أنانية الكبار…

بعد اشتغال مدة طويلة، بطريقة مرة سرية وأخرى علنية، وبعد اختبار القدرات وجس نبض جهات مؤثرة، ورؤوس أموال ثقيلة، خرج لحيز الوجود بداية هذا الأسبوع مشروع السوبر الأوروبي، كقنبلة هزت عالم كرة القدم عبر القارات الخمسة.
12 ناديا من أكبر أندية كرة القدم على الصعيد الأوروبي، أعلنوا انطلاق مشروع ضخم يقسم أندية القارة، بين كبير وصغير، وذلك بتنظيم بطولة انفصالية، متجاوزة فيتو (الفيفا) ومعارضة الاتحاد الأوروبي، في سابقة مدوية، واختبار قوة ستكون له بدون شك تداعيات لا أحد يعرف مداها.
بطولة انفصالية تلغي مبدأ الاستحقاق، أو خيار التنافس الرياضي، ذلك بمنح الحق في المشاركة للأندية الغنية، تلقائيا في هذه البطولة، مع إمكانية ترجيح الدعوة لأندية أخرى تتوفر فيها نفس الشروط المالية المطلوبة، وهو تكتيك مفهوم يدخل في إطار شق صفوف المعارضة، وكسب أسماء يمكن أن تعطي الإضافة المطلوبة.
الأندية المعنية كما أعلن في بلاغ التأسيس هي: “ميلان، وأرسنال، وأتيلتكو مدريد، وتشيلسي، وبرشلونة، وإنتر ميلانو، ويوفنتوس، وليفربول، ومانشستر سيتي، ومانشستر يونايتد، وريال مدريد، وتوتنهام هوتسبر”، مجموعة تمثل فيها انجلترا ثقلا خاصا بستة أندية، والباقي موزعة بين إسبانيا وإيطاليا، بينما غابت ألمانيا وفرنسا، وقرار الرفض من طرف هذين الدولتين، هو سياسي أكثر منه رياضي، بحكم أنهما الراعيتان الأساسيتان للوحدة الأوروبية.
وكما كان متوقعا، لم تتأخر أصوات المعارضة لهذا المشروع الانفصالي، وأولى المواقف الرافضة جاءت من طرف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ولم يقف عند حدود الرفض، بل عززته بحزمة عقوبات ستطال الأندية المشاركة في هذه المسابقة، ليشمل القرار أيضا اللاعبين الذين قد يواجهون عقوبة الحرمان من تمثيل منتخبات بلدانهم.
وطبيعي أن يحضر الجانب السياسي وسط هذا الملف الشائك، برفض مطلق لإقامة المسابقة الجديدة خارج المؤسسات الرسمية، نفس الموقف الرافض عبرت عنه الاتحادات الوطنية للعبة، كما رأى فيه السياسيون حرمانا للجماهير، وضربا للتضامن الأوروبي.
أما إنفانتينو فكان واضحا عندما قال بأن الفيفا تعارض بشدة هذا المشروع وعلى الأندية المنشقة تحمل عواقب قراراتها جراء هذا الانفصال، وأن دوري السوبر الأوروبي، هو عبارة عن سوق مغلق، منفصل عن المؤسسات الحالية، وعن الدوريات، وعن الاتحادات، وأيضا عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وعن الاتحاد الدولي.
إنه الشجع الذي يحرك أصحاب هذا السوبر الأوروبي، والذين يسعون إلى المزيد من خصوصية اللعبة واحتكار الفرجة، بتفقير الفقراء وإغناء الأغنياء، والإيجابي أن هناك لاعبين مشهورين عبروا بصفة تلقائية عن رفضهم لهذا المشروع الانفصالي.
الأكيد أن كل محبي كرة القدم الجميلة سيعارضون هذا الانقسام، ومادامت هذه اللعبة الشعبية الأولى تستمد قوتها وسر استمراريتها من العشق اللامتناهي للجماهير عبر كل بقاع العالم، بعيدا عن كل أساليب الاحتكار والتسلط والميز، وعدم احترام ديمقراطية الفرجة التي تبقى أساس كل فعل إنساني، سواء أكان رياضيا أو ثقافيا أو مدنيا أو اجتماعيا.
ننتظر نتائج هذه المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، ولمن ستحسم النتيجة في النهاية، هل للانفصاليين أم لأصحاب المنطق الوحدوي والتضامني؟

>محمد الروحلي

الوسوم ,

Related posts

Top