إلى… السياسة

طغى الانشغال بمناقشة مشاريع القوانين الانتخابية هذه الأيام عن الاهتمام الإعلامي بالحراكات الجارية داخل الأحزاب الوطنية، وأيضا المبادرات المعلن عنها من طرف بعض القوى الجادة خلال شهر رمضان، وبالرغم من أهمية التحصينات القانونية والتنظيمية للاستحقاقات المقبلة، فإن تأهيل العمل الحزبي يبقى بدوره أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للبناء الديمقراطي للمغرب.
في الفترة الأخيرة برزت محاولات لخلق أحزاب جديدة، وإن كان الأمر من حيث المبدأ طبيعيا وحقا للجميع، فإن التخوف هو أن يكتسب هذا الاهتمام بالسياسة وبالشأن العام معنى أحاديا يتعلق فقط بتفريخ «حزيبات» ميكروسكوبية معلقة في الهواء، وسنكون بذلك قد أجبرنا بلادنا مرة أخرى على العودة إلى البداية.
اليوم هناك فئات كثيرة مبتعدة «أو مبعدة» عن العمل الحزبي، ومن واجب القوى الجادة الإقبال على فتح الحوار معها وفي أوساطها.
لقد كانت الأطر المغربية العليا مثلا، والكفاءات الوطنية العلمية والتقنية طيلة عقود تفر من السياسة، لأن الانغماس فيها معناه الحرمان من التقدم المهني الذاتي ومن الترقي الوظيفي ومن تولي مسؤوليات مهما كانت قوة الشهادات المحصل عليها ودقة التخصصات والكفاءات، ومع توالي السنوات والممارسات تكرست في بلادنا نظرية عجيبة تقوم على التناقض بين السياسي والتقنوقراطي، وصار كما لو أن السياسة موقوفة على أنصاف المتعلمين وعلى مهن وفئات اجتماعية معينة دون غيرها، علاوة على أن مئات الأطر المغربية حرمت البلاد من خبراتها فقط لأنه كانت لديها انتماءات حزبية معروفة وقناعات سياسية واضحة.
إن المغرب الجديد يفرض اليوم تكسير هذه العقدة، وذلك أولا بإشارات من الدولة على أنها تغيرت عن العهد السابق، وأيضا بمبادرات من الأحزاب عبر اقتحام قلاع مثل هذه الفئات والتحاور معها، وثالثا بتحرر هذه الفئات نفسها من خوفها وأوهامها، وبالاقتناع بدورها ومسؤوليتها في بناء المجتمع الديمقراطي.
لقد شرع حزب التقدم والاشتراكية في إطار برنامج «أبواب الحزب مفتوحة» خلال شهر رمضان في حوارات مع هذه الفئات من الأطر والكفاءات العلمية والتقنية الوطنية، وشعاره في ذلك أن بناء المجتمع مسؤولية كافة المواطنات وكافة المواطنين، وأن مصالح مختلف الفئات، بمن في ذلك الأطر التقنية والإدارية العليا ورجال وسيدات الأعمال والنخب الثقافية والعلمية، تكمن في انخراطها المباشر في الدفاع عن القانون وعن الديمقراطية وعن قيم التحديث والتقدم والعدالة الاجتماعية.
لقد كان الحزب طيلة تاريخه مدرسة للأطر وللكفاءات ومنجما للأفكار والاقتراحات والاجتهادات التحليلية الرصينة، وهو اليوم عندما ينخرط في مبادرات للحوار مع أطر البلاد ومثقفيها ونخبها، فإنه يعرض عليها فضاءاته التنظيمية للعمل ولخدمة البلاد من خلالها.
ولكي تصير السياسة جاذبة ولكي تستعيد نبلها وقوة الأفكار والاجتهاد في ممارستها، يجب دعم مثل هذه الديناميات.
[email protected]

Top