مؤسسة الفقيه التطواني تنظم دورة تكوينية حول: تعزيز حقوق المرأة‏‏ في العمل في بعديها القانوني والصحة النفسية

في إطار الشراكة بين مؤسسة الفقيه التطواني ووزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وتحت شعار “تفعيل أدوار الفاعل المدني”، تم تنظيم دورة تكوينية حول: “تعزيز حقوق المرأة‏‏ العاملة في بعديها القانوني والصحة النفسية”، لفائدة الأطر والقيادات الجمعوية المهتمة بقضايا المرأة‏‏ ببعض المدن والقرى المغربية، وبمشاركة باحثين مختصين، وذلك يوم السبت 9 دجنبر 2023، بمقر المؤسسة بمدينة سلا.
وهدفت هذه الدورة التكوينية إلى:
1) فتح النقاش حول المكتسبات والصعوبات القانونية لحماية حقوق المرأة‏‏ العاملة.
2) التحسيس بانعكاسات العمل في ظروف غير ملائمة على الصحة النفسية للمرأة‏ العاملة.
3) تقوية قدرات الفاعل المدني في التحسيس والمرافعة لحماية حقوق المرأة‏‏ العاملة.
4) تطوير آليات التدخل والوقاية من مخاطر العمل لدى المرأة‏‏.
هذه الدورة التكوينية التي امتدت على مدى 6 ساعات وحضرها 32 مشارك ومشاركة، تميزت بغنى التفاعلات التي ميزت ورشات العمل التي قام بتأطيرها طاقم من الأساتذة الباحثين في علم النفس من جامعة محد الخامس، وهم: د. حمزة شينبو، د. زكرياء بدري، د. عبد الله أزور، والأستاذة سلوى السماتي الباحثة في كلية الحقوق.
فيما يلي نستعرض أهم مجريات هذه الدورة.

الجلسة الافتتاحية

انطلقت أشغال الدورة التكوينية بكلمة افتتاحية لرئيس المؤسسة أبو بكر لفقيه التطواني، حيث رحب بالمشاركين والمشاركات، وعبر عن شكره وسعادته لاستضافة هذه الدورة التكوينية، وذكر بموجز لحصيلة عمل المؤسسة، كتنظيم لقاءات مع الوزراء والمنظمات النسائية للأحزاب، والباطرونا، ونقابات العمال، فضلا عن القيام بزيارات عمل ميدانية، وتنظيم جلسات استماع للنساء في المدن والقرى والأسواق، موضحا أنه تم اكتشاف الحاجة لتحسين الوضع القانوني للمرأة‏ في مجالات الشغل والمسطرة المدنية والجنائية، ومسألة الحضانة والمؤسسات المهتمة والمستقبلة للمرأة‏، وأكد أن نتائج الزيارات وجلسات الاستماع للنساء لاسيما في منطقة الخميسات، أبانت عن الهشاشة التي تعيشها المرأة‏‏ التي تتحمل أعباء كبيرة، وتساءل كيف نقدم حلولا واقتراحات وبرامج للسياسة العمومية؟ خصوصا في مجالات:
1) برامج الدعم والحماية الاجتماعية للمساهمة في دعم وضعية المرأة‏ وتخفيف هشاشة البيئة.
2) المجال القانوني خاصة مدونة الشغل، حيث الحاجة اليوم لقانون خاص بمفتشي الشغل للحد من عراقيل مراقبة وضعية المرأة‏‏ في المعامل.
3) الحاجة للترافع وبنفس طويل واسترسال وعمل يومي وجهود متواصلة لتحسين وضعية المرأة‏‏ المغربية.
وفي ختام كلمته تمنى أن يفضي النقاش خلال هذه الدورة إلى اقتراحات عملية، مذكرا أن المؤسسة تنبهت خلال جلسة الاستماع لأبعاد أخرى كالانعكاسات على الصحة النفسية للمرأة‏ العاملة، وتأثيرها على الأسرة والمجتمع إلى الجانب القانوني.

