إضراب جديد في قطاع العدل

يستمر التصعيد في قطاع العدل، واليوم الثلاثاء يخاض إضراب جديد لمدة ثلاثة أيام بكل محاكم البلاد، مع تنظيم مسيرات  جهوية  في اتجاه الخزينات الجهوية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، كما أعلنت النقابة الواقفة وراء الاحتجاج أنها ستخوض إضرابا آخر لثلاثة أيام أخرى خلال الأسبوع الأول من يناير، وكانت طيلة الشهور الماضية قد نظمت إضرابات وطنية عديدة، وفي الأسبوع الماضي أقامت وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الاقتصاد والمالية بالرباط…
الكل يجمع اليوم أن هذه الوضعية أربكت القطاع، وكلفته خسائر تحسب بالملايين، كما أن الشلل أصاب منظومة  العمل بمختلف محاكم المملكة، ما أدى إلى ضياع مصالح عدد من المتقاضين، وباعتبار أن الأمر يتعلق أساسا بقطاع العدل، فان المسؤولية تقتضي استنفار جهود الجميع لإيجاد حلول حقيقية لهذه الوضعية المقلقة.
إن عددا من المحامين يروون حكايات عن ضياع مصالح موكليهم جراء تعطل العمل في المحاكم، وتنقل الأخبار أيضا قصصا لمشاكل جمة تعرض لها مواطنون ومتعاملون أجانب جراء هذه الوضعية، وبالتالي فان سمعة البلاد ونظامها القضائي هما اليوم في الميزان.
من حق شغيلة قطاع العدل الاحتجاج على أوضاعها المادية والمهنية والاجتماعية، ومن حق منظماتها النقابية الدعوة إلى إضرابات واحتجاجات، لكن في نفس الوقت من واجب السلطات المعنية الانكباب الجدي على ملف لديه كل هذه التداعيات، والعمل لإيجاد  الحلول اللازمة.
الوضعية اليوم أكبر من دور وزارة العدل، التي لم تترك مناسبة إلا وعبرت عن إرادتها للتفاعل الايجابي مع مطالب المحتجين، إنما الأمر يستدعي تدخلا حكوميا شاملا بغاية تنسيق رؤى مختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة بمطالب شغيلة العدل، ومن ثم بلورة حلول وأيضا خطاب حكومي موحد بهذا الخصوص، والشروع في التنفيذ.
إن الفئات المضربة اليوم تلعب دورا مركزيا داخل أورغانيغرام المحاكم، والمغرب يتطلع إلى إصلاح جذري لقضائه، والى تطوير وعصرنة هذا القطاع، ولن تتحقق هذه الهدفية من دون موارد بشرية مؤهلة ومحفزة، وتتمتع بظروف مهنية واجتماعية لائقة. وانطلاقا من كل هذا، فان المسؤولية ملقاة اليوم على عاتق الحكومة، وأيضا النقابات نفسها، للرقي بمستوى الحوار الاجتماعي داخل القطاع، وتحلي الكل بدرجة عالية من المسؤولية ومن الوعي برهانات الإصلاح في بلادنا.
إن الإضرابات المتتالية في قطاع العدل، وبغض النظر عن مشروعية مطالب الشغيلة وضرورة الاستجابة لها، فإنها تحيل على انشغالات مركزية تهم مستقبل إصلاح القضاء، وأيضا استعجالية تطوير آليات الحوار الاجتماعي، كما أنها تلفت بصفة عامة إلى  الواقع الاجتماعي لفئات عديدة من شعبنا.
إنه الرهان الحقيقي، والعنوان الكبير في منظومة الجيل الجديد من الإصلاحات التي يحتاجها مغرب اليوم.

Top