محمد الشيخ ماء العينين: جهة الداخلة وادي الذهب أصبحت في عهد جلالة الملك محمد السادس خزانا للتنمية ووجهة للاستثمار

قال المدير الجهوي للتخطيط بجهة الداخلة وادي الذهب، محمد الشيخ ماء العينين، إن جهة الداخلة وادي الذهب وإن كانت الأبعد جغرافيا عن عاصمة المملكة فإنها دائما كانت الأقرب لقلوب المغاربة وفي طليعتهم جلالة الملك محمد السادس، مضيفا: «حتى إن أخذنا في الاعتبار حداثة التحاقها بربوع الوطن فإن هذه الجهة تتربع على الصدارة في جميع مؤشرات التنمية الشاملة ويكفي ذلك فخرا للجهة وللمملكة».
وأضاف الشيخ ماء العينين، في حوار مع جريدة بيان اليوم، بالرغم من تراكم العجز خلال حقبة الاستعمار وتخلفها لتكون أخر من التحق، إلا أن الجهة تداركت الركب، مشيرا إلى أنه منذ اعتلاء جلالة الملك عرش أسلافه الميامين كانت للتو قد أقفلت عقدين فقط من الرجوع لحظيرة الوطن الأب لتبدأ مسيرة التفوق والتفرد والإقلاع. فيما يلي نص الحوار:

< يحتفل الشعب المغربي اليوم بمرور ربع قرن على اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين؛ ما هي أبرز التطورات التي تم رصدها على مستوى جهة الداخلة وادي الذهب خلال فترة حكم جلالته؟
> جهة الداخلة وادي الذهب وإن كانت الأبعد جغرافيا عن عاصمة المملكة فإنها دائما كانت الأقرب لقلوب المغاربة وفي طليعتهم جلالة الملك محمد السادس، وحتى إن أخذنا في الاعتبار حداثة التحاقها بربوع الوطن فإن هذه الجهة تتربع على الصدارة في جميع مؤشرات التنمية الشاملة ويكفي ذلك فخرا للجهة وللمملكة.
فبالرغم من تراكم العجز خلال حقبة الاستعمار وتخلفها لتكون أخر من التحق، إلا أن الجهة تداركت الركب، ومنذ اعتلاء جلالة الملك عرش أسلافه الميامين كانت للتو قد أقفلت عقدين فقط من الرجوع لحظيرة الوطن الأب لتبدأ مسيرة التفوق والتفرد والإقلاع.
فبالنظر لمؤشر التنمية البشرية والذي كان متخلفا خلال فترة السبعينيات تتصدر الجهة الآن ترتيب الوطن في معدلات النمو الاقتصادي خلال العقدين الأخيرين، حيث تضاعف الناتج الداخلي ثلاث مرات خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، وتضاعفت مساهمة الفرد في الناتج الخام لتعادل 3 مرات المعدل الوطني، وانخفض الفقر لأقل من ثلث المعدل الوطني، وتوجت في الصدارة بمعدل إنفاق الفرد بمعية جهة الرباط سلا وسجلت نصف معدل البطالة الوطني 6,7 في المائة بينما تجاوزت النسبة 13 في المملكة خلال سنة 2023 في أصعب سنة مرت على الوطن في مجال التشغيل بسبب الظروف الاقتصادية وتوالي سنوات الجفاف، بل وحافظت على معدل ايجابي للنمو في فترة الجائحة بالرغم من الانكماش الاقتصادي الذي شهدته مختلف ربوع المعمور لتشكل الاستثناء بمعية جهة العيون.
أما عن النمو الديموغرافي فهذه الجهة تشهد تزايدا ديموغرافيا قل نظيره متجاوزة سقف 3.5 في المائة سنويا بساكنة أزيد من ثلثها شباب وعمرانها حديث وجاذبيتها الاقتصادية ذاع صيتها في ربوع العالم لتصبح قبلة للاستقرار والاستثمار، وهو ما كرسها كقبلة ووجهة للباحثين عن الرفاه والشغل، كل ذلك تم بفضل رؤية سديدة للعاهل المفدى الذي ما فتئ منذ اعتلائه عرش أسلافه يؤكد ويعطي تعليماته السامية على استرجاع جهة وادي الذهب بريق ولمعان الذهب الجذاب وصلابته وقوته في البناء والاقتصاد، والنتائج باهرة يشهد بها القاصي والداني وحتى الخصوم.
واليوم بعد أن تكرس ذلك وأصبح واقعا ملموسا ومحسوسا للعيان، ولأن للمجتهد مكافأة وللمجد نصيب أعلن جلالته عن مبادرة خلاقة تجعل من جهة الداخلة همزة وصل وقطبا اقتصاديا مفتوحا على المحيط الإفريقي والمجال ألأطلسي يرتكز على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الجديدة الواعدة من الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر والفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة العالية التي تستخدم تحلية المياه وترشد الماء، ثم بجيل جديد من البنيات التحتية من الميناء الأطلسي ومناطق لوجيستيك ومطارات وطرق وبنيات استقبال حديثة تشكل حاضنة للاستثمار ومفتوحة للشراكة.