العرض الأول: الحماية القانونية للمرأة‏ العاملة على ضوء التشريع المغربي

بتركيزها على المقاربة القانونية انطلقت الأستاذة سلوى السماتي من نص الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، والذي ينم عن وجود إرادة سياسية لتحسين وضعية المرأة‏‏ العاملة، تجلت أولا في دستور 2011، حيث أكد على أهمية المساواة والمناصفة والمنافسة والحق في الشغل، وإحداث آليات لتفعيل هذه الحقوق في القوانين، ثم ثانيا، من خلال مدونة الشغل التي نصت على مقتضيات حمائية مهمة.
وبخصوص مدونة الشغل فقد أشارت الأستاذة إلى أنها سعت لتوفير ضمانات لحماية حقوق المرأة‏ الأجيرة منها:
1) بالنسبة للمرأة‏‏ العاملة خارج البيت مقابل أجر، تسري عليها نفس القوانين التي تسري على الرجل ‏ دون تمييز.
2) يكون التمييز في حالات محدودة، مثل الرضاعة والحمل ولظروف أخلاقية أو لاحترام خصوصية المرأة‏ّ.
3) حقوق الضمان الاجتماعي.
4) عطت امتيازات للمرأة‏، كمنع القيام بأعمال خطيرة وغير مناسبة.
5) منع العمل دون السن القانوني لتشغيل المرأة‏ هو 15 سنة كاملة، لكن بعد 15 سنة يمنع ممارسة أعمال خطيرة تؤثر على نمو المرأة.
6) منع تشغيل المرأة‏ أقل من 18 سنة في البيوت.
كما أشارت للمادة 9 التي تحظر التمييز ضد المرأة‏ في أماكن العمل على أساس اللون أو الجنس أو العقيدة أو التكوين أو الأجر، تمييزا يمس بتكافؤ الفرص، مع التنصيص على العقوبات والغرامات.
وأكدت الباحثة على أنه على مستوى الواقع هناك تفاوت بين أجور الذكور والإناث، وهناك قبول للمرأة‏ للعمل بأجر أقل من الرجل، رغم أن القانون واضحا بهذا الشأن.
وذكرت بمقتضيات المادة 179 التي تحظر تشغيل المرأة‏ في أعمال شاقة وبالليل وفي المناجم والأغوار، وفي أعمال تفوق طاقتهن البدنية. مع الاستثناء الذي خصته المادة 172 حيث يمكن تشغيل النساء مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي، وبشروط توفير النقل ذهابا وإيابا، وتوفير فترات ووسائل الراحة…
وعموما سجلت الباحثة أنه لا يزال هناك بعض الغموض يلف المواد التي تتناول تشغيل المرأة وصعوبة تفعيل المراقبة لاسيما التشغيل الليلي، رغم تنصيص مدونة الشغل على مقتضيات قانونية بعقوبات وغرامات.
المرأة‏ لها وظائف أخرى اجتماعية غير العمل، وهي رعاية الأسرة والحمل والرضاعة وتربية الأبناء، ويلاحظ عناية القانون بالمرأة‏‏ الأجيرة الحامل والمرضعة، إذ أكد على استفادتها من رخصة 14 أسبوعا كحد أدنى، وفي حالة التعاقد 10 أسابيع، مع تخفيف الأشغال على المرأة‏‏ الحامل في نهاية العمل، (ولاحظت الباحثة بأن هذه المدة مفتوحة وغير محددة). كما يمكنها التوقف عن العمل بناء على شهادة طبية، هناك دائما ضمانات لعدم إنهاء عقد الشغل مع المرأة‏‏ الحامل أو أثناء العطلة، وتخصص ساعات للأم المرضعة خلال 12 شهرا بعد استئناف العمل، وإلزام كل مقاولة توظف أكثر من 50 امرأة بتوفير فضاء خاص أو روض للأطفال، كما للمرأة الحق في تمديد مدة الاستراحة لسنة غير مؤدى عنها. كما ذكرت بالعقوبات المنصوص عليها في حالة المخالفات، وأشارت إلى القانون الخاص بالعاملات المنزليات.
وأشار الأستاذ أبو بكر التطواني أن واقع المرأة أحيانا بعيد عن النص القانوني، وتساءل هل المرأة‏‏ واعية بالقانون، في العالم القروي تكوين المرأة بسيط بحكم إكراهات التعليم والتمدرس ومحو الأمية، ثم أكد أن الوعي القانوني يحتاج للدعم وللرقابة ولآليات ضمان التطبيق السليم للقانون.

