مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد بالمغرب: اعتماد التسجيل السمعي البصري وإمكانية الطعن في قرار الاعتقال

بتاريخ 9 يناير 2025 ،أحالت الحكومة المغربية مشروع تعديل جديد لقانون المسطرة الجنائية، يأتي في إطار تنزيل قوانين إصلاح العدالة، التي توجت بالمصادقة على قوانين السلطة القضائية، ونقل صلاحيات وزير العدل إلى الوكيل العام بمحكمة النقض باعتباره رئيسا للنيابة العامة، والإعلان عن مشروع جديد لمراجعة  قانون المسطرة المدنية.

 المشروع الجديد،يعتبر أكبر عملية تعديل تطال قانون المسطرة الجنائية مند إقراره سنة 2002، حيث يشمل تعديل أزيد من 420 مادة، ويروم تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز حقوق الدفاع وضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية وتحديثها.

تقوية حقوق الدفاع ومراجعة ضوابط الوضع في الحراسة النظرية

نصّ المشروع على أنّ تدبير الحراسة النظرية يعدّ تدبيرا استثنائيا، لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس وتبين أنه ضروري لواحد أو أكثر من الأسباب التالية:

الحفاظ على الأدلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة؛

القيام بالأبحاث والتحرّيات التي تستلزم حضورأو مشاركة المشتبه فيه؛

وضع المشتبه فيه رهن إشارة العدالة والحيلولة دون فراره؛

الحيلولة دون ممارسة أيّ ضغط على الشهود أو الضحايا أوأسرهم أو أقاربهم؛

منع المشتبه فيه من التواطؤ مع الأشخاص المساهمين أو المشاركين في الجريمة؛

حماية المشتبه فيه؛

وضع حد للاضطراب الذي أحدثه الفعل بسبب خطورته أوظروف ارتكابه أوالوسيلة التي استعملت في ارتكابه، أو أهمية الضرر الناتج عنه، أو بالنظر لخطورة المشتبه فيه.

ومن خلال الاطلاع على الأسباب التي عددتها المادة 1-66 من المشروع يلاحظ أنها تبقى عامة وفضفاضة لدرجة أنه يصعب عمليا تصور حالة من الحالات التي لن يتوفر فيها أحد الأسباب المذكورة.

من جهة ثانية نص المشروع على إحداث آلية التسجيل السمعي البصري التي ستفعل أثناء قراءة تصريحات المشتبه فيه المضمنة في المحضر ولحظة توقيعه أو إبصامه عليه أو رفضه، كما ستطبق في الجنايات والجنح المعاقب عليها بأكثر من 5 سنوات، ورغم أهمية هذا المقتضى يلاحظ أنه تم التراجع عما كان مقررا في المسودة السابقة من أن يشمل التسجيل السمعي البصري جميع أنواع الجنح والجنايات، وأن يشمل كافة عملية الاستجواب، لا فقط عملية قراءة المحضر والتوقيع عليه.

كما نص المشروع على تعزيز حق اتصال الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية بمحاميه بضمانات إضافية، من خلال منح حق الاتصال بالمحامي ابتداء من الساعة الأولى لإيقاف المشتبه فيه وبدون ترخيص مسبق من النيابة العامة، كما نص على الزامية حضور الدفاع لعملية الاستماع للمشتبه فيه من طرف الشرطة القضائية متى تعلق الأمر بالأحداث أو بالأشخاص في وضعية إعاقة، ورغم أهمية هذا المستجد إلا أنه لا يكرس حق الدفاع في حضور عملية استجواب المشتبه فيه أمام الشرطة القضائية خلال مرحلة الوضع في الحراسة النظرية، وقد اعتبر فريق العمل حول الاعتقال التعسفي في ملاحظة موجهة للمغرب على إثر زيارته سنة 2013، أن “أيّ اعتراف لا يتمّ بحضور محام يجب ألا يعتدّ به”.

