![](images/BAYANE2012/mois12/9/photo mahtate.jpg)
المشكلة إذن صارت تفرض الانتقال من المنهجيات التي اتبعت لحد الآن إلى مقاربة أخرى أكثر نجاعة، وعدم الاكتفاء فقط بالتشريعات والقوانين والآليات، رغم أهميتها، بل ومواكبة ذلك بمنظومات إجرائية عملية ملموسة تحدث الوقع المباشر وسط المجتمع، وبالتالي تفعيل مقاربة إستراتيجية تستحضر مختلف أبعاد التدخل، ولا تغفل أهمية الزمن.
وفي هذا السياق، يتوقع أن يشكل القانون التنظيمي للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، الذي سيجسد المكانة الدستورية الجديدة للهيئة، خطوة جوهرية على هذا الصعيد، حيث أنه سيوسع صلاحياتها، بإضافة أخرى جديدة ترتبط بالتصدي المباشر لكافة مظاهر الفساد.
من جهة أخرى، فان الجهد الوطني يجب أن يتركز، بالإضافة إلى تجويد القوانين والتشريعات، على ضرورة الحرص على تطبيق القانون في الواقع، ثم تعزيز الترسانة القانونية الوطنية بنصوص أخرى تتعلق مثلا بالولوج للمعلومات، وتحسين النصوص ذات العلاقة بالحريات العامة، علاوة على أهمية تمتين منظومة حماية المبلغين عن الفساد وتوضيح الفرق بين ذلك وبين ما يتعلق بالسر المهني بالنسبة للموظفين، ثم الحرص على النشر المستمر لتقارير التفتيش والتدقيق، وتفعيل المتابعات وفق القانون، وأيضا تطوير القضاء المتخصص في مجال مكافحة الفساد، ودون نسيان الحاجة أيضا إلى تحسين الخدمات العمومية، وتجويد السياسات العمومية، وإعلاء سيادة القانون…، وعبر كل هذه المداخل مجتمعة يمكن تقوية المسعى المجتمعي للحد من آفة الرشوة والفساد في بلادنا.
إن الرشوة لم تعد إذن موجودة فقط في المعاملات الإدارية اليومية البسيطة، وإنما صارت لها لوبيات و(تقنيات) على مستوى الصفقات الضخمة، وباتت أرقامها تقدر بالملايير، ولهذا فان فالخطورة لا تتجسد فقط في الحرمان من حقوق أساسية في المرفق العمومي، وإنما فيما تسببه للبلاد كذلك من خسائر كبيرة، بما في ذلك على مستوى صورتها وسمعتها، كما هو الحال في الدراسة الأمريكية الأخيرة.
وفي كل الحالات، فالرشوة، صغيرة وكبيرة، لابد أن تخاض ضدها الحرب الحقيقية على ارض الواقع، وبمساهمة الجميع، من أجل إشعاع ثقافة النزاهة واحترام القانون وسط شعبنا.