مازال حادث التحرش بفتاة وتعريتها في الشارع العام من قبل عدد من القاصرين، بمدينة طنجة، يثير تفاعلات قوية في صفوف عموم المواطنين وكذا على مستوى الهيئات الحقوقية والجمعيات النسائية، إذ يظهر المجتمع المغربي بجميع فئاته وأطيافه إجماعه القوي على نبذ مثل هاته التصرفات المشينة، داعيا إلى الضرب على أيدي المتورطين في هاته الواقعة وفي غيرها من الحوادث المشابهة، وإلى تعزيز وتفعيل القوانين الكفيلة بحماية المغربيات من التحرش ومن جميع أنواع الممارسات والمضايقات المهينة لكرامتهن في الفضاءات العامة.
وفي هذا السياق، عبرت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة عن “امتعاضها وإدانتها” لواقعة تعنيف والتحرش ومحاولة هتك عرض شابة بمدينة طنجة من قبل عدد من القاصرين والرشداء، الذين استغلوا عبور الضحية من ممر عمومي مكتظ باليافعين، لممارسة أفعالهم المخزية والمشينة، والمجرمة بمقتضى القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ومجموعة القانون الجنائي.
وعبرت الجمعية في بيان حول الموضوع، توصلت بيان اليوم بنسخة منه، عن أسفها لتدني قيم عدد من الشباب اليافعين الذين تبنوا منطق العنف والكراهية ضد النساء والفتيات، واستغلوا سلطة جماعية تملكوها للحظات، واعتبروا الشابة المارة من أمامهم (حلقة ضعيفة) يجوز التعدي عليها، وعلى حرمة جسدها، وبالتالي امتهان كرامتها الإنسانية.
وترى الجمعية، في ذات الوقت أن مثل هاته الوقائع تعد “نتيجة مباشرة لغياب سياسات عمومية فعلية تحمي النساء والفتيات”، مشيرة أن سن سياسات واستراتيجيات بعناوين حماية النساء من العنف، بقدر ما يؤكد على إرادة لدى الدولة المغربية اتجاه الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، فإن هذه الإرادة “تظل مجرد إعلان للنوايا، في غياب تدابير وإجراءات عملية، وموارد بشرية ومالية كفيلة بتنزيل هذه السياسات والبرامج”، حيث تعد المناهج التعليمية الوطنية واحدة من مجالات السياسات العمومية المسؤولة بشكل مباشر عن مثل هذه الأفعال والسلوكيات المشجوبة، بسبب غياب مقاربة النوع الاجتماعي عن أقسام الدراسة، بما تمثله كقيمة ومنهج لتنشئة الأجيال المقبلة على القيم الإنسانية .
وذكرت جمعية التحدي أن عملها اليومي مع نساء وفتيات من مختلف مناطق المغرب، يؤكد أن العنف ضد النساء بمختلف أشكاله وتجلياته، مستمر رغم السياسات العمومية المحدثة، عنف لا تترجمه فقط نازلة الحال التي تيسر للضحية وسيلة الإثبات في سياقها، وسهل التعرف على الجناة ومحاسبتهم، لكنها تسائل الآلاف من جرائم التحرش ومحاولات هتك العرض بالفضاء العام وبفضاءات العمل الخاصة وداخل منصات ووسائط التواصل الاجتماعي، “حيث يستحيل على الضحايا الإثبات الملقى أصلا على عاتقهن مما يقوض ويحد من سبل انتصافهن قضائيا”.
وأكدت الجمعية أن ممارسة هذه الأفعال، من قبل قاصرين، “يسائل دور الأسرة من جهة، ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية من جهة ثانية، لكنه يسائل أساسا واقعا ملموسا، يدفعنا للتأكيد على أهمية تعزيز مقاربة التحسيس والتوعية في صفوف القاصرين داخل المدرسة خارجها، مع أهمية تشديد المقاربة العقابية في حق ممارسي هذه الأفعال، نظرا لخطورتها وأضرارها الجسدية و النفسية المستمرة في الزمن بالنسبة للضحايا”.
كما شددت الجمعية، في بلاغها، على دور الإعلام الوطني كفاعل أساسي في حماية النساء والفتيات والتعريف بمعاناتهن اليومية مع العنف المبني على النوع، داعية وسائل الإعلام إلى فتح النقاش العمومي الجاد حول أوضاع النساء بالمغرب، وحول الانتهاكات الجسيمة لحقوقهن وكرامتهن.
وطالبت الجمعية كذلك “بسن تشريعات جنائية كفيلة بزجر الجناة في جرائم العنف والعنف الرقمي ضد المرأة، وإعمال تدابير تنظيمية عملية تكفل إمكانية التقاط وتسجيل ما يقع بالشارع بما ييسر سبل الإثبات على النساء ضحايا جرائم العنف”، مؤكدة أيضا على ضرورة “إعمال الجهات القضائية المعنية لصلاحياتها القانونية في متابعة مختلف المشتبه بارتكابهم جرائم تتعلق بالمس بالمرأة بسبب جنسها، وكذا التسريع بمعالجة الشكايات الموضوعة من قبل النساء والفتيات في جرائم العنف الممارس ضدهن”. كما طالبت الجماعات الترابية، “التي ألزمها القانون بإرساء برامج و تدابير من ضمن اختصاصاتها الذاتية، تتعلق بمقاربة النوع الاجتماعي، وحماية المرأة و تمكينها، أن تتدخل بالمساهمة في التحسيس، عبر اللوحات الاشهارية التابعة لها والموجودة في مختلف المدن المغربية، من خلال تعريف عموم المواطنات و المواطنين بمخاطر تعنيف النساء على المجتمع ككل وبسبل الولوج للعدالة والانتصاف القضائي”.