في نفس السياق، نصّ المشروع على عدم جواز تمديد مدة الحراسة النظرية إلا بمقتضى أمر كتابي معلل صادر عن النيابة العامة بالنسبة لكافة الجرائم مع عدم احتساب المدة اللازمة لنقل الشخص المشتبه فيه ضمن مدة الحراسة النظرية، إذا تم إيقافه خارج الدائرة القضائية التي يعمل بها ضابط الشرطة القضائية الذي احتفظ به تحت الحراسة النظرية، مع الإشارة إلى كون هذه المدة تخصم من مدة تنفيذ العقوبة في حالة الحكم على المعني بالأمر بعقوبة سالبة للحرية.

تعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية ووضع آليات للوقاية من التعذيب

خول المشروع الجديد للسلطة القضائية المختصة آليات إضافية لمراقبة عمل الشرطة القضائية، من بينها:

  • خضوع ضباط الشرطة القضائية في مهامهم القضائية إلى السلطات القضائية المحددة في الفصل 128 من الدستور ويتعلق الأمر بقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق، مع التأكيد على أن ضباط الشرطة القضائية يتلقون التعليمات فيما يخص مهامهم القضائية من رؤسائهم القضائيين (المادة 17)؛
  • تعيين ضباط الشرطة القضائية بمقتضى قرار مشترك لرئيس النيابة العامة والسلطة الحكومية التي يتبعون لها إداريا (المادة 20)؛
  • إحداث فرق وطنية وجهوية للشرطة القضائية بمقتضى قرار مشترك لرئيس النيابة العامة والسلطة الحكومية المشرفة إداريا على الفرقة (المادة 1-22)؛
  • تحديد معايير تنقيط ضباط الشرطة القضائية بمقتضى قرار لرئيس النيابة العامة بعد استطلاع رأي الجهة المشرفة إداريا عليهم (المادة 45).

كما وضع المشروع آليات جديدة للوقاية من التعذيب، من بينها:

  • إلزام ضابط الشرطة القضائية بإخضاع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لفحص طبي بعد إشعار النيابة العامة، إذا لاحظ عليه مرضا أو علامات أو آثارا تستدعي ذلك (المادة 67)؛
  • إلزام النيابة العامة بإخضاع المشتبه فيه إلى فحص طبي يجريه طبيب مؤهل لممارسة مهام الطب الشرعي أو طبيب آخر في حالة تعذر ذلك في حالة ما إذا طلب منها ذلك أو عاينت بنفسها آثارا تبرر إجراء فحص طبي، تحت طائلة اعتبار اعتراف المتهم المدون في محضر الشرطة القضائية باطلا في حالة رفض إجراء الفحص الطبي إذا كان قد طلبه المتهم أو دفاعه (المادة 1-74)؛
  • وجوب قيام الوكيل العام للملك أو تكليف أحد نوابه بزيارة أماكن الإيداع إذا بلغ باعتقال تعسفي أو عمل تحكمي (المادة 45)؛
  • عدم الموافقة على التسليم إذا وجدت أسباب جدية تفيد أن طلب التسليم قدم بقصد تعريض شخص للتعذيب (المادة 721).

تقليص التحقيق الإعدادي وتوسيع بدائل العدالة الجنائية

في إطار حل مشكل الخصاص الذي تعرفه المحاكم المغربية، أمام تزايد عدد القضايا وقلة عدد القضاة حاول مشروع قانون المسطرة الجنائية أن يرشد العمل القضائي من خلال تقليص مجال التحقيق الاعدادي، حيث أصبح اختياريا في الجنايات بما في ذلك الجنايات المعاقب عليها بالإعدام، ولم يعد ممكنا في الجنح باستثناء الحالات التي ينص عليها القانون.

في نفس السياق، أتاح المشروع الجديد للنيابة العامة على مستوى محاكم الاستئناف تجنيح عدد من القضايا، كصورة من صور التفريد القضائي تخول صلاحية تغيير وصف الجريمة من جناية الى جنحة كلما تبين عدم خطورة الفعل وعدم تناسبه مع العقوبة المقررة للجناية، وألزم المحكمة الابتدائية التي ستبت في الدعوى بالتقيد بهذا التكييف.

كما وسع المشروع من وعاء الجرائم القابلة للصلح، حيث أصبح ممكنا حتى بالنسبة للجنح المعاقب عليها بخمس سنوات حبسا، كما تم تبسيط مسطرة الصلح من خلال تفعيل دور النيابة العامة، والاستغناء عن دور قضاء الحكم.

