ارتفع، خلال السنوات الأخيرة، الاستخدام العالمي للسجائر الإلكترونية، المعروفة باللغة الإنجليزية باسم (VAP) ، علما أنه لا توجد معطيات كافية حول المخاطر التي تشكلها على سلامة مدمنيها، الذين يروجون إلى أنها فعالة في مساعدة الأشخاص على الإقلاع عن التدخين، انسياقا وراء الاعتقاد الشائع الذي يقول بأنها آمنة وأقل ضررا من التبغ العادي على الصحة العامة.
مدمنون حائرون
دخان متصاعد من فم وشفتين زرورقتا من أثر التدخين، لم يتركه السعال يسترسل في الكلام ليحكي لنا عن معاناته مع التدخين، وما يسبب له من إنهاك صحي ومادي، إنه عز الدين بن جلون، البالغ من العمر ستين عاما، حاول مرارا وتكرارا الإقلاع عن السجائر التقليدية لكن بدون جدوى، فوجد الحل الأنسب “عبر استبدالها بالسجائر الإلكترونية التي تعتبر أقل ضررا من السجائر التقليدية”، بحسب تعبيره.
جاءته الفكرة بعد أن مر بوعكة صحية، وأمره الطبيب المعالج بالتوقف عن التدخين نهائيا بيد أنه لم يستطع بحكم تعوده على تدخين علبة سجائر يوميا، وبالصدفة وهو على مواقع التواصل الاجتماعي وجد إشهارا عن السجائر الإلكترونية، يروج إلى فكرة أنها تساعد على الإقلاع عن التدخين، وأقل ضررا من السجائر العادية، ومن وقتها قرر أن تكون كبداية تدريجية في اتجاه الإقلاع عن التدخين، لكن الذي وقع لم يكن في الحسبان فقد أصبح يدخن الاثنين معا، السجائر الإلكترونية والسجائر التقليدية.
مروان خلفي بدوره يستعمل (VAP) منذ فترة قريبة، بوجه شاحب وجسم هزيل، يبدو في 36 من عمره، إدمانه على التدخين جعله يبدو أكبر من سنه، إلا أنه راض عنها لأسباب عدة منها أنها غير مكلفة بالنسبة له، ولا تزعج الناس بالدخان المتصاعد منها مثل السجائر العادية (نظرا لرائحتها الزكية)، ومنذ أن بدأ باستعمالها أو استخدامها لم يندم قط على اختيارها كبديل للسجائر التقليدية، وحتى ضيق التنفس الذي كان يحس به والسعال المتكرر عند تدخين السجائر العادية أصبح نادرا منذ تدخين (VAP).
ليلى قاديري 25 سنة، بنظرات يعلوها الندم والألم، تمسكة صورها قبل إدمانها على التدخين، وتقارن وضعها بين الأمس واليوم، وكأنها تعاقب نفسها كلما نظرت إليها، تشتكي من تكلفة السجائر الإلكترونية، لأنها أصبحت مدمنة عليها بكثرة، وتدخنها معظم الوقت وبكل أريحية، لأنها دائما في المتناول وتشعر المرء بإغراء تدخينها لدرجة أنها وصلت إلى مرحلة بدأت تستخدم فيها نحو اثنين من السجائر الإلكترونية يوميا، وحتى أنها لا تلفت الانتباه، خصوصا أن المرأة المدخنة في الدول العربية مازال ينظر إليها بنظرة دونية، وفي بعض الأحيان عندما تواجه أزمة مادية ترجع لتدخين السجائر التقليدية، فوجدت نفسها لا تستطيع الاستغناء عن الاثنين، إلى أن جاء اليوم الذي اضطرت فيه ليلى إلى التوقف عن التدخين بعد أن بدأت لثتها تنزف وأصيبت بتقرحات في فمها وعلى شفتيها، ولم تعرف لحد الآن هل السجائر الإلكترونية أم العادية المتسببة في ذلك.