< كيف ساهمت سياسة جلالة الملك محمد السادس في جعل الجهة قطبا مفتوحا بين إفريقيا وأوروبا؟
> منذ اعتلاء جلالة الملك العرش كانت أولى الزيارات التي قام بها سنة 2002 لمدينة الداخلة وترأس بها اجتماعا وزاريا عنوانه الاستثمار والاستقرار وهي إشارة قوية حينها تجعل من جهة الداخلة خزانا للتنمية ووجهة للاستثمار في الاقتصاد الحديث، حيث بدأ جيل جديد من المستثمرين وجهد كبير من طرف القطاعات الحكومية والفاعلين الترابيين لترقية البنيات التحتية وإرساء معالم اقتصاد حديث وترقية العنصر البشري في ثلاثية سرعان ما أعطت نتائج باهرة في أقل من عقد من الزمن، لتبين بأن المستحيل ليس مغربيا ولتقوي العزيمة وتعطي المثال على ما ينبغي سلكه من دروب وخطط محكمة تنير الطريق لباقي الجهات.
وفي سنة 2012 أي بعد عشر سنوات أعطى جلالته تعليماته للبدء بالتفكير والتخطيط لنموذج تنموي جديد يقطع مع إرث الماضي ويبني ركائز للمستقبل الواعد بجيل جديد من البنيات التحتية وبخلق مناخ استثماري واعد للاقتصاد الحديث بنمط حكامة رشيد ولإعطاء دفعة جديدة لبناء كفاءات ونخب محلية مؤهلة وقادرة على تنشيط وتحفيز التنمية الشاملة في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك ضمان العيش الكريم وحماية البيئة واستدامة الموارد وتحقيق الرفاه الاقتصادي وخلق فرص شغل دامجة ودائمة للشباب والنساء والفئات الصعبة.
وبعد إطلاق هذا النموذج سنة 2015 وتسريع مختلف برامجه وفق جدولة وحكامة مضبوطة بدأت تباشير الإقلاع الاقتصادي وجاذبية الاستثمار والمستثمرين يعلو صداها أسماع مقتنصي الفرص وبدأت شركات دولية ومستثمرون كبار بالتوافد والبحث عن موطئ قدم لهم في الجهة لاغتنام المزايا التفاضلية التي توفرها.
ومن هنا تم تتويج المسار بإعلان جلالة الملك عن مبادرته الأطلسية في تجديد للعهد القديم المتجدد أسوة بجده سيدي محمد بن عبد الله بسياسة الموانئ المفتوحة، وسيرا على خطى والده المغفور له الحسن الثاني رائد المسيرة الخضراء من أن عمق المغرب في إفريقيا، وانفتاحه على شراكات هادفة هي إحدى أهم مرتكزات المملكة المغربية المبنية على العهود والاحترام المتبادل والشراكة والتعاون. وبذلك تترسخ تلك الرابطة العريقة بين الملوك العلويين والجوار وفق منطق الشراكة والبناء وهو ما أكسب المملكة الاحترام والثقة والتقدير والإجماع.
إلى جانب ذاك تشكل الجهة المنفذ الأمن والمستقر الوحيد نحو إفريقيا والذي استثمر فيه المغرب إمكانياته وجعله متاحا ببنيات وقوانين ومساطر وكفاءات تشكل أضلاع صامدة في وجه الأزمات والكدمات، لم تتأثر في الظروف الصعبة ولا الظرفية الاقتصادية ولا حتى الكوارث والجوائح بما يشكل صمام أمان لكل مستثمر أو باحث عن تحقيق الذات، فأضحت جهة الداخلة أرض الميعاد حيث أبى جلالته إلا أن تكون في صلب الشراكة الإستراتيجية التي عقدها مع جل الدول في جميع القارات بدءا بالولايات المتحدة واختتاما بالإمارات المتحدة.