وفي إطار تبسيط المساطر والتخفيف من عبء تقديم المتهمين أمام المحكمة، مكن المشروع لممثل النيابة العامة الانتقال إلى مقر الشرطة القضائية ومعاينة المشتبه فيه والاطلاع على المحضر المنجز واتخاذ الإجراء القانوني المناسب بشأنه مع تسليم الاستدعاء إلى المتهم والضحية والشهود عند الاقتضاء للحضور إلى الجلسة التي يتم تعيينها، كما أجاز تطبيق هذه الآلية بواسطة تقنيات الاتصال عن بعد أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى.

عقلنة الاعتقال الاحتياطي وترشيده

أمام ظاهرة الاكتظاظ الذي تعرفه السجون المغربية حيث تجاوز عدد المساجين لأول مرة مائة ألف سجين، حاول المشروع  العمل على عقلنة وترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي بوصفه تدبيرا استثنائيا، وذلك من خلال وضع ضوابط قانونية له، وتقليص مدده وهو ما يبدو من خلال المستجدات التالية:

  • التأكيد على اعتبار الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا لا يلجأ إليه إلا إذا تعذر تطبيق تدبير بديل عنه، أو في الحالة التي يكون فيها مثول الشخص أمام المحكمة في حالة سراح من شأنه التأثير على حسن سير العدالة؛
  • إمكانية الطعن في أمر الإيداع بالسجن الصادر عن وكيل الملك أمام هيئة الحكم التي ستبت في القضية، أو أمام هيئة للحكم تتألف من ثلاثة قضاة. وكذا إمكانية الطعن في أمر الإيداع بالسجن الصادر عن الوكيل العام للملك أمام غرفة الجنايات الابتدائية (المادتان 2-47 و2-73)؛ بعدما كان هذا الحق غير ممكن إلا في اطار الطعن في الموضوع.
  • عدم جواز لجوء قاضي التحقيق إلى الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي إلا إذا ظهر أنه ضروري لأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 1-175؛
  • تقليص عدد تمديدات الاعتقال الاحتياطي في الجنايات من خمس إلى مرتين ولنفس المدة، وفي الجنح من مرتين إلى مرة واحدة ولنفس المدة . وبالنسبة للأحداث فإنه لا يمكن أن تمدد مدة اعتقالهم احتياطيا في الجنح إلا في حدود مرة واحدة لمدة شهر وفي الجنايات في حدود مرتين لمدة شهرين، ويمكن تمديد مدة الاعتقال الاحتياطي لثلاث مرات ولنفس المدة بالنسبة لجرائم أمن الدولة أو الإرهاب؛
  • إمكانية الإحالة المباشرة من قبل الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات في حالة سراح أو باستعمال واحد أو أكثر من تدابير المراقبة القضائية المنصوص عليها في المادة 161 (المادة 73)؛
  • إمكانية استئناف قرارات الإفراج المؤقت والمراقبة القضائية الصادرة عن غرفة الجنايات الابتدائية من طرف المتهم أو الوكيل العام للملك (المادة 1-181)؛
  • وضع حد لاعتقال المتهم احتياطيا ولتدابيرالمراقبة القضائية المتخذة في حقه إذا قضت المحكمة الابتدائية أوغرفة الجنايات الابتدائية بالإفراج المؤقت أو برفع المراقبة حسب الأحوال، بالرغم من استئناف النيابة العامة باستثناء القضايا المتعلقة بجرائم أمن الدولة أو الإرهاب (المادتان 181 و1-181)؛
  • إضافة تدبير الوضع تحت المراقبة الإلكترونية إلى تدابير المراقبة القضائية مع التنصيص على إشراف قاضي التحقيق على التنفيذ؛
  • إعطاء الصلاحية لقاضي التحقيق في حالة عدم وجود منازعة جدية أو عدم توفر وسائل إثبات كافية أن يأمر برد الأشياء والأدوات ووسائل النقل أو الإنتاج التي ضبطت أثناء البحث أو التحقيق لمن له الحق فيها، مع تكليفه عند الاقتضاء بحراستها واتخاذ كافة التدابير لمنع تفويتها ما لم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة (المادة 106)؛
  • ضرورة استحضار قاضي التحقيق لقرينة البراءة عند إصداره للأوامر المنصوص عليها في المادة 142، مع حرصه على تنفيذ تلك الأوامر تحت إشرافه ومراقبته؛
  •   تخفيض مدة تمديد الوضع تحت المراقبة القضائية من خمس مرات إلى ثلاث مرات لنفس المدة إذا تعلق الأمر بجناية، ولمدة شهر قابلة للتجديد مرتين لنفس المدة إذا تعلق الأمر بجنحة، مع إمكانية تمديد مدة الوضع تحت المراقبة القضائية لخمس مرات ولنفس المدة بالنسبة للجنايات المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون (المادة 160).

