استحضار لغائب حاضر.. رجل حقوق الإنسان الاستثنائي

في أربعينية محمد السكتاوي
في أمسية شاعرية اختلطت فيها مشاعر الحزن بمشاعر الحب، حزن على فراق الراحل محمد السكتاوي ومشاعر حب وود متواصلة لشخصه وما تركه من إرث زاخر في مجالات شتى، ذلك ما أجمع عليه مئات الحاضرين في الذكرى الأربعينية لرحيل فقيد حقوق الإنسان.
تعددت الشهادات مساء السبت بالرباط، وتكسرت المسافات، فجاء مشاركون من لندن ودول عديدة خصيصا للمشاركة في هذه الذكرى التي احتضنها نادي المحامين بحي الرياض، بمشاركة واسعة من فعاليات حقوقية وجمعوية وسياسية ومن عالم الفن والصحافة والإعلام وعدد من المجالات التي كانت يتقاطع فيها عمل الراحل السكتاوي الذي نسج علاقات ود أبانت عنها ذكراه الأربعينية.
وإلى جانب من قدموا من الخارج، كان عدد من الحضور قد طووا المسافات من مدن مختلفة من مسقط رأسه بني خلاد إلى الرباط، وأصدقائه من اسفي والجديدة ومدن مختلفة، أصروا على أن يحضروا أربعينيته، خصوصا وأن رسالة الدعوة التي وجهتها الجهات المنظمة منظمة العفو الدولية وهيئة المحامين بالرباط ومنظمة التضامن الجامعي، والتي تضمنت رسالة موقعة باسمه “يا أيها الأوفياء، مضت أربعون يوما على سفري، تعالوا أراكم بعين روحي من هناك.. لنقتص لحظات فرح.. فالحياة، صدقوني، كم هي قصيرة. ما أجمل أن تلتفوا وتتعانقوا لأجلي.. كونوا دائما بحب وسعادة”.
توالت الشهادات والفقرات، وكلها تجمع بلسان واحد على نبل الإنسان محمد السكتاوي ووطنيته وغيرته على الوطن، وجهده الجهيد لخدمة المستضعفين والدفاع عن قضاياهم والتأسيس لحقوق الإنسان ليس في المغرب وحسب، وإنما على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
استحضرت الشهادات مسار وسيرة الفقيد، وبين لحظة حب وحزن، تتلألأ صورة السكتاوي وسط الحضور، وتخيم روحه على الحاضرين، من عائلته الصغيرة التي تؤثثها زوجته لطيفة وابنته ميسون، ثم عائلته الكبيرة وحضور أخته حفيظة السكتاوي، ثم الأسرة الكبيرة من حقوق الإنسان والعمل الجمعوي ورفاقه في منظمة التضامن الجامعي، ورفاقه في أمنيستي وأصدقائه من الفعاليات المدنية والسياسية والفنانين والإعلامي وغيرهم ممن عاشروا الفقيد ولمسوا فيه روحه الطيبة وابتسامته الخاصة التي تميزه.
محمد نبيل بنعبد الله: السكتاوي كان يؤمن بالأفق الديمقراطي الضروري لتطور مجتمعنا وبلادنا
في هذا السياق، وفي سلسلة الشهادات، وبعدما جدد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية تعازيه في فقد الراحل لأرملته وابنته ورفاقه، سجل أن الراحل محمد السكتاوي كان يؤمن بما يناضل من أجله.
وأضاف بنعبد الله أن “السكتاوي كان يؤمن بالأفق الديمقراطي الضروري لتطور مجتمعنا وبلادنا، ويؤمن بدولة القانون وبحق جميع البشر في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، وكان يؤمن بحاجة النضال من أجل هذه القيم والتطلعات وإلى استنفار عناصر القوة الذاتية، وأن الحق الشرعي والمشروع لا يتحقق ولا ينتصر سوى بانخراط صاحب الحق في النضال من أجله عبر كل الواجهات”.
وزاد بنعبد الله “ولهذا انخرط سي محمد السكتاوي في العمل الجمعوي الحقوقي الميداني بعد تجارب سياسية ونقابية سابقة وعمل كثيرا في التأطير والتكوين والمواكبة وإعداد الأطر المناضلة والمسيرة”.
وتابع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية “في حضرة الاعتراف هذه والتي نقف أمامها وفيها بكل الوقار والعرفان اللازمين نستخلص من سيرة فقيدنا السكتاوي هذا الحس النضالي الرفيع وهذا الاقتناع المبدئي وهذا الانخراط في العمل الميداني وفي التأطير والتكوين وإعداد الخلف”.
