إشكالية احترافية الفرقة المسرحية وسؤال البنية الإنتاجية المسرحية بالمغرب

ماذا بعد 12 سنة من تأسيس الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة؟ هل من دواعي لاستمرار وجودها، في وقت تم فيه تفتيت المؤسسات والتنظيمات المهنية التي تعنى بقضايا المسرح والمسرحيين؟
هل كان التأسيس ضرورة موضوعية أم مجرد حماس واندفاع أملته ظروف وملابسات الانخراط في معركة لا تزال في أمس الحاجة لقراءة موضوعية، وعقلانية وفي نفس الوقت صارمة؟
هل استطاعت مكونات الفيدرالية أن تتجاوز محطة لذة لحظة التأسيس، للتغلب على سلوكيات باتت تفرض نفسها وبقوة داخل الساحة المسرحية والتي في غالبيتها لا تتوافق مع مصالح الحركة المسرحية في أبعادها الشمولية.؟
لماذا لم تستطع الفيدرالية بعد مؤتمرها التأسيسي ولا مؤتمرها الأول، أن تحقق نسبا متقدمة، في تطبيق مجمل برامجها وأن تكون ممثلا فعليا للفرق المسرحية المنخرطة؟
لماذا ظلت علاقة الفرق المسرحية بالفيدرالية منحصرة ومحصورة فقط في محطات مرتبطة في مجملها بنتائج الدعم المسرحي مع سؤال الشروط والجدوى؟
هل بات من الضروري إعادة صياغة مشروع الفيدرالية، كمؤسسة تمثيلية للفرق المسرحية المحترفة على أسس بناء تعاقد اخلاقي ومهني احترافي؟
أسئلة تواجهنا ونحن مقبلون على صياغة مشروع جديد لفيدرالية نريدها بطموحات كبيرة وببرامج أكثر واقعية، برامج متفاعلة مع واقعنا المسرحي
ينحو الحقل الفني والثقافي نحو أشكال تنظيمية جديدة، سواء باختياراتها أو بعوز من الدولة وتوجهاتها في تنظيم الحياة العامة، خاصة المؤسسات التي تستفيد من المال العام، في شكل تمويلات (في حالتنا: (الدعم المسرحي) أو منح أو مداخيل أنشطة.. وهي عمليات يفترض أن تعود عن طريق ضرائب مباشرة أو من خلال الإنفاق في شكل ضرائب غير مباشرة).
ولهذا ستجد الحركة المسرحية التي تستفيد من كل أشكال الدعم (تمويل – منح – مداخيل) نفسها في منعرجات تفرض عليها ملاءمة وضعها مع متطلبات ما قد يستجد على ذلك الأساس، هذا يعني أن شكلا من أشكال التنظيم المسرحي قد استنفذ أدواره، وأن على هذا التنظيم أن يجدد أشكال تدبيره وتسييره.
من هنا قد تتجدد الحاجة إلى التفكير في صياغة مشروع متجدد يعبر عن المصالح المشتركة للفرق ويواكب تطوراتها وحاجياتها، فهل يكون ذلك من دون القطع مع الماضي وتغيير الأشكال والتدابير؟ أليس علينا أن نبدع في خلخلة الشكل الحالي، من أجل بناء أفق احترافي ومهني يساهم في مواجهة كل التحديات.؟
أسئلة تضعنا أمام مسؤولية المرحلة المقبلة بكل إشكالاتها وتحدياتها.
إن القيمة الاعتبارية للعمل الثقافي والإبداعي، أصبحت من الرهانات الأساسية في بلورة مجتمع حداثي يراهن على مواجهة التحديات التي تفرضها الأنظمة القائمة على التحكم في المواقع وتصدير ثقافتها عبر منظومة العولمة.
الآن لم يعد الوعي منحصرا في الإيمان بتقوية البنيات الاقتصادية وتحديث المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون الاهتمام بالثقافة والفنون وجعلهما عصٌب كل هذه المجالات.
إلا أنه يلاحظ، أننا لا زلنا حبيسي الشعارات الرنانة، التي تعيد إنتاج الأفعال وردود الأفعال وخطابات الأزمة.
إن ما يؤكد كل هذه المعطيات الاستقرائية، أن الميزانية المعتمدة من لذن الحكومة برسم هذا الموسم تعكس الاهتمام المحتشم، للثقافة من خلال ميزانية الوزارة الوصية، وهي أرقام تبين التوجهات العامة لبنية التفكير الحكومي في التعامل مع هذا القطاع، الذي لا يدخل في حسابات الحكومة كونه قطاعا حيويا، بالرغم أنه القطاع الذي يصنع القيم ويبني أسس الحضارة.
ومن المفارقة أيضا، أن الخطاب السياسي، هو في جل مضامينه يتبنى الثقافة والفن كمشروع مجتمعي، لكنه دائما وأبدا، هو مشروع مؤجل إلى أجل غير مسمى.

