الكثير ممن علموا بأن جائزة نوبل للآداب لهذه السنة قد ذهبت إلى البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش، انتقدوا بحدة المؤسسة المانحة لهذه الجائزة، بالرغم من عدم اطلاعهم على إنتاجها الأدبي الذي تم تتويجه، لا لشيء سوى لأن صاحبته تعمل في حقل الصحافة؛ فقد اعتبروا أن هذا الإنتاج لا يعدو أن يكون مجرد تحقيقات صحافية.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تبخيس عمل الفائزين بهذه الجائزة. ولعل ذلك راجع إلى كون الإعلان عن النتائج غالبا ما يكون مفاجئا للكثيرين، بالنظر إلى كونهم ليس لهم اطلاع على إنتاج هذا الفائز أو ذاك، إما بسبب عدم ترجمته إلى اللغة العربية، وإما بسبب جهلهم بكل بساطة. يضعون في أذهانهم أسماء معينة، غالبا ما يكون قد تم تداولها بشكل مستهلك، ويحسمون في القول بأن لا أحد يستحق نوبل غير تلك الأسماء بالذات.
منهم من يضع على رأس القائمة الشاعر أدونيس على سبيل المثال، علما بأن هذا الاسم تردد عدة مرات، في حين أن الكون زاخر بالأسماء التي تستحق هذه المكافأة.
لكن ما يلفت الانتباه هو تبخيس العمل الأدبي الذي ينتجه الصحافي على وجه الخصوص. كما حصل هذه السنة مع البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش.
هناك اعتقاد سائد بأن المشتغل في ميدان الصحافة، لا بد أن ينعكس أسلوبه الصحافي على العمل الأدبي، سواء كان هذا العمل رواية أو قصة قصيرة أو قصيدة أو غير ذلك من الأجناس الإبداعية.
هذا حكم مسبق. ينبغي الاطلاع على الإنتاج الأدبي بمعزل عن التفكير في المهنة التي يزاولها صاحبه.
الكاتب الصحافي عندما يمارس نشاطه الإبداعي، لا شك أنه يراعي الشروط الفنية والجمالية التي يستدعيها هذا النشاط. ولذلك لا مجال للربط بينه وبين المهنة الصحافية التي يزاولها من أجل كسب العيش، لا أقل ولا أكثر.
الكاتبة الصحافية الفائزة بنوبل هذه السنة، دفعت عنها تهمة تأثير الصحافة في أدبها بتوضيح فلسفتها في الكتابة الإبداعية بأنها “تقوم على أساس تسجيل كل شيء؛ لأننا عندما نكتفي بالاعتماد على النقل بواسطة القلم، تضيع منا الكثير من الجزئيات. إن دواخل الناس هي ما ينبغي التقاطه، وليس فقط كلماتهم”.
هل ينبغي على الأديب أن يكون محترفا للكتابة الأدبية، لكي يستحق هذه المكانة؟ هذا الأمر ينطوي على كثير من الإجحاف في حق من يمارسون الإبداع الأدبي، باعتباره نشاطا إضافيا، يخصصون له وقتهم الثالث.
فضلا عن ذلك؛ فإنه من المستبعد جدا أن يعيش الأديب المغربي من إنتاجه الإبداعي. وهو ما يوضح إلى أي حد أن هذا النشاط لا يتم الوعي بمدى أهميته وخطورته.
لا نتصور أن الناشر المغربي يمكن أن يخصص ميزانية لبعض المؤلفين من أجل تحفيزهم على الإنتاج، حتى قبل أن يخرج هذا الإنتاج إلى الوجود. يتم تعليل ذلك بأزمة القراءة، وبأن طبع الأعمال الأدبية عبارة عن تجارة كاسدة.
لا مجال إلى التساؤل حول السبب الذي يجعل ساحتنا الأدبية لا تخلف كاتبا له رصيد من الإنتاج يؤهله لأن يستحق لقب كاتب عالمي.
إذا استثنينا بعض الأدباء المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية، الذين سمحت لهم هذه اللغة بالذات بتحقيق انتشار إلى حد ما؛ فإن وضعية من يكتبون باللغة العربية تبعث على الشفقة. أفقهم الإبداعي غالبا ما يكون ضيقا، كأنهم بلا طموح وبلا أهداف.
هناك جهود تصب في اتجاه إعادة الاعتبار للكاتب المغربي، خصوصا من طرف الوزارة الوصية على قطاع الثقافة، غير أن ذلك يظل غير كاف، مادام أن الأديب نفسه لم ينتفض، ويعمل على استشراف آفاق أبعد، تؤهله لأن يستحق مكانته بين الكبار في عالم الإبداع والفكر.