تطارح وجهات نظر مختلفة حول النقد والإنتاج والسياسات العمومية في قطاع السينما..

في إطار أنشطة المهرجان الدولي لفيلم الطالب، احتضن فضاء المدرسة العليا للفنون الجميلة، يوم الأربعاء 13 دجنبر 2023 توقيع كتابين: الأول تحت عنوان “السينما المغربية من التراكم إلى الحساسية الجمالية” للكاتب والباحث والناقد السينمائي محمد اشويكة، والثاني موسوم بـ “السينما العربية” للكاتب والناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، من تنشيط الفنان والناقد شفيق الزكاري، الذي جاء في تقديمه لهذه الفقرة ما يلي:
“عرفت السينما المغربية في السنوات الأخيرة، تقدما ملحوظا على المستوى الكمي، وتم تصوير العديد من الأفلام سواء الطويلة منها أو القصيرة أو الوثائقية، كما كانت هذه الأفلام بشتى أنواعها حاضرة في المحافل الوطنية والدولية، مما ساهم في تشكل إرهاصات خطابات حساسية سينمائية وجمالية في نفس الآن، باختلاف توجهات ومرجعيات المخرجين، إلا أن ما يرافق كل هذه الإنجازات، هو سؤال الجودة، وشروط الآليات المتحكمة في النهوض بقطاع السينما فبعد أن كان حضور السينما المغربية بالمفهوم النظري سابقا، أصبحت هذه السينما حقيقة جدية، نظرا لاختلاف الرؤى والمواضيع وتقنيات وأساليب التصوير. بمعنى أن السينما المغربية بدأت في تحديد ملامحها للانتماء لتربتها، وانشغالاتها بالقضايا الكبرى في المجتمع المغربي. ولكي تسير في هذا الأفق، لا بد من مسايرة هذه الإنتاجات الإبداعية بنفس نقدي هادف، يستطيع أن يقوم مسالكها تقنيا وإبداعيا في خط متواز، وطبعا هذا ما أشار إليه في الجلسة الافتتاحية لمهرجان فيلم الطالب الدكتور كلاوي، حين تحدث عن علاقة السينما بكل المناحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وخاصة الفلسفية منها”.
بعد هذا التقديم، تناول الكلمة محمد اشويكة متحدثا عما جاء في كتابه من آراء وتوضيحات عن واقع السينما المغربية بكل حيثياتها الموضوعية والتقنية مستشهدا بنماذج من أفلام مغربية حديثة، ونوعية انشغالاتها في خضم هذا التراكم الحاصل على مستوى الإنتاج، ثم طرح بعض القضايا المتعلقة بالحساسيات الجمالية التي تجمع بين هذه الإنتاجات، وعن سبب اختيارات المخرجين لهذا النوع من المواضيع.
بعده تحدث الكاتب والناقد عبد الكريم واكريم، عن السينما العربية والمغربية، ثم عن حواراته الخاصة مع بعض المخرجين المغاربة والعرب، محاولا الوقوف على التقاطعات التي جمعت اهتمامات المخرجين العرب والمغاربة، ومدى التفاوتات الإبداعية في هذه التقاطعات وتطوراتها، التي أصبحت محط اهتمام النقاد والمهتمين والجمهور، مع تسليط الضوء على بعض الانتقادات التي عرفتها السينما في العالم العربي بصفة عامة. فكان هذا اللقاء موضع تساؤلات الحاضرين من الفنانين والمخرجين والنقاد حول هموم وقضايا السينما وخاصة السينما المغربية، وعن أسباب عزوف المشاهد المغربي عنها، وأسباب غياب قاعات العرض كذلك، لينتهي هذا اللقاء بتوقيعات لهذين الكتابين.

