ألوان إفريقيا تتلألأ بطانطان .. محور المعرض التشكيلي السنوي الخامس

بدعم من مؤسسة الموكَار، وبمناسبة النسخة السابعة عشر لموسم طانطان، نظمت جمعية أصدقاء متحف الطنطان للتراث والتنمية الثقافية المعرض التشكيلي السنوي الخامس تحت شعار: “ألوان إفريقيا”، وذلك في الفترة الممتدة من 26 إلى 30 يونيو 2024. أقيم المعرض بقاعة العروض للمجلس الجماعي لطانطان وقد ترأس افتتاحه السيد محمد فاضل بنيعيش رئيس مؤسسة الموكَار والسيد عمرو حمدة عامل إقليم طانطان بالنيابة، إلى جانب نخبة من المهتمين والإعلاميين.

فنانون جنوبيون وضيف شرف من موريتانيا

شارك في المعرض فنانون تشكيليون من الجنوب، وهم الحسين إيلان، سليمان الدريسي، عبد الباقي راجي الإله، ابراهيم الحَيْسن، الراكب الحَيْسن، الإمام دجيمي، عبد الهادي مريد، فردوس هدى، جميلة العماري، فاطمة عيجو، عبد الحميد طيرا ومحمد فرقشي.

تميز معرض هذه النسخة بتكريم الفنان التشكيلي الموريتاني سيدي يحيى أحد أبرز التشكيليين في بلاده وبحوزته معارض فنية عديدة محلية ودولية.

ولسنوات عديدة، دأب الفنان سيدي يحيى على محاورة الرموز والعلامات المستوحاة من الثقافة الشعبية المحلية. لكن مع توالي البحث والتجريب، أمست لوحاته مغايرة تحمل بصمات إحساسه وقدرته على التخييل، حيث يداعب فرشاته من غير ضجيج أو تكلف أو ادّعاء. ولكل لوحة من لوحاته مناخها البصري الخاص بها، إذ تظهر مشبعة بطراوة الألوان الطافحة والفياضة، وكثيراً ما تتفجر فيوضاتها اللونية والمشهدية، لتتحول إلى فضاءات ومراء تتداخل فيها خيالات وأطياف تلاحقنا من كل زوايا اللوحة.

سحر إفريقيا

     بمناسبة هذا المعرض صدر كاتالوغ بالألوان من القطع المتوسط قام بتصميمه الفنان عبد الباقي راجي الإله، وقد تضمّن سير وصور أعمال الفنانين المشاركين إلى جانب نص تقديمي للناقد ابراهيم الحَيْسن بعنوان “سحر إفريقيا” قام بترجمته إلى اللغة الفرنسية الباحث والناقد الفني عبد الله الشيخ، جاء فيه:

     لطالما شكلت إفريقيا مصدر إلهام يستقي منه المبدعون مواضيعهم وتعبيراتهم الأدبية والفنية والجمالية بحكم المخزون الثقافي والتراثي التي تكتنزه منذ عصور وحقب موغلة في القدم، والمتمثل في التاريخ والتقاليد الثقافية والأعراف والشعائر والممارسات الفنية، إلى جانب الاحتفاليات المحلية، وهي كثيرة ومتنوعة، فضلا عن ما يميز القارة من ألوان ورموز إثنوغرافية كثيرة تشغل الأقنعة والألبسة والأفرشة والأواني والأسلحة التقليدية وأدوات العمل اليومي..إلخ.

     وبالنظر إلى كل هذا الزخم الثقافي والحضاري، إرتأينا في هذه النسخة الخامسة لمعرض الطنطان السنوي للفنون التشكيلية أن يكون ثيماتيا مطروزا بألوان وبسحرها المدهش، مع ترك المجال مفتوحا أمام الفنانين المشاركين لاختيار سنداتهم وخاماتهم ومواد إبداعهم وتعبيرهم، وأيضاً لتحديد مساحة اشتغالهم (تصوير صباغي، غرافيك، إرساء وتجهيز، فيديو، فوتوغرافيا..) حتى يكون محتوى المعرض معاصراً ومواكباً للراهن التشكيلي.

                                                                                                                                                                            جانب من المعرض

  ولا شك أن للفنانين من القدرات الإبداعية الخلاَّقة التي تجعلهم قادرين على استيعاب “رسالة المعرض” والتفاعل معها جماليّاً، لذلك بدَت قطعهم الفنية مناسبة وملائمة ومعبرة، وأهم ما يميزها:

     – الاشتغال اللوني المكثف والمتمثل في وجود تكوينات تجريدية مفعمة بكتل لونية متراصة وأخرى مندمجة داخل مساحة السند، مصاغة بصبغات مائية وأخرى زيتية تتعاقب فيها نسب الظل والضوء.