لحد الآن، لم نفكر في خلق محطات حقيقية، لتفكير محكوم بالمصالح العليا، يرنو إلى ترسيخ للقيم داخل المجتمع، بل جعلنا من المحطات التي يُفترض أن تكون محطات مفصلية لوضع سياسة شمولية وخريطة طريق واضحة الرؤى والمعالم، جعلنا منها محطات للتنشيط الثقافي، ومثالا على ذلك، أن الاحتفال باليوم الوطني للمسرح 14 ماي، جاء كمناسبة بعد الرسالة الملكية للراحل الحسن الثاني، الموجهة آنذاك للمناظرة الوطنية الأولى للمسرح الاحترافي، فاتخذنا منه لحظة احتفاء، بمشروع لم يكتمل، بل ظل مطلبا مؤجلا زهاء 26 سنة، دونما أي حوار أو إجراءات لدراسة تفعيل مقتضيات منطوق الرسالة الذي حدد 1% من ميزانية الجماعات المحلية لدعم المسرح في بنياته المتعددة: (رعاية اجتماعية، بنيات تحتية، فرق جهوية..ألخ).
في البنية الإنتاجية المسرحية بالمغرب:
تعتبر الفرقة المسرحية النواة المركزية في الحركة المسرحية الوطنية، فهي عمليا الإطار الأساس للإنتاج والإبداع والتشغيل والعرض، وبناء عليه فإن تطويرها وتطوير آليات عملها ودعمها هو العامل الحاسم أمامها للاضطلاع بدورها في صناعة فرجة مسرحية راقية ومساهمة في تفعيل دور الثقافي والفني في التنمية. لا يمكن اعتبار الفرقة المسرحية كأي جمعية أخرى، فهي نظام أنظمة متداخلة متكاملة، بحكم طبيعة الإنتاج المسرحي ومتطلباته وتعدد مستوياته ومستويات المتدخلين فيه. إنها مجال لاستثمار فعلي واستقطاب للعديد من المهن التقنية والفنية، وتحتاج إلى التعاطي مع مجالات اقتصادية مختلفة ومتعددة..
في إشكال احترافية الفرقة المسرحية بالمغرب:
بتتبع خيط الإنتاج المسرحي ما بين سنوات 2006 – 2016، يمكن إحصاء ما يزيد عن 90 جمعية مسرحية ترددت على مدى عشر سنوات ضمن خريطة الفرق التي استفادت من دعم الإنتاج أو دعم الترويج.
* فهل يمكن اعتبار هذا المقياس محددا لاحترافيتها؟
* وماذا بالنسبة للفرق التي لأسباب مختلفة لم تستفد من الدعم بشكليه، وكان لها حضور مسرحي؟
* هل الاحترافية هوية أم نية؟
* إذا ما صدق الأمر، على وجه من الأوجه، هل كل من استفاد من دعم الإنتاج والترويج، تتوفر فيه أو تتحقق له هذه الصفة؟
* في الحقيقة، من الشائك حسم الأمر، فجل الفرق المسرحية تدخل غمار الموسم المسرحي الرسمي، لا على أساس كونهابالضرورة بنيات محترفة، بل مجرد حاملة لمشروع مسرحي، تقتضي آلية دعمه، أن يتدبر عروضه على أسس من التعاقد والمهنية. وهما كلمتان عامتان، قد تعنيان أشياء كثيرة وقد لا تعنيان أي شيء بالمرة، وربما في مراجعاتنا لقاعدة البيانات السنوية الخاصة بالإنتاج المسرحي والمرتبط رأسا بالدعم المسرحي، يتبثٌ أن فرقا كثيرة تظهر وتختفي، بعد موسم أو موسمين، وتظهر أخرى وتختفي، ويتبين أن ظهورها أو اختفاؤها يفسره استفادتها أو عدم استفادتها من الدعم المسرحي، عدا ممارسات..
* لهذا نقول إن الاحتراف المسرحي في المغرب هو مشروع مؤجل، وأن الممارسات المسرحية المغربية، ليست ممارسة محترفة بالمفهوم العلمي للكلمة، فهي لا تستمد وجودها من ذاتها، ولا تملك خاصيات المؤسسة المحترفة القادرة على تعبئة الموارد المختلفة، لتكون أداة إنتاج ومؤسسة تراكم الرأسمال، وتنمي قدرات الإنتاج، وتضمن معينات تنمية المورد المالي، عن طريق عمليات العرض، إن أكثر البنيات المسرحية هي مجرد بنيات تدبير منحة وزارة الثقافة، المسماة دعما مسرحيا إنتاجا أو ترويجا.