العرض الثاني :طرق تحيين الصحة النفسية للمرأة‏ العاملة وتعزيز حقوقها

سعى حمزة شينبو أستاذ علم النفس الإكلينيكي باعتماد طريقة تفاعلية إلى طرح بعض الملاحظات والتساؤلات وإتاحة الفرصة للمشاركين للتعبير عن آرائهم وتجاربهم ثم التعليق عليها.
انطلاقا من اعتبار أن الفاعل المدني خبير في بعض المجالات بحكم التجربة والاحتكاك المباشر مع الحالات والوضعيات، ولأن موضوع الصحة النفسية مجالا للترافع، أكد أن هناك حاجة لإحداث خلايا الإنصات داخل الجمعيات التي تمتلك القدرة على الإنصات والمرافقة، لتراكم الصعوبات التي تعيشها المرأة‏ العاملة على المستويات النفسية والاجتماعية والجسدية والصحية، داعيا إلى تأسيس تجربة تنطلق من مؤسسة لفقيه التطواني، مبينا أن التجارب الميدانية بالمؤسسات تؤكد أن التدخل يمكن أن يكون فعالا إذا كان مبكرا ويمارسه ذوي الاختصاص.
هذا، وتركز التفاعل بين المشاركين حول إشكالية واقع المرأة‏ العاملة انطلاقا من التجارب الميدانية، فرغم وجود قانون وتنظيم وجهود تبقى دائما المرأة‏ العاملة تعاني من إكراهات وصعوبات جمة، مما أفضى إلى العديد من الملاحظات والاقتراحات منها:
– الواقع يؤكد أن القانون حبرا على ورق، فأغلبية الشركات يشغلن النساء بأجور زهيدة. دون تسجيل في الضمان الاجتماعي إلا قليلا.
– تجربة الانصات للنساء تؤكد وجود العنف والتحرش، فحاجة المرأة‏‏ للشغل لظروفها الاجتماعية يجعلها عرضة للاستغلال. لذلك لابد من التأكيد على التوعية بالحقوق.
– وجود خوف في أوساط النساء للانخراط في النقابة لوجود تهديدات بفقدان الشغل.
وبين الأستاذ حمزة أن هذه الصعوبات والمشاكل في العمل لها تكلفة مادية، حيث بينت منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية في بحث مشترك سنة 2019، أنه يكلف على الصعيد العالمي 12 مليار يوم عمل كل عام، بسبب الاكتئاب والقلق وهو ما يكلف الاقتصاد تريليون دولار أمريكي سنويا من الإنتاجية المهدرة.
وبالرغم من أن القانون جيد ويتلاءم في مجمله مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، يبقى في العالم القروي المرأة‏‏ تشتغل عشوائيا، حتى العمل في المجال الفلاحي بإسبانيا يطرح مشاكلا. المرأة‏‏ محتاجة للعمل لتساعد الأسرة، لكن الاستغلال العشوائي لقدراتها‏‏ والإكراهات في العمل تؤثر على صحتها وعلى مستقبل الأسرة والأطفال.
وتساءل الأستاذ أبو بكر التطواني كيف نوازن بين ضمان حقوق المرأة‏، ومصالح الاستثمار والمقاولة، فبعض المقاولين يقولون إذا طبقنا القانون سنغلق المقاولات ونوقف الاستثمارات. وتواصلت مداخلات المشاركين والمشاركات مؤكدة على:
– أهمية المواكبة والمرافقة وحشد الدعم، أهمية دور الفاعل المدني المتخصص والكفاءة والرؤية والآليات والإنصات للمرأة‏‏ في وضعية الإعاقة والمرأة‏‏ المعنفة والمرأة‏‏ المعلمة للأطفال في وضعية إعاقة، عمل المرأة‏‏ متعب، أعباء الأسرة ومشاكل الزواج والعنف.
– الحاجة إلى التكفل بالصحة النفسية للنساء، وتقوية قدراتهن مسؤولية الجميع.
– تعميم مراكز الإنصات والاستماع، وتوفير متخصصين.
– دور الاعلام في تحسيس المرأة‏ بحقوقها وبطرق الحماية من مخاطر العمل. ولا ننسى دور المرأة‏‏ في إنتاج وتربية أجيال الغد.
– لا بد من تشجيع المقاولات الحاضنة للنساء لاسيما في العالم القروي، كما يلاحظ ذلك في جهة سوس ماسة. فتحسين وضع المرأة‏‏ مدخل لتحقيق المشروع المجتمعي والتنمية.
