الساردون الجدد

خلال العقدين الأخيرين على الخصوص، ارتفع عدد كتاب القصة والرواية بشكل غير مسبوق، في وقت كان التعبير الشعري هو المهيمن، وللتأكد من ذلك، يمكن تصفح البيبليوغرافيات الأخيرة التي أنجزت حول الأدب المغربي. هذا الارتفاع المضطرد للمبدعين في مجال السرد تحديدا، لا يعني أن الإبداع القصصي والروائي بات أيسر من غيره من أشكال التعبير، أو أن هؤلاء المبدعين عثروا على مفتاح لمغالقه.
الإبداع ليس شيئا آليا، يمكن ممارسته من خلال اتباع نهج معين أو تطبيق وصفة جاهزة، الإبداع مثل الجذبة، الكاتب يبدو كأنه يجذب، كـأنه في اتصال بالعالم العلوي.
لكن ما الذي جعل كما هائلا من الكتاب، يتجرأ على الكتابة القصصية والروائية إلى حد أنه بات يستسهلها.
هناك من راكم مجموعة من الدواوين الشعرية، وفجأة تحول إلى الكتابة السردية ووجد فيها ملاذه الخاص.
يمكن أن نتفهم أن يتوقف مبدع ما عن الكتابة في جنس إبداعي معين، بعد أن يكون قد اقتنع بأنه استنفده ولم يعد لديه ما يضيفه.
لكن أن يتحول إلى الكتابة في جنس تعبيري آخر، بدون أن يكون متمكنا منه؛ فهذا فيه نظر.
هناك من لم يسبق له أن قرأ رواية مثلا، ومع ذلك لا يتورع في القول إنه أنجز أعمالا روائية..
هناك من يشرع في كتابة نصه السردي الجديد دون أن يعرف القضية التي يود طرحها..
هناك من يضع العنوان حتى قبل الشروع في الكتابة..
هناك من يعتقد أن الكتابة مجرد لعب بالكلمات..
هناك من ينشغل بإحصاء عدد الكلمات أكثر من التفكير في عوالمه السردية..
هناك من يزف إلى أصدقائه خبر اقترابه من إتمام نصه السردي..
هناك من يلجأ إلى تطبيق يسمى: خلاط الكلمات، الذي يتيح له إمكانية إنجاز نصه في وقت وجيز جدا، دون عناء البحث عن الكلمات والعبارات..
هناك من يكتب بين الفينة والأخرى نصا قصصيا جديدا أو فصلا من رواية وينتظر أن يعبر أصدقاؤه عن إعجابهم به..
فبصرف النظر عن التجربة الحياتية الغنية التي من المفروض أن يكون قد عاشها الكاتب والتي تصلح لأن تشكل عالما روائيا قائما بذاته؛ فإن هناك جانبا آخر لا بد للروائي أن يكون متوفرا عليه، هو ملكة الكتابة الروائية، أي ذلك النفس الذي يجعل المتلقي يحس بأنه فعلا يقرأ عملا سرديا وليس مجرد كمية من الكلمات، تشغل بياض الصفحات.
وعلى ذكر الكمية؛ فهناك جيل جديد من الكتاب، بات يحدد عدد كلمات روايته القادمة، حتى قبل الشروع في الاشتغال عليها.
ماذا يعني هذا؟ الأكيد أن هذا ينم عن خلل في العلاقة بين الكاتب ومنتوجه، وهذا الخلل لا يمكن أن يترتب عنه غير عمل مشوه، وما أكثر الأعمال المشوهة التي قذفت بها المطابع، تحت أعين ناشرين، لا هم لهم غير الكسب المادي.
[email protected]

*

*

Top