اختُتم مساء السبت 28 دجنبر الماضي، المعرض الفردي للفنان التشكيلي المغربي عبد اللطيف صبراني، الذي أقيم برواق F.O.L في الدار البيضاء، المعرض، الذي استمر لمدة أسبوع، شهد حضورا مميزا من نخبة من الفنانين والنقاد والجمهور الذي جاء للاطلاع على إبداعات أحد أبرز الأسماء في الساحة التشكيلية المغربية، كان هذا الحدث بمثابة تجربة فنية متكاملة تدمج بين الأصالة والتجديد، بين التراث والتكنولوجيا، وبين الماضي والحاضر، معبّرة عن تطور فني حقيقي في مسيرة الفنان صبراني.
يُعتبر عبد اللطيف صبراني من أبرز الأسماء التي تمكنت من ترك بصمة واضحة في المشهد الفني المغربي والدولي، ومن خلال هذا المعرض، قدّم صبراني مجموعة من اللوحات التي تمتاز بالغنى الفني، حيث مزج بين الحرفية العالية والتقنيات المعاصرة بأسلوب يعكس تجربته الذاتية في سياق اجتماعي وثقافي غني، هذه الأعمال كانت فرصة لمعايشة رحلة الفنان الإبداعية التي تجمع بين التجريد والرمزية، لتصبح تجربة بصرية مدهشة تنبض بالحياة.
عند التوقف أمام إحدى لوحات المعرض الرئيسية، نجد أنفسنا أمام مزيج رائع من الألوان والخطوط التي تسحبنا إلى عالم فني لا يشبه أيا من العوالم التي اعتدنا رؤيتها. في هذه اللوحة، استلهم الفنان خطوطها من التراث المعماري المغربي، فكل زاوية وكل منحنى يعكس تفرد العمارة المغربية التي تأسر الأنظار بتفاصيلها الدقيقة ورمزيتها العميقة، من خلال هذا العمل، يمكننا أن نرى كيف نجح صبراني في تحويل المعمار التقليدي إلى تركيب حديث يعكس الحياة الحركية المعقدة التي نعيشها اليوم. هنا، يكمن العبقرية في قدرته على ربط الماضي بالحاضر بأسلوب حديث ومتجدد.
أما في لوحات أخرى، نجد الفنان قد تلاعب بالألوان بشكل فني دقيق ليرتقي بها إلى أبعاد جديدة من التعبير البصري، حيث استعمل الألوان الترابية والدافئة في بعض الأعمال، لتأخذنا إلى أجواء من الهدوء والطمأنينة، كما في لوحة “الذاكرة المشتركة”، حيث تكاد الألوان تنبض بالحياة، مستحضرا لنا المشهد المغربي الأصيل بكل تفاصيله، كانت هذه الأعمال بمثابة تكريم للثقافة المغربية، حيث رسم صبراني ملامح الحياة اليومية، من الأسواق التقليدية إلى الطقوس الاحتفالية، من خلال تجريدات بصرية تتسم بالرمزية والإيحاءات العميقة.
في قراءة متأنية للوحات المعرض، يلاحظ المتابع قدرة صبراني على التفوق في إتقان التفاصيل الدقيقة التي تمنح أعماله عمقا بصريا وحسيا. على سبيل المثال، في إحدى اللوحات الصغيرة، تظهر الأشكال الهندسية بشكل متشابك، ويُشعرنا المشهد بكأننا في قلب الحكاية. يبدو أن الفنان قد سعى إلى إدخال البساطة في الفكرة مع الدقة في التنفيذ، ليجعل اللوحة أكثر تأثيرا على المتلقي. الحركة، حتى وإن كانت خفية، كانت حاضرة في كل تفصيلة من تفاصيل اللوحة.
الجانب الأبرز في المعرض كان، بلا شك، قدرة صبراني على المزج بين التجريد والرمزية بأسلوب جديد. في بعض أعماله، يبدو أن الفنان قد انفصل عن الشكل التقليدي، ليصيغ أعمالا لا تلتزم بالقواعد الثابتة في التصوير، مما يعكس تطورا كبيرا في رؤيته الفنية. لوحاته يمكن أن تُقرأ بطُرق متعددة، حيث تدعونا إلى التفكير العميق في التقاليد الثقافية والتاريخية المغربية.
كذلك، تُظهر أعمال صبراني اهتماما خاصا بالقضايا البيئية والاجتماعية. في لوحاتٍ كثيرة، يمكننا أن نرى رموزا تمثل التحديات التي يواجهها المجتمع المغربي اليوم، مثل قضايا التغير المناخي والهجرة، كما في إحدى اللوحات، تبرز الألوان الزرقاء والخضراء بشكل متدرج، معبرة عن التفاعلات الطبيعية والإنسانية بين الأرض والمجتمع، ما يجعلنا نفكر في العلاقة بين الإنسان وبيئته.
الجمهور الذي زار المعرض أعرب عن إعجابه البالغ بالأعمال الفنية التي قدمها صبراني، وأشادوا بتنوع المواضيع والتقنيات التي اجتمع فيها البعد التقليدي والتوجه المعاصر. هذا المعرض لم يكن مجرد حدث فني، بل كان فرصة للتفاعل مع ملامح الهوية المغربية التي يُعيد الفنان تشكيلها في إطارٍ جديد.
إن معرض الفنان عبد اللطيف صبراني ليس مجرد عرض لفرشاة وألوان، بل هو دعوة مفتوحة للتأمل في ما يعكسه الفن من تجديد للهوية الثقافية، وقد أثبت صبراني من خلال هذه التجربة الفنية أنه ليس فقط فنانا، بل هو أيضا صانع لأبعاد جديدة من الوعي الاجتماعي والثقافي، باختتام المعرض، يظل صبراني رائدا في فن التشكيلي المغربي، ويمثل جسرا بين الماضي العريق والحاضر المتجدد.
< بقلم: عبد المجيد رشيدي