– المغرب يناقش إصلاح مدونة الأسرة، وينبغي الانطلاق من واقع المرأة‏‏ في القرية وفي المدن، إشكال قبول المرأة‏‏ للعمل بأي ثمن، وتفضيل المشغل للمرأة‏ العاملة بدل الذكور.
– تراكم المشاكل يؤثر على الصحة النفسية للمرأة.
– من أجل التمكين الاقتصادي للمرأة‏ العاملة، لابد من برامج مثل برنامج إكرام 1 و2، تقوية قدرات المرأة‏‏ طريق لتمتيعها بحقوقها وضمان استقرارها.
– هناك عوامل خطيرة كاعتقاد المرأة‏‏ بأن الرجل ينبغي أن يأخذ أجرا أكبر، تمثلات اجتماعية وأفكار ومعتقدات تؤطر عمل المرأة.
– غالبا ما تُسأل المرأة‏‏ هل هي متزوجة في مقابلة التشغيل، إقصاء المتزوجات من العمل يتعارض مع ثقافة حقوق الانسان.
– البحوث الاجتماعية بمدن الشمال بينت تعرض نسبة كبيرة من النساء العاملات للتحرش والاغتصاب، بل هناك سكوت أو قبول النساء بهذا الوضع بسبب الخوف من فقدان العمل.
– لابد من توعية المرأة‏‏ بحقوقها، لأن المرأة‏‏ ينظر إليها دائما كضحية، لا ينبغي أن ننسى مسؤولية المرأة‏‏ حول وضعيتها الحالية.
– يتعمق الإحساس بالدونية لدى المرأة‏‏ المغربية، وتقدم تضحيات كثيرة، بل إن نجاح الأبناء ينسب للأب وفشلهم ينسب للأم.
– التربية على التمييز في الثقافة المغربية يجعل المرأة‏‏ تتقبل العمل الهش، لا بد أن نحمل المرأة‏‏ المسؤولية في وضعيتها.
– المرأة‏‏ يمكن أن تلعب دورا في تربية الأجيال، المرأة‏‏ تواجه تحدي تحقيق توازنات بين العمل والأسرة، وتدهور الحالة النفسية يؤدي إلى قلة المردودية، لأن المرأة أكثر تفاني في العمل.
– هناك حاجة لإيجاد حلول لوضعية ثبوت النسب.
– المرأة‏‏ العاملة لها مشاكل خاصة في مجال الفلاحة والمصانع، كالبعد عن العمل، قلة وسائل النقل، التعرض للعنف، التحرش والاغتصاب، عدم احترام القانون، شروط العمل، ساعات إضافية، عدم احترام خصوصية المرأة‏،‏ العديد من النساء العاملات يتشرد أبناؤهن والهدر المدرسي، مما يجعلنا نستنتج أن عمل المرأة في عمومه استغلال.
– لابد من تنويع الحلول حسب الوضعيات. المرأة‏‏ واعية بحقوقها ووضعيتها لا تسمح لها بالمطالبة.
– تتعرض المرأة لضغط من محيطها “الناس راضيين، وأنت مالك”.
– إذكاء الوعي مهم جدا، لكنه لا يكفي، لابد من تطبيق القانون، وتخفيف الضغط الاجتماعي على المرأة.
أضاف الأستاذ حمزة شينبو أن ضغط الثقافة والنكت تؤثر على صورة المرأة‏‏ والعمل، ينبغي العودة إلى المواقف والتمثلات والاتجاهات السائدة لدى المهنيين والفاعلين والمرأة نفسها. وأكد أن هناك حاجة إلى مناصرين لحقوق المرأة‏ في العمل، ولاحظ تغليب الطابع الاجتماعي والإحساني مقابل ثقافة الحق، داعيا إلى تنويع مداخل تحسين الصحة النفسية وحقوق المرأة العاملة، إضافة إلى المدخل القانوني هناك مداخل صحية اجتماعية نفسية قيمية. فالترافع مع المشغل ينبني على استراتيجيات، لأن له مخاوف ومبررات. لذلك ينبغي تحسيسه بأن ثقافة عدم إعمال الحق مكلفة، ومن تجربة العديد من البلدان كاليابان التي تبالغ فيها المؤسسة الاقتصادية في إعطاء الحقوق فترتفع الإنتاجية، كذلك توظيف الخدمة النفسية والاجتماعية وتوفير مكتب الإنصات في كل مقاولة سيكون له أثره على ارتفاع الإنتاجية.
بعد حصة الاستراحة تم تنظيم ثلاث ورشات تلتها مناقشة عامة.

