اختطفت يد المنون، وعلى حين غرة، عصر يوم السبت 19 جمادى الثانية 1446 الموافق ل 21 دجنبر 2024، إحدى بنات وطننا البارات الغيورات، وهي لا تزال في ريعان البذل والعطاء العلمي، لكنها إرادة الله ومشيئته، ولا راد لقضاء الله وقدره الذي جعل لكل نفس أجلا تنتهي إليه من غير زيادة ولا نقصان.
إنها المشمولة بعفو الله ورضاه المرحومة الأستاذة لطيفة الكندوز، التي نذرت حياتها للعلم والمعرفة والكتابة التاريخية وتيسير سبل ودروب البحث العلمي لأفواج من الطلبة الباحثين في عدد من المواقع الجامعية والبحثية المغربية، وجسدت على امتداد مسيرتها صرحا شامخا في العقد المنضود للبحث العلمي والأكاديمي، فهي الأستاذة الباحثة والمتمرسة في علم التاريخ، وعضو الجمعية المغربية للبحث التاريخي، واللجنة المغربية للتاريخ البحري. كرست مسارها العلمي والبحثي لخدمة الحقيقة التاريخية، واستظهار القيم والمسلكيات التي ألهمت الحركات النضالية والتحريرية لبلوغ أنبل المقاصد وأسمى الأهداف.
لقد أسهمت الراحلة العزيزة من خلال منصبها الأكاديمي كأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط في تعليم وتوجيه العديد من الأجيال في مختلف التخصصات، وكان لها دور بارز في تطوير المناهج الدراسية والبحث العلمي في جامعة تعد من أعرق الجامعات المغربية.
وانسجاما مع قناعاتها الفكرية وإيمانها بالمشروع الفكري الوازن والمتميز الذي ترعاه وتشرف عليه المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من أجل تعضيد وتعزيز مجهود التدوين والتوثيق الداعم لأوراش البحث العلمي، وتعميق وتوسيع دائرة الكتابة التاريخية والتوثيقية في ذاكرة المقاومة والنضال، أبت الفقيدة المبرورة إلا أن تستجيب لدعوتها لها بالانضمام إلى اللجنة العلمية الاستشارية المنضوية بالمؤسسة .
وعلاوة على أدوارها ومهامها الأكاديمية، شغلت الراحلة منصب الكاتبة العامة لجمعية “رباط الفتح للتنمية المستدامة “، مؤمنة بدور الثقافة والتعليم في تطوير المجتمع المغربي، ومكرسة جهودها من أجل خدمة وتعزيز المشاريع الثقافية والبيئية بالعاصمة.
ستظل الإصدارات التاريخية المتعددة والمتنوعة للفقيدة المبرورة، شاهدة على حرصها الموصول ودأبها المعهود من أجل خدمة مشروع التنمية الثقافية والتاريخية الهادفة إلى الإحاطة بالموروث التاريخي وتثمينه، من خلال استقراء فصوله وأطواره، والنبش والتمحيص في حناياه وثناياه وأعطافه، والتعريف برموزه وأعلامه وأقطابه، واستظهار واستحضار ما قد يكون طواه النسيان من أمجاد وروائع وملاحم.
ويشهد لها زملاؤها وطلبتها ومقدرو إنتاجاتها العلمية باجتهاداتها وتحاليلها، ومقارباتها القيمة التي زاوجت فيها بين الطرح العلمي الأكاديمي والمنهجية الرصينة التي يتوسل بها كل مؤرخ وباحث، يستقرئ الوقائع والأحداث، ويستنبط الاستنتاجات، ويبلور القناعات، ويصدر حصادا علميا وازنا ومتميزا، ينتصب مرجعية علمية للأساتذة والباحثين والمتخصصين وجمهور الطلبة.
وفي هذا الظرف الأليم، يتقدم المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بعبارات أحر التعازي وأصدق المواساة إلى عائلة الفقيدة الصغيرة وعائلتها الكبيرة، زملائها من الباحثين والدارسين والأكاديميين، ضارعا إلى المولى العلي القدير أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان، وأن يتغمد الراحلة العزيزة بواسع الرحمة والمغفرة والرضوان وجزيل الثواب وحسن المآب، وأن ينزلها منزل صدق عند مليك مقتدر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”