     – وجود لوحات شاخصة معبرة عن البيئة المحلية، إلى جانب أخرى تجريدية تتمحورها رموز إثنوغرافية بدلالات أيقونية ذات جذور إفريقية قائمة على التضاد اللوني والخطي.

     – تفرد بعض الأعمال الفنية المعروضة بالكولاج المنهصر مع السند، حيث الورق المصبوغ وقطع القماش في اندماج تعبيري مأخوذ من جمالية اللباس الصحراوي والإفريقي بزخارفه البديعة وبألوانه الاحتفالية البراقة.

     – إلى جانب لوحات صباغية أخرى موسومة بخصائص إفريقية مرسومة ومصبوغة بتعبيرية لونية حداثية تكثر فيها السيولة والتسريحات اللونية التي تغطيها.

إلى جانب ذلك، تظل ميزة معرض هذه النسخة أنه يمتد للمعارض السابقة التي راهنت على جماليات رحل الصحراء، إذ يولي اهتماماً للعمق الإفريقي وامتداداته الثقافية والفنية في الصحراء والساحل، إلى جانب تكريم فنان تشكيلي من القطر الموريتاني الشقيق، يتعلق الأمر بالمبدع سيدي يحيى بجانب فنانين محليين وآخرين ضيوف من مدن مغربية مختلفة.

     تأتي هذه المبادرة الجمالية المحمودة التي دأبت عليها جمعية أصدقاء متحف الطنطان لأربع نسخ سابقة في صلب دعم التجارب الفنية المحلية والجهوية عبر العرض المشترك والحوار مع تشكيليين متميزين من خارج المنطقة الجنوبية، ولا يسعنا بالمناسبة سوى توجيه فائق الشكر وبالغ الامتنان لمختلف المؤسسات والجهات الداعمة والشريكة التي آمنت بالمشروع الجمالي للجمعية الرامي إلى تشجيع كوكبة من الفنانين التشكيليين من المناطق الصحراوية والتعريف بمنجزهم الفني عبر إقامة هذا المعرض التشكيلي السنوي الذي يفتح لهم، بكل تأكيد، مساحات وأوراشاً جمالية لتشييد نموذجهم الإبداعي وتكريسه في صورة ناضجة ومقنِعة.

رسالة المعرض

سبق هذا المعرض السنوي تنظيم أربع نسخ اتسمت أساساً بالاشتغال على جماليات رحل الصحراء، بالإضافة إلى التعبير فنيا وتشكيليا عن مختلف التعبيرات والأشكال الثقافية والإبداعية لرحل الصحراء من طقوس وعادات يومية وفنون إيقاعية وجسدية، إلى جانب الآداب والمرويات والألعاب الشعبية واللباس والنسق الغذائي والمسكن ونمط العيش ومختلف المهارات والممارسات الحِرفية الصحراوية وغيرها.

ورغم هذا التنوع الإبداعي الذي وسم المعرض في نسخه الخمس، فإن الاستنتاج العام يظل يبرز بأن الممارسة التشكيلية بالأقاليم الصحراوية بحاجة إلى المزيد من الرعاية والاهتمام لتجاوز مرحلة إثبات الذات، لاسيما أن جل الفنانين المشاركين لهم مشاركات مهمة في معارض فردية وجماعية خارج المنطقة، وجلهم يمارس تدريس مادة التربية التشكيلية بالثانويات الإعدادية والبعض منهم بشعبة الفنون التطبيقية بالثانويات التأهيلية.

عقب افتتاح المعرض، وفي حديث قصير جمع السيد رئيس مؤسسة الموكَار والسيد عامل الإقليم بالنيابة رفقة الفنانين التشكيليين المشاركين في المعرض، تم التطرق لمجموعة من الإكراهات التي يعاني منها الفنانون، أبرزها:

     – قلة الاحتكاك وندرة فرص العرض الفني المشترك بالمنطقة.

     – افتقار إقليم طانطان لقاعة مختصة في العرض التشكيلي.

     – قلة التشجيع المادي وضعف التلقي والإقبال على الفن التشكيلي عموماً.

     لذلك يعتبر هذا المعرض التشكيلي السنوي فرصة لدعم وتشجيع الفنانين التشكيليين من المناطق الصحراوية والتعريف بإبداعاتهم، مع الحاجة أيضاً لتنظيم إقامات فنية ومحترفات تكوينية ومعارض مماثلة بإشراك فنانين محترفين مرموقين من باقي المناطق والجهات الأخرى، الأمر الذي سيفتح لهم آفاقاً ورهانات جمالية لتشييد نموذجهم الإبداعي في صورة مغايرة أكثر نضجاً وإقناعاً..

           * بيان اليوم

Top