الورشة الأولى: تقنيات العلاج النفسي المعرفي في خدمة حقوق المرأة‏ العاملة

ركز نبيل شكوح أستاذ علم النفس المعرفي على دور بعض التقنيات المستمدة من خبرته في العلاج النفسي المعرفي في خدمة حقوق المرأة‏ العاملة، حيث انطلق من التجارب والملاحظات التي عبر عنها المشاركون والمشاركات ليتساءل ما هو الإشكال؟ وحدده في: نحن إزاء إكراه، المرأة‏ لها حقوق والمؤسسة الاقتصادية لها مصالح، تفكر بمنطق الربح والخسارة، على المدى البعيد يجب أن نترافع مع المقاولة بالمنطق رابح / رابح، فالاستثمار في الحقوق ينعكس على المستوى التنموي.
ثم أكد أنه عندما يتعلق الأمر بالإنصات والدعم والعلاج، نفكر أولا ما هي المشاكل النفسية للمرأة‏ العاملة: فالاستغلال له آثار نفسية، اضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، التذمر، الإرهاق الجسدي والنفسي. هذه المشاكل تمس ثلاث مجالات شخصية أسرية والعمل. ثانيا نفكر هل هي مشاكل مترابطة أم مستقلة عن بعضها البعض، الواضح أنها مشاكل مترابطة، بمعنى أن أي مشكل يؤثر على جوانب أخرى، إذن كيف يمكن التدخل لفائدة المرأة‏ العاملة؟
أجاب عن هذا الإشكال عبر تحديد بعض السيرورات العملية، وهي كالتالي:
1- الفصل بين المشكلات: الفصل بين المشكلات يحتاج قدرات نفسية، كيف تميز المرأة بين العمل والأسرة؟ في مشروع العلاج التحليلي عودة للطفولة ولأحداث الماضي، بينما العلاج المعرفي هنا والآن بعيدا عن الماضي، يساعد المرأة على التوافق مع المقاولة والمؤسسة، بخصوص تنمية القدرات ما هي الأشياء التي تحتاجها المرأة‏ للفصل بين المشاكل:
– أهمية الضبط الانفعالي التنظيم الانفعالي، الانفعال طبيعي وينبغي تعلم كيفية التحكم فيه.
– تطوير قدرات التواصل غير العنيف.
– تحليل التعاملات، التواصل مع مراعاة خصوصيات.
– تقنيات الاسترخاء التي تؤدي إلى الوعي التام، وتساعد على الفصل بين المشاكل.
2- البحث عن أصل المشكل: البحث عن أصل المشكل، فهناك علاقة بين الأفكار والأحداث والانفعال، الطلبية حدث ندركه إما كضغط، مثلا في العمل الإداري الطلبية أو المهمة ندرك على أنه ضغط أو فرصة، الأول يدرك على أساس أنه إحساس بالتحقير يعني انفعال وسلوك سلبي، أما الثاني فيعتبر المهمة فرصة للتعلم يعني انفعال وسلوك إيجابي.
3- تعديل ومعالجة وإدراك الأحداث: عبر التعبير عن الانفعالات، فكل محنة نفسية تحمل القلق والانزعاج والحزن والإحباط، والتعبير يساعد على تحرير الطاقة وإعادة النظر في مضمونها.
4- التواصل غير العنيف: استعمال عبارات ملائمة في التعبير عن الأفكار والمشاعر، “سيغلب خيرك شرهم”.
5- الملاحظة الموضوعية: تقدير الأمور بطريقة محايدة وخالية من الأحكام المسبقة، مع اعتماد الأدلة الواقعية، وتغليب حسن الظن.
6- أنماط التواصل: هناك ثلاث أنماط معروفة نمط الطفل والراشد والمراهق، من الأفضل اختيار النمط الملائم في المجال المهني وعلاقات العمل.
7- تدبير الضغوط: أمر يحتاج إلى تكوين وتدريب ينطلق من اعتماد إجراءات عملية من إدراك المشكل وتقييم التهديدات والتركيز على ما ينبغي القيام به مع تقدير العواقب… والاهتمام باللغة، فاللغة تهدمنا كما يقال.

