدد التأكيد على سياسة اليد الممدودة المعبر عنها في خطاب 6 نونبر 2018، كموقف ثابت للمملكة تجاه الجزائر.
وقال السحيمي إن “جلالة الملك جدد التأكيد على موقفه الثابت، المتمثل في سياسة اليد الممدودة (للجزائر) المعبر عنه في خطاب 6 نونبر 2018. ولا يزال المغرب متمسكا بالتطبيع مع هذا البلد الشقيق على أساس مبادئ الحوار وحسن الجوار والثقة”.
وتابع أن هذه العملية يجب أن يشرع فيها البلدان، من دون شروط ، موضحا أنها لا يمكن أن تقود، إذا ما تمت على أساس مراعاة مصالح البلدين، إلا إلى إعادة فتح الحدود المغلقة منذ 1994.
وأبرز الخبير السياسي، في هذا السياق، أن جلالة الملك شدد على المفارقة التاريخية لهذا الوضع غير المسبوق في العالم، مشيرا إلى أن جلالة الملك سلط الضوء أيضا على مجموعة من عوامل الوحدة بين البلدين والشعبين، مع تأكيده، بشكل خاص، على علاقات الأخوة بين البلدين، حيث قال جلالته إن “المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان”.
واعتبر السحيمي أن الخطاب الملكي “دعوة لتغليب منطق الحكمة، وروح المسؤولية التاريخية والسياسية، فضلا عن المصالح العليا للبلدين”، مضيفا أن الأمر يتعلق بدعوة قوية “لا يمكن إلا أن يكون لها صدى إيجابي (…)”.
من جهة أخرى، أوضح الأكاديمي أن الخطاب الملكي قدم تشخيصا للوضع الحالي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية من منظور السياسات العامة المستقبلية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بتحد جديد سيرفعه المغرب، القوي “برأسماله البشري والحضاري”، مرة أخرى لتمكينه من “تجاوز الصعاب”.
وقال إن هذه القوة والصمود تقوم على ركائز التماسك الوطني و”الرابط الاجتماعي والتعلق الجماعي بمكونات المملكة برموزها المقدسة”، مضيفا أن جلالة الملك أشاد أيضا بالفاعلين والمؤسسات التي كانت في الخطوط الأولى في مواجهة جائحة كوفيد-19. وشدد على أنه تم تقديم حلول مناسبة لمواجهة هذه الأزمة الصحية وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، لا سيما إحداث صندوق خاص للتخفيف من تداعياتها، وإطلاق خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، وإنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار.
وفيما يتعلق بالحملة الوطنية للتلقيح، رحب السحيمي بنجاح المغرب في “معركة الحصول على اللقاح”.
وتابع بالقول “بالنسبة لجلالة الملك، فإن الاقتصاد الوطني يسجل مؤشرات إيجابية، مشجعة، وهو الوضع الذي تعزز، من بين أمور أخرى، بنتائج موسم فلاحي تاريخي تجاوزت 103 مليون قنطار من الحبوب”.
وأكد الباحث، في هذا السياق، أنه يجب إطلاق مرحلة جديدة لتسريع الإقلاع الاقتصادي من خلال تنفيذ تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
وخلص الباحث السياسي إلى أن الأمر يتعلق بـ “مسؤولية وطنية” تتطلب “تعبئة إمكانات الأمة” وكافة المكونات الوطنية.
أحمد الرياضي: خطاب العرش قوي بمضامينه ومراميه
وصف أحمد الرياضي، أستاذ جامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس مساء أمس السبت إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش المجيد ، بأنه قوي بمضامينه ومراميه .
وقال الرياضي وهو أيضا أخصائي نفساني، إن جلالة الملك تطرق إلى العديد من ” الأفكار القوية التي تشكل جسر عبور نحو قراءات ممكنة قد تكون موضوع مداخلات أخرى مستفيضة من قبل مختصين ومحللين “، لافتا إلى أنه لا يمكن تقديم قراءة للخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد لهذه السنة ، دون استحضار العديد من الخلفيات والأبعاد والسياق العام الذي يعيشه العالم بسبب فيروس كورونا.
في التفاصيل ، يضيف هذا الجامعي ، ركز خطاب العرش على نقطتين أساسيتين، تتمحور أولاها حول السياق العام الذي يعيشه العالم والمتمثل في فيروس كورونا ، مستحضرا جلالته الوضع الدقيق الذي عاشه ويعيشه أفراد المجتمع المغربي، والمتمثل في تلك المعاناة النفسية والاجتماعية والاقتصادية خلال فترة الجائحة.
وفي سياق متصل ، أبرز أن خطاب العرش تطرق، أيضا، إلى الدور الكبير الذي لعبه القطاع الصحي، حيث الالتزام وروح المسؤولية من أجل مواجهة فيروس ولد العديد من الاضطرابات النفسية لدى أفراد المجتمع ، وهو ما جعل الجميع يتجند لتقليص عدد الوفيات، وتقديم الكثير من الخدمات الصحية في ظروف مختلفة عن المألوف.
كل هذا الجهود ، كما قال ، لها انعكاس على الانخراط القوي في تدبير عملية التلقيح ، وأيضا تدبير الاقتصاد من خلال العديد من المؤشرات، من هنا كما قال ، جاءت الدعوة إلى الحديث عن النموذج التنموي الجديد ، ” الذي يشكل ثورة جديدة للملك والشعب “.
وبشأن العلاقات الخارجية، أوضح أن خطاب العرش أفرد حيزا مهما للعلاقة مع الجزائر كدولة جارة تنتمي إلى المغرب العربي وتجمعنا بها قواسم مشتركة ، لافتا إلى أن جلالته ركز على الدعوة إلى فتح الحدود من أجل بناء علاقات قوية متماسكة بعيدا عن التوترات التي تسيء إلى سمعة البلدين.
