تصادفون خلال زيارتكم للمدن الأوروبية والأمريكية الكثير من المطاعم ومحلات بيع السندويتشات والوجبات الخفيفة العربية. في واشنطن وباريس وحتى موسكو وبكين تبتهجون باللافتات الكبيرة المضاءة والمزينة بالأحرف العربية والتي تقدح داخلكم وهج الحنين إلى الوطن وأطباقه الشرقية الدسمة.
في مدن العالم الكبرى لن تعدموا الوسيلة للعثور على مطعم عربي. لكنكم ستلاحظون حتما أن المطاعم التي تقدم الأطباق المغربية ونظيرتها التي تقدم أطباقا شامية من سوريا ولبنان هي الأكثر حضورا والأكثر طلبا حتى من غير العرب.
المغرب في الصدارة
يكشف التقييم الذي أجرته جامعة وارتون -بنسيلفانيا الأميركية وشركة «Y&R»للأبحاث وموقع «US News»لأكثر الدول تأثيرا في العالم من حيث التراث الثقافي، عن تصدر المطبخ المغربي واللبناني والتونسي القائمة العربية بمعدل بعيد نسبيا عن بقية المطابخ العربية.
أما على المستوى الدولي فقد حافظ المطبخ الإيطالي على صدارته العالمية كأكثر المطابخ تأثيراوانتشارا على مستوى العالم بمعدل كامل 10 من 10، بأطباق عريقة وشعبية كالمعكرونة والبيتزا. فيما حقق المطبخ التركي معدلامتقدما بـ 8.1 من 10 واحتل المركز السابع عالميا وجاءت تركيا في المركز التاسع عالميا لأكثر الدول تأثيرا في العالم من حيث التراث الثقافي عموما.
ويعتمد معدو مؤشر تأثير التراث الثقافي على أربعة معايير لتحديد مدى التأثير الذي تحظى به كل دولة والذي يقاس بمعدل من 0 إلى 10 وهي: سهولة الوصول للتراث الثقافي لهذه الدول والذي يختلف باختلاف مدى انفتاح الدول على العالم وثانياً الثقل التاريخي والحضاري للدول وثالثا ثراء هذه الدول بالمعالم الثقافية والتاريخية والأثرية ورابعاً جودة المطابخ وتنوع التراث الغذائي.
واعتمد المسح لهذا العام على مراجعات قدمها أكثر من 21 ألف شخص يقيمون في جهات الأرض الأربع في 80 بلدا حول العالم.
وتعمل الكثير من الدول حول العالم على تسويق ثقافتها الغذائية المحلية باعتبارها أحد المنتجات السياحية وإحدى أدوات جذب السياح والزوار، وباعتبارها أيضاً أحد أوجه تحول بعض الثقافات من حيزها الوطني الصغير إلى الحيز العالمي الواسع.
المغتربون سفراء المطابخ
حاز المغرب على المركز الأول عربيا كأكثر الدول تأثيرا في العالم من خلال المطبخ وأطباق الطعام المغربية الفريدة والشهية بمعدل 6.3 من 10، والذي يعتبر من أكثر المطابخ تنوعا في العالم إذ يعتبر مزيجا للحضارات التي مرت بالبلاد وساهم موقع المغرب الجغرافي في تعزيز هذا التنوع.
فالمطبخ المغربي هو خليط من المطبخ الأمازيغي والعربي، مغاربي، شرق أوسطي، والموريسكي (الأندلسي) والمتوسطي والإفريقي الصحراوي. كما ساهم مناخ البلاد الخصب وثراءها الطبيعي في تنويع مكونات وروافد الأطباق المغربية بالحبوب والفواكه والتوابل والبهارات والأعشاب النادرة والفريدة.