الفرقة المسرحية بين حال التدبير وعوامل التدمير:
إن الفرقة المسرحية ما لم تتحول إلى مؤسسة إنتاج فعلية، وما لم تساهم الدولة في هذا التحول ستظل تحت طائلة العوامل التدميرية العديدة، والتي أقلها المزاجية في التعاطي الرسمي مع المسرح والمسرحيين… ونتيجة لعدم الاعتراف بالمسرح مهنة لحد الآن، وعدم وجود سياقات استثمار مشجعة، وضبابية القوانين المؤطرة، وسيادة نظرة هامشية للمسرح لدى المسؤولين، وعلاقة التهيب والتحفظ الذي طبعت تاريخ الدولة بالمسرح وبالمسرحيين.
لقد سمح الدعم المسرحي بإفراز تجارب مسرحية تتفاوت قيمتها بين موسم وآخر صعودا ونزولا، وهي تجارب ترتبط بأسماء مبدعة أكثر منها بفرق ممأسسة.
الفيدرالية كآلية انتقالية ومساهمة في ترسيخ الاحتراف المسرحي بالمغرب:
نعتبر من هذه المنطلقات الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية إطارا يمكن أن يتولى عملية الانتقال الفعلي بالفرقة المسرحية الوطنية إلى مجال الاحتراف، إذ أنها في وجه من وجوهها، اتفاق مبدئي بين المنضويين تحتها، لتحويل الفرقة المسرحية إلى بنية إنتاج واضحة المعالم في التكوين والتشكيل والتدبير والإنتاج…
ولأن الواقع المسرحي لا يمكن أن يرتفع بالنوايا، ولأن العمل الصبور والحثيث والمتزن مطلوب في أي خطوات بنائية للاحتراف المسرحي بالمغرب هو المطلوب، فإن الفيدرالية ستكون إطار تفكير وتدبير واع بشروط الممارسة المسرحية بالمغرب راهنا والانتظارات الممكنة في المستقبل…
لهذا فإن من مهام الفيدرالية المركزية إذن:
* تمثيل الفرق المسرحية في كل ما يهم المصالح الجماعية للفرق المسرحية المغربية.
* العمل على ضمان الاعتراف بالمسرح ضمن المهن النصوص عليها في القوانين ذات الصلة.
* تكوين الفرق المسرحية في مجالات التدبير والتسيير المقاولاتي.
* تقوية عوامل تطوير الإنتاج المسرحي الوطني وبنياته.
* التنسيق مع الجهات ذات الصلة بالمسرح وفنون العرض من أجل المساهمة في تنمية القطاع المسرحي وتوفير وتأهيل البنيات التحتية الأساسية لتشجيع الإنتاج.
* العمل على تقوية إمكانات التشغيل لدى الفرق المسرحية لخريجي المعاهد الفنية في مختلف التخصصات.
* الدفع نحو تخصيص صندوق للدعم المسرحي مستقل تساهم فيه الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات ذات الارتباط.
إن هذه الأهداف الكبرى، لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن التفاعل والتنسيق مع:
– وزارة الشباب والثقافة والتواصل وكل البينات ذات الصلة بالمسرح والثقافة والفن.
– الإطارات الممثلة للمهنيين من ممثلين وتقنييين
– التفاعل مع ما تعرفه الساحة المسرحية من طروحات ومن بينها الخطة الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي التي اقترحتها النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية..
إن الوثيقة التي نضعها بين يدي كل المهتمين بالشأن المسرحي، خاصة الفرق المسرحية، هي خلاصة لأشغال المؤتمر التأسيسي الذي انعقد بتاريخ 14 و15 يوليوز 2012 بمدينة مراكش، والمجلس المركزي المنعقد بتاريخ 1 أبريل 2014 بالرباط والمؤتمر الأول المنعقد بتاريخ 15 و16 يوليوز 2017 بمدينة القنيطرة، وثيقة تترجم الخطوط العريضة للبرنامج العام للفيدرالية والأوراش التي وجب الاشتغال عليها وفق رؤية شمولية للقطاع دون أي تجزيء أو تشييء.
إن الفيدرالية تعتبر تفعيل هذا البرنامج في إطار تشاركي، خطوة أساسية للخروج بالمسرح المغربي من دائرة الارتجالية والحلول الترقيعية وتمكينه التحكم في مصائره بكل واقعية وعقلانية، مع تحديد الاختيارات وتطوير آليات الاشتغال وتطوير جوانب البحث داخل دائرة التنوع والاختلاف مما سيساعد على تقوية الرافد.
إن الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، وهي تستحضر الأبعاد المثلى للإبداع ودوره الأسمى في الرقي، فإنها أيضا تستحضر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذه المعادلة، لأن تأهيل القطاع يستوجب أيضا إيجاد فرص للشغل وتحريك عجلة الاقتصاد وذلك عبر تمكين الدولة لهذا القطاع بالإمكانات الكفيلة لتحقيق الأهداف والغايات، ولنا في هذا السياق بعض المؤشرات الأساسية.

 

Top