كريمة غانم: رسالة “حكيمة ومتبصرة”
لفائدة السلام والاستقرار
أكدت رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية، كريمة غانم، أن خطاب جلالة الملك محمد السادس”رسالة قوية للغاية، بلغة مباشرة وصادقة تنم عن بالغ الحكمة والتبصر” لفائدة تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية.
وقالت غانم إن مبادرات جلالة الملك تجاه الجارة الجزائر ليست وليدة اليوم، مشيرة إلى أن جلالته يجدد مناشدته الصادقة للجزائر لتجاوز المشاكل السياسية والدبلوماسية التي لا تؤثر فقط على العلاقات الثنائية، بل أيضا على الشعبين “المثقلين” بنزاع مفتعل من صنع كيان وهمي يعيق الأمن والاستقرار والتنمية في منطقة المغرب الكبير.
وأضافت أن جلالة الملك، ومن خلال تأكيده على أن أمن الجزائر واستقرارها من أمن المغرب واستقراره، يوجه دعوة صادقة للشعب الجزائري، الذي تستهدفه “الدعاية الإعلامية القائمة على خطاب الكراهية من خلال خلق عدو وهمي يتمثل في المغرب”، مشيرة إلى أن أفراد الجالية الجزائرية بالمغرب، وكذا أولئك المقيمين بالخارج ، والذين يزورون المغرب بانتظام ، يعرفون حقيقة الأمور .
وسجلت رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية أنه منذ سنة 2008، ما فتئ جلالة الملك يدعو إلى فتح الحدود بين البلدين، مما يدل على التزام شخصي وشجاعة سياسية وأخلاقية تتوخى تجاوز الوضع الراهن وكذا الأسباب التي أدت إلى هذا الإغلاق، والتي لم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول.
وخلصت غانم إلى أن التعاون بين البلدين كفيل بتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، ومواجهة التهديدات الأمنية، وتفعيل اتحاد المغرب الكبير المجمد، منذ مدة، ومحاربة الإتجار بالبشر، وتهريب المخدرات.
الطيب حمضي: اليقظة لا تزال ضرورية لكسب هذه المعركة
قال الباحث في السياسات والأنظمة الصحية، الطيب حمضي، إن جلالة الملك دعا إلى مواصلة اليقظة في مواجهة استمرار تفشي الأزمة الصحية لجائحة فيروس كورونا، مشيرا إلى أن اليقظة لا تزال ضرورية لكسب هذه المعركة، وذلك بفضل حسن سير الحملة الوطنية للتلقيح، التي تتواصل بطريقة فعالة و”ممتازة”.
وقال الخبير إن جلالة الملك أكد في خطاب العرش أنه “رغم كل هذا، لا بد من التنبيه إلى أن الوباء مازال موجودا، وأن الأزمة مازالت مستمرة. وعلى الجميع مواصلة اليقظة، واحترام توجيهات السلطات العمومية في هذا الشأن”.
كما أبرز حمضي، من جهة أخرى، النقاط الأساسية التي تفسر نجاح المغرب في معركته ضد الجائحة، مستشهدا، في هذا السياق، بالحملة الوطنية للتلقيح التي انطلقت بالتزامن مع نظيراتها بـ “الدول الكبرى”.
وتابع الباحث أن هذه الحملة مكنت المملكة، بعد خمسة أسابيع من بدايتها، من التموقع بين البلدان الست الأولى في العالم، التي تمكنت من تلقيح جزء كبير من ساكنتها ضد كوفيد-19.
كما استعرض حمضي بعض عوامل قصة النجاح هاته، والتي من بينها توفير إمكانات لوجستية “هائلة” والانخراط الواسع للمواطنين، بتشجيع من مبادرة جلالة الملك محمد السادس، الذي أعطى القدوة من خلال تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لكوفيد-19. وبحسب الباحث، فإن هذه المعطيات الواقعية دفعت منظمة الصحة العالمية إلى الإشادة بالمغرب من أجل سرعة تنفيذه لحملة التلقيح.
من جهة أخرى، تطرق الباحث إلى السيادة الصحية للمغرب، الذي وقع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19 ولقاحات أخرى في المملكة، موضحا أن جلالة الملك اعتبر هذه السيادة عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد.
وأضاف أن المغرب يتوفر على صناعة دوائية متطورة، هي الثانية في إفريقيا، حيث يتم تصنيع أكثر من 70 في المئة من الاحتياجات الداخلية محليا، مؤكدا، في هذا الصدد، على أن الأدوية الحيوية، من قبيل اللقاحات، هي مستقبل الطب.
سعيد عفيف: الجائحة مازالت موجودة
أشار الدكتور مولاي سعيد عفيف، رئيس التجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين بالقطاع الخاص، إلى أن جلالة الملك أكد أن الجائحة مازالت موجودة وأنه يتوجب “علينا جميعا تحمل مسؤولياتنا في احترام الإجراءات الوقائية، حتى لا يتدهور الوضع الصحي”.
وفي هذا الصدد، دعا عفيف، وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية، المواطنين إلى احترام التدابير الحاجزية والتوجه إلى المراكز الصحية من أجل التلقيح، مشيرا إلى أن اللقاح يحمي بنسبة تصل إلى 93 في المئة من الأعراض الشديدة لفيروس كورونا. بالإضافة إلى ذلك، أشار عضو اللجنة العلمية للتلقيح، إلى أنه بفضل التدخل الشخصي لجلالة الملك، استطاع المغرب الحصول على كميات كبيرة من اللقاحات.