الورشة الثانية: الصحة النفسية حق من حقوق المرأة‏ العاملة

انطلق زكرياء بدري أستاذ علم النفس المعرفي، في أرضية هذه الورشة من اعتبار أن تفعيل الحق في الصحة النفسية للمرأة يمر عبر عدة خطوات أساسية، مشيرا إلى الدراسات التي تؤكد أن تعرض المرأة‏ للضغط النفسي يؤثر على صحتها النفسية، مما يتطلب تحقيق الحاجة للدعم النفسي والإنصات، فإذا كان الشغل يقتضي ضرورة استمرار العمل والرفع من الإنتاجية في مقابل الالتزام بتوفير الحقوق، فإنه في نظري المقاولة تعتبر أن توفير الحقوق ربما يؤدي إلى انخفاض المردودية.
لكن مرجعية علم النفس تفيد أن العمل على تحقيق التوافق المهني يرفع الإنتاجية، لأن مؤشرات التوافق المهني تشمل:
– تقوية العلاقة بين زملاء العمل.
– مستوى الرضا المهني.
– علاقة العامل مع الآلة.
ومن هنا يتضح أن دور المجتمع المدني هو العمل على إذكاء الوعي للخروج من الصورة النمطية للمرأة وعلاقتها بالعمل. والدفاع عن حق المرأة‏ في الاختيار المهني، وتشجيع تربيتها على الاختيار والتوجيه المهني، مراعاة خصوصية الميول المهنية.
وفي ما يتعلق بالضغط النفسي والضغط المهني بين الأستاذ أن الحفاظ على نسبة من الضغط مهمة في الإنتاج والعمل، فإذا كان الضغط منخفضا أو قويا جدا يؤثر سلبا على الإنتاجية، بينما الضغط المتوسط يزيد من الأداء المهني وبالتالي ارتفاع مستوى المردودية.
وفي ختام عرضه دعا إلى تقوية استراتيجيات مواجهة الضغوط. وأكد على الحاجة إلى متخصصين في المؤسسات الإنتاجية، لتقديم خدمات الإنصات والمرافقة النفسية لصيانة الصحة النفسية للمرأة في العمل.