بيع بدون قيود
من خلال بحث أجرته “بيان اليوم” حاورت فيه بعض بائعي السجائر الإلكترونية، تبين أن الأشخاص الذين يستعملونها تتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 سنة، وينتمون إلى جنسي الذكور والإناث، في حين أن سعر السجائر الإلكترونية في المغرب يتراوح ما بين 150 إلى 2500 درهم، وبالنسبة للسائل الخاص بها فيبدأ ثمنه من 25 درهما.
يقول أحمد بائع السجائر الإلكترونية بمدينة الدار البيضاء، إن بعض مستخدمي السجائر الإلكترونية أقلعوا فعلا عن التدخين، حيث أن تدخين 12 مليلتر من سائل السيجارة الإلكترونية في اليوم الواحد أقل ضررا من تدخين علبة سجائر عادية يوميا، كما أن الشخص المدخن يستطيع التحكم في كمية النيكوتين التي يحتويها السائل، فضلا عن توفير القليل من المال.
وأرجع بائع (VAP) سر الانجذاب إلى هذا المنتج وكثرة الإقبال عليه وسرعة انتشاره المتزايدة مؤخرا، إلى نوعية السائل الذي يحترق داخل السيجارة الإلكترونية والذي يتوفر بأنواع مختلفة وبنكهات وأذواق مميزة.
علمنا من صاحب المحل، أيضا، أن أسعار السجائر الإلكترونية تختلف باختلاف النوعية والجودة والعلامة التجارية وهي بتصاميم وأحجام وألوان مختلفة.
وأضاف المتحدث، أن النوعية الممتازة يمكن استخدامها لفترات مطولة، تحتاج فقط إلى تغيير المقاومة الإلكترونية بين الحين والآخر، وهذا يرجع إلى نسبة استهلاك الشخص للسيجارة، فيما يفضل زبائن آخرون اقتناء السجائر الإلكترونية التي تستعمل لفترة مؤقتة. كما أشار بائع السجائر الإلكترونية إلى أنه لا توجد أي مراقبة على هذا المنتوج غير المرخص ببيعه، ويمكن لأي شخص بيعه و الاتجار فيه فهو ليس كالسجائر التقليدية التي تخضع للمراقبة.
ضرر لا مفر منه
صممت السجائر الإلكترونية لتحاكي السجائر الحقيقية (التبغ)، مع إضافة عنصر جذب، هو الدخان (البخار الكثيف) الذي يصدر عنها، ويوجد بها بطارية وعنصر تسخين إلى جانب عبوة بها نيكوتين وسوائل أخرى أو مكسبات للطعم، ويرى البعض أن السجائر الإلكترونية هي بديل عن سجائر التبغ، لكن آخرين لا يتبنون وجهة النظر هذه، بل يرونها خطرا على من يحاولون الإقلاع عن التدخين، في حين يرى آخرون أن (VAP) هي منتج مخصص من أجل المدخنين غير القادرين على الإقلاع باستعمال وسائل أخرى، وبما أنه لا يوجد توافق يذكر في الآراء بشأن السجائر الإلكترونية على أنها بديل آمن وأقل ضررا من السجائر التقليدية.
كان “لبيان اليوم” حوار مع الدكتور نجيب فتحي أخصائي في أمراض الحساسية وعلوم المناعة السريرية الذي يرى أن تدخين السجائر الإلكترونية يعد خيارا أقل خطورة للأشخاص الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين، لكن تدخين التبغ وتدخين السجائر الإلكترونية مضر بصحة الإنسان.