من جهتها عبرت فدرالية رابطة حقوق المرأة، ضمن بلاغ لمكتبها الجهوي بمدينة العرائش، عن غضبها واستنكارها الشديدين لحادثة التحرش والاعتداء على شابة طنجة، مع تصوير هاته الأفعال الهمجية التي هزت الرأي العام الوطني.
ودقت الجمعية ناقوس الخطر، في بلاغها الذي توصلنا بنسخة منه، بشأن استمرار واتساع ظاهرة العنف والتحرش اللذين يطالان النساء في جميع الفضاءات.
وإذ نوهت الجمعية بالتفاعل الفوري والإيجابي لمصالح الأمن الوطني مع هاته الواقعة، فقد عبرت عن إدانتها الشديدة لهذه الأفعال التي تمس بكرامة النساء وبالحقوق والحريات في الفضاء العام، واستنكارها لكل أشكال التطبيع والتسامح مع العنف ضد النساء.
وطالبت الفيدرالية بدورها بتوفير العناية الواجبة للدولة تجاه الضحايا وجبر أضرارهن، وتوفير الحماية للنساء في الفضاء العام، وتوفير الأمن ضمانا لسلامتهن النفسية والجسدية حتى لا تصبح مجالا أو فضاء لممارسة كل أشكال السيبة وشرع اليد، مع العمل على الرفع من الوعي المجتمعي بمخاطر وتداعيات العنف والتمييز اتجاه النساء وذلك عبر تعزيز دور الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في مناهضة العنف المبني على النوع وعدم التسامح والتطبيع معه.
*********
«مكانة المرأة في الفضاء العام» محور ندوة بالمحمدية
شكل موضوع «مكانة المرأة في الفضاء العام»، محور ندوة نظمت يوم السبت الماضي بالمحمدية، بمبادرة من مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، في إطار افتتاح أنشطتها العلمية برسم موسم 2024-2025.
وشكلت هذه الندوة فرصة لخلق أرضية للنقاش حول ولوج النساء للفضاء العام بين المكتسبات والتحديات، وذلك على ضوء الاستعداد لنشر نتائج البحث الميداني الوطني الذي أجرته المؤسسة طيلة سنة كاملة ضمن النسخة الثالثة من برنامج جيل حول «النساء، الفضاء العام والحريات الفردية».
وفي كلمة بهذه المناسبة، قال عزيز مشواط، رئيس مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، إن موضوع هذا اللقاء ينسجم مع أهداف المؤسسة المتعلقة بالبحث الميداني الذي تنجزه حول تمثلات المغاربة لحضور النساء في الفضاء العام، وكذا لإتاحة الفرصة من أجل نقاش مثمر حول هذا الموضوع.
وأضاف أن هذه الندوة تمثل مناسبة لاستضافة عدد من الباحثين والفاعلين السياسيين والحقوقيين وفعاليات المجتمع المدني، من أجل الاستماع إلى آرائهم ومواقفهم، وذلك بهدف تضمينها في التقرير النهائي لهذا البحث الميداني.
من جانبها، استعرضت سمية نعمان جسوس، الباحثة في علم الاجتماع، كرونولوجيا حضور المرأة المغربية في الفضاء العام، مؤكدة أن تواجدها في هذا الفضاء ارتبط على الخصوص بالعامل الاقتصادي والهجرة القروية.
وتطرقت جسوس، التي انصبت أعمالها وأبحاثها حول القضايا المتعلقة بالنساء في المجتمع المغربي، إلى التحديات والصعوبات التي تعترض حضور المرأة في الفضاء العام وتحد من تطورها وارتقاءها الاجتماعي والمهني، داعية إلى ضرورة تغيير الصور النمطية حول المرأة والدفاع عن حقها في التواجد بالفضاءات العامة.
من جهتها، أكدت خديجة سبيل، رئيسة تحرير مجلة «نساء من المغرب»، أن هذه الندوة تهدف إلى مناقشة الواقع الذي تعيشه المرأة في الفضاء العام، ومدى شعورها بضمان حقوقها كامرأة ومواطنة وإنسانة في هذا الفضاء.
وفي سياق متصل، تطرقت سبيل إلى الإجراءات الكفيلة بحفظ مكانة المرأة وحماية حقوقها في هذا الفضاء العام، الذي يحتضن بالرغم من ذلك سيرورة من التقدم والحضور والتطور الذي عرفته المرأة المغربية.
وتعد «منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية» مؤسسة بحثية ومنظمة غير ربحية تروم القيام بالبحوث السوسيولوجية المعمقة الهادفة إلى تطوير أفكار ريادية، وتطبيق المقاربات المختلفة بخصوص الإشكاليات الاجتماعية سواء على الصعيد الوطني و الإقليمي أو المحلي.
< سميرة الشناوي