مأسسة عمل رئيس النيابة العامة وضع ضوابط للسياسة الجنائية

في إطار ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع قانون رئاسة النيابة العامة نص المشروع على مجموعة من الاختصاصات المخولة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وأهمها:

  • التأكيد على رئاسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض للنيابة العامة (المادة 2-52)؛
  • تأكيد ممارسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض سلطته على جميع قضاة النيابة العامة في كافة محاكم المملكة (المادة 2-51)؛
  • وضع ضوابط لتعليمات رئيس النيابة العامة الموجهة إلى الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك من خلال التنصيص على أن تكون قانونية وكتابية (المادة 2-51).

وقد خصص المشروع للمرة الأولى فرعا للسياسة الجنائية تم من خلاله وضع ضوابط جديدة لتأطير وضع وتنفيذ السياسة الجنائية كجزء لا يتجزأ من السياسات العمومية للدولة، ونصت المادة 1-51 من المشروع على ما يلي: “يقصد بالسياسة الجنائية ذلك الجزء من السياسات العمومية التي تشمل قواعد وتدابير تتخذها الدولة في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها.

يشرف رئيس النيابة العامة على تنفيذ السياسة الجنائية التي يضعها المشرع ويبلغ مضامينها للوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف الذين يسهرون على تنفيذها داخل الدوائر القضائية التابعة لنفوذهم وفقا للضوابط المحددة في القانون.

كما يشرف رئيس النيابة العامة على تنفيذ مضامين وتوجهات السياسة الجنائية المرتبطة بالسياسات العمومية التي تضعها الحكومة ويبلغها إليه وزير العدل.

يضمن رئيس النيابة العامة الإجراءات والتدابير المتخذة لتنفيذ السياسة الجنائية في التقرير الذي يعده في إطار المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية”.

ويتضح من خلال هذه المادة أن المشروع حدد السياسة الجنائية في صورتين:

  • سياسة جنائية تشريعية يسهر رئيس النيابة العامة على تنفيذها تلقائيا بناء على النصوص القانونية الجاري بها العمل.
  • سياسة جنائية مرتبطة بسياسات عمومية أخرى تضعها الحكومة ويبلغها إليه وزير العدل.

كما منح رئيس النيابة العامة مهمة الإشراف على تنفيذ السياسة الجنائية التي يضعها المشرع من خلال تبليغ مضامينها للوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف الذين يسهرون على تنفيذها داخل الدوائر القضائية التابعة لنفوذهم، ويتم تضمين الإجراءات والتدابير المتخذة لتنفيذ السياسة الجنائية في التقرير السنوي الذي يعده رئيس النيابة العامة.

كما نص المشروع أيضا على مساهمة المرصد الوطني للإجرام المحدث لدى وزارة العدل الفي رسم توجهات ومعالم السياسة الجنائية من خلال جمع ومعالجة الإحصائيات الجنائية ودراستها وتحليل الظواهر الإجرامية واقتراح الحلول الكفيلة لمكافحتها والوقاية منها.

ويلحظ أخيرًا أن مشروع قانون المسطرة الجنائية سيطرح أكثر من إشكال أمام البرلمان لكون مناقشته ستتم في معزل عن، رغم الارتباط الوثيق بين القانونين بحيث يصعب إصلاح قانون الشكل من دون مراجعة قانون الموضوع لغة وفلسفة ومضمونا.

Top