الورشة الثالثة: تدبير مخاطر العمل لدى المرأة

انطلق عبدالله أزور أستاذ علم النفس التربوي، في أرضيته لمناقشة تدبير المخاطر لدى المرأة‏ العاملة، من التمييز بين مفهومي الشغل والعمل، مشيرا إلى أنهما يشتركان في كونهما الجهد الذي تبذله المرأة، لكن الشغل يستوجب الأجر بالضرورة في حين أن العمل يمكن أن يكون تطوعيا، ثم أشار إلى أدوار ووظائف العمل في حياة المرأة حيث إضافة إلى أنه مصدر رزق، يمكن أن يقوي الثقة في النفس والإحساس بالكفاءة والإنجاز، وتحسين صورة وتقدير الذات، وامتلاك المستقبل ووضوح الأهداف (المشروع المهني)، حيث يمثل فرصة لبناء علاقات اجتماعية والحفاظ عليها مما يسهل الاندماج الاجتماعي، أحيانا يكون العمل مفتاحا للاستقرار وتحقيق مشاريع الحياة.
كما أشار لمفهوم العلاج بالعمل، حيث يساعد العمل على تجاوز الكثير من الاختلالات والصعوبات النفسية والاجتماعية. ثم تطرق للتربية بالعمل والتربية على حب العمل، تحبيب العمل للناشئة وبناء جيل حيوي يعتمد على ذاته، مذكرا بكتاب الباحثة الأمريكية Beth Kobliner “اجعل طفلك عبقري أموال”، عبر إجراءات كاصطحابه للعمل، وتكليفه باختيار مهام بحرية في حدود استطاعته وتحديد أجر وترك حرية التصرف فيه، وعدم شتم العمل أمام الطفل….
كما أشار إلى الدراسات المقارنة بين المرأة‏ العاملة وغيرها، وبين أن لكل عمل مخاطر، لذلك لابد من تقوية قدرات المرأة‏ على مواجهة وتدبير هذه المخاطر، ومن أجل ذلك قدم سيرورة مكونة من عدة عناصر أهمها:
1- النظرة للعمل كوسيلة وليس كغاية.
2- ضرورة ملائمة نوع العمل مع طبيعة شخصية المرأة ومراعاة خصوصياتها.
3- تقييم مخاطر كل عمل مهما كان، ووضع خطة للحد من مضاعفاتها.
4- تنظيم العمل وتقسيمه وتوضيح المهام، لأن العمل في الغموض يزيد من الضغوط النفسية.
5- ضمان معاملة جيدة، وتجنب الوصم الاجتماعي، وضمان مشاركة العاملات في التدبير.
6- توفير التكوين المهني المستمر والتدريب المتخصص والكافي، لا سيما عند التعيين في مهام جديدة.
7- ضمان الترقي المهني، والمرونة في تغيير المهمة وتنويع المجالات داخل المؤسسة.
8- الاهتمام ببيئة العمل وتنظيم مسابقات وحوافز ومنح واحتفالات….
9- تثقيف العاملات بمخاطر المهنة وتدريبهن على تقنيات الوقاية وتدبيرها كالإسعافات الأولية…
10- إحداث خلايا الإنصات (مختصين) والتدريب على مقاومة الضغوط داخل المؤسسات الانتاجية.
11- إحداث آلية للتظلم، لتقديم شكايات وتتبع مآلاتها.
12- تقوية آليات المراقبة والتتبع والتقييم.
ومن أجل إدارة جيدة للضغوط تحتاج المرأة إلى الالتزام بـ:
– ممارسة الرياضة بانتظام.
– التدريب على المهارات الحياتية.
– إحياء الهوايات وأنشطة التطوع.
– الترفيه والسفر ومشاهدة الأفلام والمسرحيات وحضور الحفلات….
– المواظبة على التأمل أو الأنشطة الروحية.
بعد تقديم هذه الأرضيات الثلاث، تم فتح المناقشة، وقد ركزت المداخلات على تقديم الملاحظات والاقتراحات التالية:
– من التجربة، بعض النساء العاملات يطلبن فقط أن ننصت لهن دون أي شيء آخر.
– الدعوة إلى مناظرة وطنية حول حقوق المرأة في العمل.
– تحسيس المتدخلين للاشتغال مع النساء في إطار قانوني.
– هشاشة كبيرة للمرأة‏ مما يترتب عليه مشاكل كثيرة يصعب حلها.
– إحداث مراكز الإنصات وتكوين مختصين، وممارسة الإنصات بطريقة احترافية تعتمد على التقنيات العلمية.
– توفير عدة بيداغوجية للإنصات للاشتغال مع المرأة‏ العاملة.
– توثيق التجارب الذاتية في تحقيق التوازن وتأهيل الجمعيات والفاعل المدني متخصصين في الانصات.
ملاحظات حول بعض المداخلات؛
– هناك أزمة الإبداع في مجال الاشتغال مع المرأة‏ العاملة.
– الحاجة للتكوين المستمر، والنزول إلى المعامل والقيام بأنشطة تحسيسية داخل المؤسسة الاقتصادية.
– كل شركة لها أكثر من 3000 عامل، ينبغي أن توفر خلايا للإنصات وتنظيم أنشطة ترفيهية داخل مؤسساتها.
– دعوة وزارة التربية الوطنية إلى تطوير البرامج والمناهج وتطبيقات عملية لتدريب التلاميذ على احترام المرأة.
– لا ينبغي الاكتفاء بتشخيص مشاكل المرأة في العمل، بل هناك الحاجة للتدخل وإعداد عرائض وملتمسات واقتراح برامج على الجماعات الترابية، واقتراح تعديلات ومرافعات، واتخاذ خطوات للمطالبة بتعديلات واقعية في القانون.