< كيف ترصدون مساهمة الجهة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني ونمو الاقتصاد الوطني للمملكة في عهد جلالة الملك محمد السادس؟
> تتكون الجهة من إقليمين هما وادي الذهب وأوسرد و13 جماعة ترابية حسب التقطيع الترابي للمملكة، وتقدر ساكنتها حاليا بحوالي 200,000 نسمة حسب الإسقاطات السكانية لسنة 2024، وتتميز يكونها فتية (أكثر من ثلث الساكنة أقل من 15 سنة)، وأكثر تجهيزا من حيث البنيات الأساسية بالإضافة إلى تربع الجهة على الصدارة في جل المؤشرات الاجتماعية من تعليم صحة وهشاشة اجتماعية حيث بالرغم من كونها الأحدث عهدا بالالتحاق بربوع المملكة منذ 45 سنة إلا أنها سجلت أعلى معدلات التمدرس والتغطية الصحية والإنفاق علاوة على كونها تسجل أعلى معدل للنمو الاقتصادي وخلق القيمة المضافة خلال العشرية الأخيرة إذ تضاعف الناتج الإجمالي الجهوي فقط خلال ثماني سنوات ليصل إلى أزيد من 15 مليار ونصف خلال سنة 2021 بإنتاجية للفرد تقارب ثلاثة أضعاف المعدل الوطني للناتج الداخلي الفردي بأكثر من 85 ألف درهم، بينما المعدل الوطني يناهز 30 ألف درهم فقط، وتحافظ بذلك على نسبة نمو في المتوسط تفوق 11% بينما لا تتجاوز هذه النسبة من 4 إلى 5 في باقي الربوع خلال العقد الأخير.
كل ذلك والجهة تسجل أدنى نسب الفقر والهشاشة والبطالة التي لم تتعد 6,7% (فقط حوالي 5.400 باحث عن الشغل اغلبهم من الشباب) وهي الأدنى على الصعيد الوطني وتعادل ما سجل في اقتصاد مشابه للكسمبورغ، ومع ذلك فهي تسجل أعلى معدلات للإنفاق الأسري على السلع والخدمات، ما يؤشر لجودة الحياة والمعيشة وهو ما جعلها جهة استقبال للباحثين عن فرص شغل من شتى مدن المملكة ومن المهاجرين جنوب الصحراء. فجهة الداخلة وادي الذهب ما فتئت تشهد إقلاعا اقتصاديا غير مسبوق ومنتظم، ساعدها في ذلك مؤهلاتها الاقتصادية والموارد الطبيعية التي تزخر بها إضافة إلى الإرادة السامية لجلالة الملك بجعلها قطبا اقتصاديا وبوابة ومنصة للتعاون جنوب جنوب.
على مر أربعين سنة من الانجازات أضحت جهة الداخلة وادي الذهب قبلة للاستثمار والاستقرار، ومنصة آمنة لعبور الأشخاص والبضائع نحو مختلف الأقطار الإفريقية، ووجهة سياحية ذات صيت عالمي، دون أن ننسى تطويرها لمسالك فلاحية عصرية تعتمد الابتكار وخلق القيمة المضافة وتثمين أفضل للموارد المائية، وهي تشكل بذلك مشتلا لتأمين الغذاء العالمي عبر تطوير وتصنيع الموارد البحرية وزراعة الأحياء المائية لضمان الأمن الغذائي والاحتماء من التقلبات المناخية وضمان تنمية وإدماج فعلي للعنصر البشري الذي يشكل محور التنمية.
إن الجهد التنموي الذي تم إطلاقه منذ استرجاع إقليم وادي الذهب في غشت سنة 1979 غير مسبوق واستثنائي ولا يحتاج لتبيين، وهو الذي خولها هذه المكانة، ولا يوازيه إلا الحرص على إطلاق حزمة جديدة من البرامج والمشاريع المهيكلة التي ترمي إلى إقلاع اقتصادي حقيقي وانخراط في منظومة الاقتصاد الإقليمي والقاري وتبوء مكانة مرموقة في التجارة العالمية عبر إحداث ميناء الداخلة الأطلسي ومنطقة للأنشطة تابعة له ومناطق للوجيستيك بمحاذاة الحدود إضافة إلى تنمية الفلاحة المسقية عبر تحليه مياه البحر وإحداث صناعات بحرية وغذائية تنهل من الموارد السمكية وتثمينها وذلك كله وفق تصور شامل تم إعداده من خلال النموذج التنموي الجديد يرمي إلى تفرد الجهة بقطب للاقتصاد الحديث وربط بالتجارة البحرية الدولية وتحديث وعصرنة القطاعات الأخرى كالسياحة والطاقة بخلق جيل جديد من التكوينات تلاءم متطلبات التنمية الاقتصادية وتدمج الشباب في الدورة الاقتصادية بكفاءات ومؤهلات مكتسبة وملائمة.

حاوره: عبد الصمد ادنيدن

Top