كما أوضح الدكتور نجيب فتحي أن السجائر الإلكترونية، تسبب تلفا مشابها للأوعية الدموية مثل تدخين التبغ، وفي حال تلف الأوعية الدموية، أو عدم تمكنها من العمل بشكل صحيح، يصبح من الصعب انتقال الأوكسجين إلى القلب وأعضاء الجسم، كما تزيد خطر الإصابة بسرطان الرئة وسرطان الحنجرة، وتسبب أيضا مرض البروستات وكذلك البنكرياس، بالإضافة إلى التهابات مزمنة للقصبات الهوائية، حيث تبدأ الرئتين بالالتهاب ليتبعها التشمع، ودرجة التشمع توقف الرئة عن القيام بوظيفتها فيصبح الشخص مضطرا لاستعمال آلة الأوكسيجين.
وأضاف المتحدث أن السجائر الإلكترونية لا تحتوي على دخان لكن تحتوي على مقومات أخرى توجد بالسائل كالنيكوتين المسؤول الأساسي عن الإدمان الفيزيولوجي، والأخطر في السيجارة الإلكترونية هي المواد الحافظة والتي تعتبر أخطرها الفورم ألدهايد، والألدييد فورميك اللذان يؤديان للسرطان، لكن (VAP) لا تحتوي على الگدرون ولا الهيدروكاربور مثل السجائر العادية.
وينصح الدكتور نجيب فتحي الأشخاص المدخنين بعدم التدخين أمام الأشخاص الذين يعانون من الحساسية لأنهم سيرفعون درجة التحسس لديهم وسيسهلون دخول المواد المسببة في الحساسية لجهازهم التنفسي، وأشار إلى أنه في غالب الأحيان الأطباء والعلماء يحثون الأشخاص المدخنين عن التوقف عن هاته العادة، وأن تكون لديهم إرادة قوية وفي حال تعذر عليهم ذلك يمكنهم اللجوء للسيجارة الإلكترونية لمساعدتهم على ذلك، بحكم أنها أقل ضررا ولكن تبقى هي بدورها خطيرة ومازالت في طور الدراسات.
تنديد وتحسيس
وجدت بيان اليوم صعوبة في الحصول على أرقام رسمية عن عدد مدخني السجائر الإلكترونية بالمغرب، وحتى اللحظة ما زالت المعطيات متعارضة فيما يخص(VAP) ، بين كونها وسيلة صحية للتخلص من التدخين أو بضاعة تجارية يعمل منتجوها على تحسينها باستمرار للفوز برضا الزبائن.
ويرى علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، على أن ظاهرة السجائر الإلكترونية انتشرت بشكل ملحوظ في المغرب خاصة وسط الشباب والمراهقين وحتى لدى بعض الأشخاص الكبار الذين يحاولون التخلص من التدخين، معتقدين أنها أفضل صحيا من الدخان، لكن الأمر الخطير هو إدخال واستهلاك بعض أنواع المخدرات المصنعة التي تتم إضافتها لهذه السوائل، وبالتالي تعرض المراهقين والشباب للإدمان على أنواع من مخدرات غير معروفة، وفتح مجال الاتجار في المخدرات المصنعة بطرق ملتوية ودون مراقبة.
ولفت علي لطفي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة كانت سباقة إلى إثارة الانتباه لخطورة الترويج للسجائر الإلكترونية ببلادنا دون سابق إنذار سنة 2014 حيث تقدمت عبر إحدى الفرق البرلمانية بطرح سؤال على وزير الصحة آنذاك الحسين الوردي الذي أكد أمام نواب الأمة، أن وزارة الصحة ليست مسؤولة ولم ترخص لبيع أو استهلاك السجائر الإلكترونية، بالمقابل سكتت وزارة التجارة والصناعة عن فعلتها ومسؤولياتها الواضحة في الترخيص.
كما أضاف علي لطفي أن الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة بنت موقفها من قراءة للمعطيات الصادرة عن المنظمة العالمية للصحة التي أكدت فيها عن غياب أية معطيات علمية تثبت سلامة منتوج السيجارة الإلكترونية أو اختيارها كبديل يمكن أن يساعد على الإقلاع عن التدخين، كما زادت أنه لم يتم علميا خلو منتوج السيجارة الإلكترونية من أية أضرار على صحة المستهلك.