يقع كتاب “السينما المغربية: من التراكم إلى الحساسية الجمالية” ضمن المشروع البحثي الموسوعي للمؤلف حول السينما بالمغرب، والذي يقارب في هذه المحطة منه مفهوم الحساسية الجمالية، وذلك عبر استقراء مجموعة من القضايا والتجارب، لاسيما وأن السينما بالمغرب قد حققت تراكما مهما يستدعي المساءلة والنقد، فقد تكاد تكون وثيرة إنتاجها متزايدة من حيث الكم، لكن سؤال الكيف يظل ملِحا مما يطرح قضية الانتقال نحو الكيف لدى الباحث في مجال الدراسات السينمائية والجمالية، والناقد السينمائي.
يطرح المؤلف مفهوم الحساسية من خلال ثلاثة مقاربات مدعومة بمداخل تهم الإنتاج والإخراج والنوع والتلقي، من قبيل: مقاربة بعض الحساسيات النسائية، وعرض نماذج لبعض الحساسيات المغايرة، فضلا عن أعمال تمثيلية للحساسيات التجريبية، وذلك سعيا منه لبلورة مفهوم الحساسية بمعناه الجمالي. وعليه، يخلص المؤلف إلى أن السينما المغربية لم تصل إلى بلورة مدرسة جمالية أو تيار فني يميزها، بل هناك حساسيات مرتبطة ببعض المخرجات والمخرجين، والتي قد تتطور فيما بعد كي تكون بمثابة الأرضية المبلورة لما يمكِنه أن يمَيز إستيتيقا السينما المغربية. يقع الكتاب في أربعة فصول، فضلا عن مقدمة وبيبليوغرافيا.
صدر كتاب “لسينما العربية الجديدة تجارب وتيارات” عن منشورات مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية بالدار البيضاء ويقع في 150 صفحة من الحجم المتوسط ووضع له لوحة الغلاف الفنان عز الدين الدوكاري، وينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول بعنوان “قراءات في تجارب سينمائية عربية حديثة” والثاني “سينما مغربية تجارب مختلفة ورؤى جديدة”، وفي كلا الفصلين نجد قراءات نقدية في أفلام حديثة عربية ومغربية، أما الفصل الأخير فموسوم بـ “حوار مع السينما العربية مخرجون يتحدثون عن تجاربهم” وهو عبارة عن حوارات مع مخرجين عرب أجراها الناقد واكريم عبر مراحل زمنية.
نقرأ على ظهرالكتاب الكلمة التالية: “في ظِلّ الوضع السينمائي العربي الراهن يأتي هذا الكتاب كضرورة ملِحة، نظرا للتغيير الطارئ على خارطة الإنتاج السينمائي في العالم العربي والانتقال من مركزية طالت لعقود لظهور سينمات ناشئة في الهوامش وتَطورِ أخرى لم تكن بزخمها الحالي. وهكذا يستمِر الناقد عبد الكريم واكريم في تجربة بدأها في مؤلفاته السابقة والتي تتجلى في قراءة أفلام سينمائية آتية من جغرافيات مختلفة، ليتطرق في هذا الكتاب لتجارب سينمائية عربية حديثة.
نجد في هذا الكتاب قسما أولا خاصا بالسينما العربية، رصد فيه الناقد مجموعة من التجارب السينمائية والأفلام العربية بالدرس والتحليل، أما القسم الثاني من الكتاب فَخَصصه للسينما المغربية التي تشهد طفرة غير مسبوقة وذلك من خلال قراءات في أفلام مغربية اختارها بعناية لكونها تمثل اتجاهات وتجارب مهمة في هذه السينما. أما الجزء الثالث فَخَصصه لحوارات مع مخرجين عرب متميزين التَقاهم عبر مراحل زمنية مختلفة وناقشهم في تجاربهم السينمائية..
للإشارة فقد صدرت للناقد السينمائي عبد الكريم واكريم أربعة كتب سينمائية هي: “أسئلة الإخراج السينمائي في المغرب” (2003)، “كتابات في السينما” (2010) “تجارب جديدة في السينما المغربية “(2013) و”سينمات عالمية أفلام ومخرجون…قراءات في تجارب مُغايرة” (2018).

لقاءات دراسية ونقاش حول الإنتاج السينمائي بالمغرب
احتضن أيضا فضاء المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء لقاء دراسيا أطرته الباحثة والمخرجة التونسية ميرفت مديني حول موضوع “لغة الفيلم” من تنشيط الناقد الفني ومدير المهرجان عبد الله الشيخ، حيث تمت مقاربة المنجز الفيلمي كلغة جمالية ومعرفية في الآن ذاته. أطر أيضا المصور الفوتوغرافي الفرنسي جون مارك ديلتومب ورشة تكوينية حول موضوع “التصوير الفوتوغرافي بين الواقع والمتخيل” بمعهد إ.ش.ب للفن والإعلام..
وهكذا استضاف معهد إ.ش.ب للفن والإعلام لقاء دراسيا مع الباحثة والمخرجة والمنتجة مريم ٱيت بلحسين حول موضوع “الإنتاج السينمائي بالمغرب” نشطه الناقد السينمائي والمدير الفني للمهرجان حسن نرايس، حيث اتخذ كأرضية عامة ما كتبته المؤلفة.. فمنذ سنة 2004، اختار المغرب إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل الرفع من عدد الإنتاجات السينمائية، والرفع، أيضا، من المبالغ المخصصة لميزانية بعض الإنتاجات، على أمل التوفر على أفلام ذات جودة عالمية. بعد عشر سنوات، شهد عدد الأفلام المُنتجة ارتفاعا أمام تناقص مهول لعدد القاعات نظرا لانخفاض المداخيل. أمام هذا الوضع، أصبح من اللازم تقييم المشاريع المنتقاة لأجل هذه الشراكة، وخروجها إلى القاعات، وبالتالي تقييم عمل المركز السينمائي كممثل للدولة، ومختلف اللجان التي تختار الأفلام.
هذا الكتاب يعمل على تقييم الأفلام التي يتم إنجازها بشراكة مع الدولة، متبعا في ذلك منهجية تحليل كل شريط سينمائي يستفيد من الشراكة العمومية أو الخصوصية.
يعاد تجديد اللجنة التي تختار الأفلام وفق هذه الشراكة كل سنتين. ينتمي أعضاء هذه اللجنة المعينة من طرف الوزير الوصي إلى أوساط سياسية أو إيديولوجية وهم الذين يقومون بتحديد التيمات ومعالجة المواضيع. إن تركيبة تحليلات مكامن القوة والضعف والفرص للأفلام المختارة خلال اجتماع كل لجنة، يسمح بتقييم عملها، والتركيبة العامة للنتائج المحصل عليها خلال عشر سنوات، تمكن من تقييم العمل في حد ذاته، وكيفية الاختيار ومعاييره. في هذا الكتاب، سنعمل على التحقق من عمل الدولة من خلال المركز السينمائي المغربي بهدف معالجة هذا الوضع ونتائج الخطوات التي تم تبنيها.
في الواقع، إن التركيز على العراقيل التي تعيق الإنتاجات المستفيدة من الشراكة العمومية الخصوصية يسمح بعملية إعادة تنظيم فُضلى لبنيات الدعم الخاص بهذه الشراكة من أجل إنجاح الإنتاجات. لهذا، من أجل دراسة باقي نماذج السياسات الثقافية للبلدان التي تفوقت في ظهور الأفلام، فالكتاب يقدم اقتراحات تتعلق بإعادة النظر في سياسة صندوق الدعم السينمائي بالمغرب.

Top