الذكاء الاصطناعي.. كيف نحصد ثماره ونتجنب عقباته

تصدّرت تقنيات الذكاء الاصطناعي عناوين الأخبار في مختلف أرجاء العالم على مدار العام الماضي، حيث أشاد الخبراء بما تقدمه من فوائد طال انتظارها، محذرين في الوقت ذاته من مخاطرها. إن هذه التقنية تعيد إلى الذاكرة كيف كان الناس يوماً ما يتوجسون خيفةً من الآثار بعيدة المدى وغير المتوقعة للكهرباء. فاليوم، يشعر الكثيرون بقلق مماثل تجاه المخاطر الخفية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. لذا، يتساءل العديد من رواد الأعمال في إفريقيا عن كيفية الاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على مسافة آمنة من أي مخاطر قد تظهر فيما بعد.
وإذا نظرنا إلى التطورات الأخيرة التي أحرزها الذكاء الاصطناعي نجد أنها قد غيّرت للأبد الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا ونبتكر ونبدع، حتى أصبح المستقبل الذي يكون فيه لكل شخص مساعد شخصي مدعوم بالذكاء الاصطناعي غير بعيد أو ما يعرف بتقنية الـ “كوبايلوت- Copilot”. فهؤلاء المساعدون الافتراضيون سيتولون مهمة أداء الأعمال الإضافية الملقاة على عاتق البشر، ما يفسح أمامهم المزيد من الوقت للابتكار وإطلاق العنان لخيالهم وإبداعاتهم.
وإذا ما تطرقنا إلى ترجمة كلمة “Copilot” بشكل حرفي، ستكون الترجمة “مساعد الطيار”، وهذا الاسم بحد ذاته يعكس الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في المجتمع، هذا المفهوم لا يُظهر الذكاء الاصطناعي كبديل، بل كشريك مساعد للبشر. فالهدف هو تعزيز وتحسين الوظائف البشرية بدلاً من استبدالها كليا، مما يمكننا من الارتقاء بمستوى أدائنا الوظيفي وتحقيق مزيد من الإنجازات.
في دراسة حديثة أجرتها شركة مايكروسوفت بمشاركة الخبراء الذين يستخدمون المساعد الشخصي “Copilot”، تبين أن استخدام هذه التقنية في العمل لا يسلب الوظائف بل يعززها، إذ أكد 70 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية، فيما أشار 77 في المائة آخرون أنهم لن يتخلوا بعد الآن عن الاستعانة بمساعدة الذكاء الاصطناعي أثناء تنفيذ أعمالهم.
وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الذكاء الاصطناعي يتيح لنا فرص تحقيق التقدم بوتيرة أسرع وترك أثر أعمق على صعيد الجهود المبذولة من قبل البشر، ويساعدنا أيضاً في تخطي بعض التحديات الأكثر صعوبة في المجتمع، مثل تزويد أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية بإمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ومساعدة المزارعين في زيادة مستويات إنتاجيتهم لتلبية احتياجات النمو السكاني المتزايد.
ومن المتوقع بالفعل أن يساهم الذكاء الاصطناعي في رفد النمو الاقتصادي الأفريقي بما يعزز من الناتج المحلي الإجمالي الحالي بنسبة تصل إلى 50 في المائة بحلول العام 2030، وذلك في حال تمكنت القارة من الاستحواذ على 10 في المائة فقط من حصة سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
وكما هو الحال مع مختلف الابتكارات التكنولوجية الأخرى التي رُفع الستار عنها في الماضي، سيترافق استخدام الذكاء الاصطناعي بعواقب كبيرة على المجتمع.
ولهذا السبب، وسعت مايكروسوفت نطاق “مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير” إلى أفريقيا، بغرض تعزيز الاستثمار في المهارات وقدرات الذكاء الاصطناعي المحلية. كما تسعى مايكروسوفت عبر “مجلس الابتكار الأفريقي للذكاء الاصطناعي” الذي أطلقته مؤخراً، إلى تدعيم إمكانية امتلاك القارة لتقنيات الذكاء الاصطناعي وشموليته فيها. ويتولى هذا المجلس الذي يضم أعضاء من كبار المؤسسات الأفريقية ممن لديهم معرفة واسعة وشاملة بالقضايا التي تواجه القارة السمراء، مهمة رسم مسار العمل عبر الاستفادة من الرؤى والمعلومات التي يسخرها “مختبر مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي” لضمان توجيه صحيح للذكاء الاصطناعي، على نحو يلبي احتياجات وأهداف أفريقيا الخاصة.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه المؤسسات في جميع أنحاء أفريقيا إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوسيع نطاق انتشارها، ينبغي عليها أيضاً أن تضمن أولاً وقبل كل شيء أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تسعى إلى تطويرها ستترك تأثيراً إيجابياً على الجميع.