– الممارسة الميدانية أساس اكتشاف تعثرات التربية على حقوق وخصوصيات وأدوار المرأة‏.
– جعل التكوين في الجامعة ميدانيا لتأهيل الأطر حول كيفية التعامل مع معاناة المرأة العاملة.
– فتح مسارات جامعية لإعداد أطر مؤهلة في مجال المساعدة الاجتماعية والإنصات والدعم والمواكبة الاجتماعية والقانونية.
– توفير مناصب الشغل والتأهيل والدورات التكوينية للمجتمع المدني، ومراجعة البرامج الموجهة للمرأة‏ العاملة.
– تحسين صورة المرأة‏ العاملة في الإعلام.
– تكثيف المراقبة على المقاولات للتأكد من احترام القانون.
– التفكير في آليات التنزيل والتفعيل والاشتغال مع المقاولات والإقناع بضرورة احترام حقوق المرأة‏ العاملة.
– إلزام الجماعات الترابية بضرورة ترشيح المرأة‏ المؤهلة، فقد لوحظ في الانتخابات السابقة أن المرأة‏ هي من يقوم بالحملة وأصواتها تؤثر على تشكيل المؤسسات المنتخبة.
هذا، وطرحت بعض الأسئلة حول:
– كيفية التعامل مع الضغوط؟
– كيف يتم تنمية الذكاء العاطفي والذكاءات المتعددة؟
– هل تفكر مؤسسة لفقيه التطواني في تنظيم ندوة حول مدونة الأسرة وإعداد مذكرة في الموضوع؟
– ما هي آليات تطوير كفاءة الفاعل المدني في خدمات القرب والعمل مع القطاعات المعنية بتشغيل المرأة؟
إثر ذلك قام الأساتذة بتقديم توضيحات وإضافات همت النقط التالية:
– هناك حاجة إلى بيئة داعمة للمرأة‏ العاملة.
– الاهتمام بالجانب النفسي ضروري وليس ترفا فكريا.
– نحتاج إلى برامج داعمة واستثمار في الكوادر والكفاءات النفسية.
– التركيز على الجانب النفسي والصحة النفسية وتوفير خدمات الدعم، لأن تكلفة عدم تدبير ضغوط العمل باهظة جدا.
– الجامعة تشارك ولها خلايا الإنصات يستفيد منها الطلبة ويمكن فتحها مستقبلا في وجه باقي الفئات كالمرأة العاملة، ويمكن إحداث خلية متنقلة للدعم النفسي، لتخفيض تكلفة القلق والاكتئاب.
– تشجيع البحث العلمي حول قضايا المرأة العاملة.
– المشاركة في تكوين مدراء الشركات الكبرى في كيفية خلق بيئة آمنة وصديقة للمرأة، وإبداع مشاريع للعمل مع المؤسسات الصناعية.
– تقنيات الإنصات الفعال تحتاج لتكوين متخصص، حتى تؤدي للتفريغ والتحفيز على التعبير العميق، فلا تتحول إلى مجرد إحياء ذكرى صادمة ومؤلمة.
المشكل أن الخدمات النفسية ينظر إليها كترف، وتشير أدبيات علم النفس إلى “هرم ماسلو” الذي يؤكد على حاجيات الإنسان كالأمن والثقة في النفس وتأكيد الذات.
بخصوص الذكاء العاطفي والذكاءات المتعددة، السؤال اليوم هو كيف نطور الذكاء العاطفي، واليوم أصبح الحديث عن الكفايات الانفعالية أكثر من الذكاء؟
بخصوص بيئة العمل وتدبير الضغوط، هناك مؤشرات للتوافق مع العمل لها علاقة قوية بتحسين الإنتاجية، فتعزيز السلوك الإيجابي والاعتراف بقيمة العمل والمجهود وتوفير الحضانة وتلبية الحاجيات وتقوية العلاقات الإنسانية والتربية على الاختيار المهني.
المهم هو التقيد بالإجراءات والتدابير التي تقلص التهديدات والمخاطر داخل المؤسسة، بالنسبة للمرأة‏ هناك أشياء كثيرة يمكن القيام بها.
توضيحات بخصوص عملية الإنصات ووظائفها المساعدة للمرأة على تفهم وتفعيل الوعي بواقعها للعمل على تغييره، لذلك تنتهي جلسات الإنصات فقط حين يظهر المشروع الشخصي.
واختتم اللقاء بكلمة الأستاذ أبوبكر التطواني شكر فيها الأساتذة والمشاركين.

اقتراحات عامة

1) الدعوة إلى إصلاح وتعديل القوانين وإزالة الغموض في بعض النصوص من مدونة الشغل.
2) تنظيم مناظرة وطنية حول حقوق المرأة العاملة، يشارك فيها كل المتدخلين والشركاء.
3) إحداث خلايا الإنصات والاستماع للمرأة العاملة بالمؤسسات الإنتاجية.
4) إعداد دليل للإنصات السيكولوجي لفائدة المرأة العاملة.
5) تقوية آلية المراقبة وتعميم وتأهيل مفتشي الشغل.
6) تأهيل الفاعل المدني في مجالات التدخل والإنصات والمواكبة والمرافعة.
7) العمل على توفير خدمات الصحة النفسية في المؤسسات الإنتاجية.
8) تشجيع البحث العلمي الجامعي حول قضايا المرأة العاملة.
9) تنظيم قوافل للتوعية والتحسيس والإنصات للمرأة العاملة في المناطق القروية.

Top