أحداث سيدي يوسف بنعلي وغيرها

أثارت أحداث سيدي يوسف بنعلي بمراكش الكثير من الأشياء التي على الجميع اليوم التأمل في حيثياتها ودلالاتها.
إن احتجاج الساكنة على غلاء فواتير الماء والكهرباء ليس جديدا أو وليد الأيام الأخيرة، وإنما هو قائم منذ أزيد من عام، ولم يسجل على السلطات هناك أنها واجهته بعنف أمني كبير كما حصل هذه المرة، كما أن الوكالة المستقلة للماء والكهرباء هناك، كانت قد باشرت حوارا تحت إشراف السلطات المحلية، ما أفضى إلى نتائج، وقد بقيت قضايا أخرى معلقة أهمها تسعيرة الكهرباء والماء، التي تقول الوكالة بأنها أمور تتجاوز صلاحياتها، وهذا جعل التعريفة تبقى مرتفعة، وذلك ضمن واقع اجتماعي واقتصادي صعب تعانيه الأسر الفقيرة، ما أفضى في النهاية إلى ما شهدته المدينة قبل أيام من احتجاجات ومواجهات بين السكان وقوات الأمن. السؤال هنا، أين هم منتخبو مراكش؟ وماهو دورهم تجاه ما يعبر عنه الناخبون من قلق وحاجيات؟ ولماذا لم يلعبوا دور المؤطر والوسيط بين الساكنة والسلطات والوكالة؟
إن مشروعية السؤال هنا تكمن في كون المشكلة اجتماعية بالأساس، وهناك حوار كان قد انطلق منذ مدة بين الأطراف المعنية، لكن التلكؤ والعقلية البيروقراطية جعلا قضايا عديدة تبقى معلقة، وهنا كان يمكن للمنتخبين مثلا تكثيف التدخل للبحث عن حلول وتسويات بين الأطراف، والمساهمة في تأطير السكان وإقناعهم ومساعدتهم على تفعيل الحلول المتوصل إليها.
من جهة أخرى، إن القضاء ينكب حاليا على حيثيات ما حدث في سيدي يوسف بنعلي، والوقائع على الأرض ربما تسير نحو التهدئة، ولهذا ليس مطلوبا اليوم تضييع التحليل في إعادة رسم سيناريوهات ما حدث، فالقضاء سيصدر موقفه في ذلك، ولكن السلطات الأمنية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لرفع منسوب الذكاء السياسي في تقديرها الميداني للوقائع وللتدخلات المطلوبة.
لابد من الاستحضار الدائم لصعوبة الأوضاع الاجتماعية في بلادنا، وأيضا التحديات الاقتصادية والتنموية المطروحة، بالإضافة إلى ما تتناقله وسائل الإعلام على مدار الساعة من بلدان الجوار المغاربي والعربي، وكل هذه الحساسية يجب أن يدركها المسؤولون الأمنيون، إلى جانب اهتمامهم طبعا بحماية النظام العام وتطبيق القانون، فبين المسألتين يوجد رابط دقيق لابد من استيعابه، والوقوف عليه من خلال حسن التقدير السياسي للأشياء، لأنه بدون ذلك، فإن أي تدخل أمني عنيف سيخلف للمغرب الكثير من الانتقاد والتشويه والإساءة داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى أنه يزيد الشارع احتقانا.
ولعل آخر دليل لسوء التقدير هذا، هو ما حصل من اعتداء في حق النائب البرلماني عبد الصمد الإدريسي، بالإضافة إلى حالات اعتداء جرت في حق صحفيين ومصورين في الرباط والدار البيضاء، وتدخلات أمنية عنيفة أخرى مست نشطاء حقوقيين، وتمس احتجاجات الخريجين العاطلين أمام مقر البرلمان..
إن أحداث سيدي يوسف بنعلي، ورغم أنها محدودة في المكان، فهي أبرزت الحاجة اليوم إلى تأمل سياسة المصالح الأمنية على مستوى التدخل الميداني خلال الاحتجاجات العمومية، والحرص على تطويرها بما يستحضر كل التحديات المطروحة على بلادنا، ومميزات الظرفية الحالية وطنيا وإقليميا ودوليا، وأيضا بما يجعلها منسجمة ضمن سياق مقتضيات الدستور الحالي، ومنظومة حقوق الإنسان ودولة القانون.

[email protected]

Top