وحتى تتمكن هذه المؤسسات من إنشاء نظام حوكمة راسخ للذكاء الاصطناعي، عليها أن تضع المبادئ التوجيهية. وبالاعتماد على خبراتنا المكتسبة وتجاربنا السابقة، حددنا في مايكروسوفت المبادئ الأخلاقية الستة المذكورة أدناه لتوجيه مسار تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة صحيحة تتماشى مع القيم الإنسانية والاجتماعية.
العدالة
يبدأ تحقيق العدالة في عالم الذكاء الاصطناعي وعدم وجود أية تحيزات، من تثقيف الأشخاص بأهمية القيود التي يجب أن تفرض على هذه التقنية. فرغم أن الذكاء الاصطناعي قادر على تقديم استشارات ذكية، يجب أن يظل الإنسان هو صاحب الكلمة الفصل وألا ينصاع بشكل كامل للتوصيات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي بدون التحقق والنظر لمآلاتها.
وبالمثل، يحتاج المطورون أثناء تصميم وبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى فهم تَبِعات التحيز على الحل النهائي الذي تقدمه هذه التقنيات، ليتمكنوا حينئذ من تخطي عوامل الانحياز هذه باستخدام مجموعة بيانات متنوعة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعلم والتطور بعيداً عن أي تحيز.
الموثوقية والأمان
من الضروري أن تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل موثوق وآمن ومتناغم، لما لذلك من أثر كبير ليس فقط في ظل الظروف العادية ولكن في الحالات الاستثنائية غير المتوقعة أيضاً، إذ تُحدد عموماً طريقة تصرف الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من الظروف التي يتوقعها المطورون أثناء تصميم هذه الأنظمة واختبارها. وهذا ما يجعلنا نؤكد على ضرورة تأكد المطورين من قدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل حتى مع المواقف غير المتوقعة وذلك بإخضاع هذه التقنيات لاختبارات صارمة.
الخصوصية والحماية الأمنية
في وقت يتزايد فيه انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي، تكتسب مسألة حماية الخصوصية وتأمين المعلومات الشخصية والتجارية الحساسة أهمية متزايدة، كما أنها تغدو أكثر تعقيداً. وبناء عليه، ينبغي التأكد من امتثال أنظمة الذكاء الاصطناعي لقوانين الخصوصية واستيفاء شروطها المحددة حول طريقة جمع البيانات واستخدامها وتخزينها.
الشمولية
إن أردنا إتاحة الفرصة أمام الجميع للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، فعلينا أن نضمن أن تغطي هذه التقنيات وتعالج مجموعة واسعة من الاحتياجات البشرية والخبرات الإنسانية. فالذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانات لا حدود لها لتحسين إيصال عدد كبير من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. ولكن لتحقيق ذلك، يتطلب من المطورين تبني ممارسات تصميم شاملة، تتيح لهم فرصة معالجة الجوانب المتعلقة ببيئة المنتج التي يمكن أن تستبعد الأشخاص بشكل غير مقصود.
الشفافية
حين تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اتخاذ قرارات مدروسة لها أثر كبير على حياة الأفراد، فمن المهم حقاً أن يدرك هؤلاء الأفراد طريقة اتخاذ مثل هذه القرارات. فقد يستخدم البنك مثلاً نظام الذكاء الاصطناعي لتحديد ما إذا كان الشخص يتمتع بالجدارة الائتمانية. ونشير عادة إلى الجانب الأكثر أهمية من الشفافية بتعبير “الوضوح” أو “التفسير المفيد” لسلوك أنظمة الذكاء الاصطناعي ولماذا يتخذ قرارات معينة. فمن خلال تقديم صورة أكثر وضوحاً، يتمكن أصحاب المصلحة اليوم من فهم آلية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي وفوائدها وتحديد المخاوف المحتملة مثل التحيز أو اختراق الخصوصية.
المساءلة
ينبغي على المؤسسات أن تضع قوانين للمساءلة مستمدة من معايير القطاع لتضمن عدم تحول أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى سلطة نهائية مصدرة للقرارات التي تؤثر على حياة الأفراد. وعلى هذه المؤسسات أن تنشئ أيضاً هيئة مخصصة للرقابة الداخلية تمارس دور الإشراف والتوجيه وفق أعلى مستويات الشركة وفيما يخص الممارسات التي ينبغي اعتمادها للمساعدة في تخطي حواجز المخاوف المحتملة للذكاء الاصطناعي.
وفي الختام، يجب أن نفكر في الفوائد التي سنحصدها من بناء مستقبل مدعوم بالذكاء الاصطناعي، لكن علينا ألا نتغاضى عن التحديات. ورغم أننا قد لا نكون قادرين الآن على التنبؤ بكافة جوانب المستقبل، إلا أنه يتحتم علينا بذل قصارى جهودنا وتوحيد صفوفنا في سبيل وضع التوقعات وتخفيف العواقب غير المقصودة لأي حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي نطلقها في العالم من خلال التخطيط الدقيق والإشراف الصارم.

بقلم: سليمة أميرة مدير عام شركة مايكروسوفت في المغرب

Top