وأشار رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن الإشكالية الكبرى في المغرب أن البرلمان يصادق على القوانين وتصدر بالجريدة الرسمية ولا تنفذ ولا يتم تطبيقها، كما تكون الحكومة مطالبة بإصدار مراسيم تطبيقية وتظل معلقة ولا تخرج للوجود لمدة سنوات، كمصادقة المغرب على الاتفاقية الإطار لمكافحة التبغ والموقعة في سنة 2014 من طرف المغرب، أو منع بيع الدخان لغير البالغين أو منع التدخين بالأماكن العمومية، التي تنتظر التنفيذ وإصدار المراسيم التطبيقية.
وخلص علي لطفي إلى أن الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، اختارت النضال من أجل منع السجائر الإلكترونية لخطورة استعمالها بوسائل مختلفة، نظرا لأنها قد تكون خطيرة على صحة الشباب الذين يجب توعيتهم بخطورة السجائر الإلكترونية والتدخين بشكل عام، مشددا على أن الحل يكمن في الإرادة للتخلص من التدخين وتعويضه بالرياضة.
وفي نفس السياق يقول بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك إنه لحدود الآن، لم يعرف أحد كيف تم الترخيص لبيع السجائر الإلكترونية بالمغرب، ولا كيف تم الترخيص لها بالبيع خارج المحلات المعتمدة من طرف ما كان يسمى”Régie Tabac” ، إلى جانب تأثير سياسة تحرير القطاع الذي لم ير منه إلا تحويل الوكالة إلى شركة صاحبة المونوبول (monopole) مع ظهور نقط لبيع السيجارة الإلكترونية في أهم المدن المغربية.
وأوضح رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في حديث مع الجريدة، أن هذا النوع من التدخين عندما ظهر رافقته حملات إشهارية على أنه تدخين بدون تأثير سلبي على صحة مستعمليه لكن الدراسات الأخيرة أظهرت أنه يحتوي على مواد أكثر خطورة من التدخين العادي، وأن السجائر بصفة عامة مستخلصة من مواد نباتية، وبالتالي ترجع مراقبتها إلى المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية إلا أن القانون 07/28 استثنى السجائر وما شابه ذلك، لماذا؟ الله أعلم ومن يراقب السلامة والجودة؟ لا أحد.
وفي محاولة للسيطرة على هذا الوباء الجديد لفت بوعزة الخراطي إلى أنه يجب القيام بحملات للتوعية والتحسيس على جميع المستويات لتنبيه الناشئة إلى مخاطر هذا النوع من التدخين الذي يعتقد الكثيرون أنه بديل صحي للسيجارة العادية، وهذا في حد ذاته خطأ لأنه كيفما كان التدخين فهو إدخال مواد كيميائية إلى الرئة، وبالتالي ستأثر سلبا عليها وعلى الشرايين.
وتابع بوعزة الخراطي، أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك هي قوة اقتراحية كما أنها تندد بعدم المراقبة الصحية وكذلك فيما يتعلق المتعلقة بالجودة بقطاع التدخين المهيمن على السوق من طرف شركة واحدة.
في كثير من الأحيان يمكن أن تؤدي محاولة القضاء على مشكلة واحدة إلى مشكلة أخرى، وظهر أن عددا من مدخني السجائر الإلكترونية قلقون فيما يخص صحتهم، لكون (VAP) مسألة معلقة على الأقل صحيا لقلة الدراسات العلمية حول آثارها، لهذا أصبح سن لوائح عالمية للسيطرة على هذا الوباء أمرا لا مفر منه والدعوة إلى وضع سياسات فعالة للحد من استهلاك السجائر الإلكترونية والحد من انتشارها في الأسواق المغربية خصوصا في الآونة الأخيرة على خلفية الإعلانات الصاخبة التي صاحبت غزوها على أنها بديلا آمنا للسيجارة التقليدية.
نادية الجورمي