وفي المركز الثاني جاء لبنان بـمعدل 4.5 من 10. والذي يعتبر جزءا من المطبخ الشامي وهو عبارة عن مزيج فريد من المطبخ المتوسطي القديم والمطبخ العربي والمطبخ التركي بسبب الهيمنة العثمانية الطويلة على بلاد الشام في القرون الماضية. ويتميز بأطباق المقبلات المعروفة محلياً بالمازة. وساهم التنوع الديني والطائفي في البلاد في ثراء المطبخ المحلي.
وثالثا جاء المطبخ التونسي بـمعدل 2.8 من 10 وهو أحد المطاعم المغربية وجل أطباقه شديدة الشبه بالمطبخ المغربي وقد تشكلت معالمه على امتداد القرون الماضية وما هو عليه اليوم خليط فريد من المطبخ الأمازيغي والعربي والتركي واليهودي والفرنسي والإيطالي والمالطي.
لكن تنوع المطابخ العربية وجودة أطباقها ليسا محددارئيسيا في مدى تأثيرها وانتشارها العالمي. إذ يعلب انفتاح البلد دوراكبيرا في انتشار مطبخه حول العالم، فأكثر أربعة مطابخ عربية انتشاراوتأثيرا تنتمي لدول سياحية وتعتبر ساحات جذب سياحي كبيرة هي المغرب ولبنان وتونس ومصر، وهي دول ذات ثقل حضاري وتاريخ ثري ومجتمع متنوع.
أما العامل الرئيسي الذي يجعل من أي مطبخ واسع الانتشار في العالم هم المغتربون، الذين ينقلون عاداتهم وتقاليدهم وأطباق بلدهم وموسيقاهم وملابسهم معهم إلى المهاجر وبلدان الغربة شرقاً وغرباً، بل إن كثيراً منهم يستثمر في هذا الحنين إلى الوطن ويفتح مطعماً أو محلاً لبيع أطباق مطبخ موطنه الأصلي كسباً للمال أولاً ونشراً لثقافته الأصلية ثانياً بوعي أو بغير وعي.
ويظهر ذلك جليا في تصدر دول لها عدد كبير من المغتربين القائمة العربية للدول صاحبة المطابخ الأكثر تأثيراً وانتشاراً في العالم. إذ يوجد أكثر من مليون ونصف مليون مغربي يعيشون في الخارج عدا الذين ينحدرون من أصول مغربية ويحملون جنسيات أخرى والأمر نفسه بالنسبة للمصريين والتونسيين. فيما يشكل عدد اللبنانيين الذين يعيشون خارج البلاد أضعاف مواطنيهم الذين يعيشون في الداخل.
تصنيف نسبي
لا يغطي التقييم الذي أجرته جامعة وارتون -بنسيلفانيا الأميركية وشركة «Y&R»للأبحاث وموقع «US News»لأكثر الدول تأثيرا في العالم من حيث التراث الثقافي بما فيه الطعام والمطابخ، جميع الدول العربية. إذ يشمل 11 بلدا فقط من مجموع 22 دولة عربية. لذلك تبقى نتائج التصنيف النهائي نسبية ولا تعكس تماماجودة وتأثير وانتشار المطابخ العربية على مستوى العالم.
إذ نلاحظ غياب سوريا والعراق عن التقييم، على الرغم من تنوع وثراء هذين البلدين ثقافيا بما في ذلك مطابخهما الثرية والمشكلة من مزيج من مطابخ الحضارات والمجموعات البشرية بتنوعها العرقي والديني، التي مرت على المنطقة الخصبة في بلاد الشام.
كما تملك سوريا والعراق مطابخ واسعة الانتشار في الخارج بفضل الأعداد الكبيرة من المغتربين السوريين والعراقيين في أوروبا وأمريكا، الذين هاجروا باكرا منذ بداية القرن العشرين ولحقت بهم أعداد كبيرة على مر السنوات هربا من الحروب والاضطرابات في بلدهم. وهؤلاء نقلوا عادتهم الغذائية وفتحوا مطاعم في دول الاغتراب.