وأردف بنعبد الله “ونستحضر ثانيا خصلة الانفتاح والقدرة على الحوار والعمل المشترك مع الإرادات النضالية المتعددة، ثم نستخلص أهمية المعرفة والتكوين والنفس النضالي الطويل في كل عمل روم تعبئة المجتمع وإصلاحه وتغيير العقليات”.
وسجل بنعبد الله أنه من الضروري أن يقف الجميع أمام المعنى في هذا الذي تستعرضه الشهادات ورفاق الراحل، وأن يتم التذكر بشأن هذه الشخصية الحقوقية المناضلة بهذا المستوى، أي تذكر المعنى الواضح وهو اقتران القول بالفعل في سيرة الفقيد والتزامه الدائم بوفائه لقناعاته ومبادئه مهما وقع.
في هذا الصدد، كشف بنعبد الله أن الراحل شرف حزب التقدم والاشتراكية أياما فقط قبل رحيله المؤلم بإرسال مداخلة قيم تليت بندوة حول حرية التعبير نظمها فضاء أطر الحزب بالرباط بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الفقيد أعد هذه الورقة على سرير المصحة وبعثها مصرا على المشاركة ولو عن بعد، “وربما كانت آخر مداخلته العمومية في الشأن الحقوقي الوطني”، وفق تعبير المتحدث.
هذا الإصرار النضالي من طرفه على تلبية دعوة حزب التقدم والاشتراكية، يقول بنعبد الله، إنه كان مؤثرا “ويؤكد صداقتنا ومشاعر الحب والمودة التي ربطته بعدد من مناضلات ومناضلي حزبنا منذ سنوات، وهي المشاعر نفسها التي كنا نقرأها على وجهه الحامل على الدوام لابتسامته الجميلة”، يختم المتحدث.
زوجته وأرملته لطيفة هي الأخرى استحضرت في كلمة مؤثرة خصال الراحل والحب الوافر الذي جمعها به لعشرة دامت أزيد من 40 سنة، مؤكدة أنها وجدت فيه كل الحب والصداقة والإنصات والكثير من الخصال الحميدة التي ميزت الفقيد.
وأضافت أرملته أنها الراحل كان مثالا للزوج والصديق والأب الاستثنائي في تعامله مع ابنته، وبروحه الفياضة وعلاقته الطيبة مع كل من عايشه من رفاقه وزملائه وعائلته، دائم الابتسامة التي كانت تميزه، والطيب بلا حدود.
وواصلت أرملة الفقيد شهاداتها بتأثر بالغ مستحضرة ما ميز الراحل من عطاء وسخاء في الود والحب على أسرته وعائلته وعموم من خبره من أصدقائه وزملائه، وكل من اشتغل إلى جانبهم.
صديق دربه في منظمة العفو الدولية صلاح العبدلاوي قدم أيضا شهادات مؤثرة إن الحضور في هذه الذكرى الأربعينية استجابة للدعوة التي وجهها الفقيد طالبا بأن يحضروا بكل الحب والود.
وقال العبدلاوي “إنك حاضر بيننا وترانا بعين روحك من هناك وأنت الذي دعوتنا لنقتص لحظات فرح، وأوصيتنا بأن نكون دائما بحب وسعادة”، مضيفا “روحك ستظل حاضرة بيننا بإنجازاتك ومسار حياتك أيها المناضل المدافع الدؤوب عن حقوق الإنسان والقائد الملهم صاحب الرؤية الاستراتيجية الثاقبة، والفكر المستنير والمثقف والشاعر الاستثنائي الذي غادرنا مبكر”.
وزاد العبدلاوي “علمتنا التضحية والكرم بلا حدود، والتفاني في العمل، والنضال الجاد بدون مقابل في خدمة حقوق الإنسان ويحمي الكرامة”، مشيرا إلى أن معرفته بالراحل تعود إلى تاريخ دجنبر 1997 للعمل سويا تزامنا مع إطلاق منظمة العفو الدولية لأنشطتها بالمغرب وبداية التحضيرات للافتتاح الرسمي لأول مقر لها في فتح يونيو 1998.
وسجل رفيق درب الراحل والدموع تغالبه مسار معرفته بالراحل من لحظة اللقاء إلى لحظة الفراق “منذ ذلك التاريخ الذي التقينا فيه وإلى موعد رحيلك كنا لا نفترق إلا نادرا إنها لحظات عمر مليئة بالأحداث والإنجازات وسأظل أعتز بها”.
وفي نص تأبيني بعثه بيير ساني، الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية بلندن، تلاه سفيان الأطرسي رئيس منظمة العفو الدولية بالمغرب استحضر ساني الذي أشرف على افتتاح مكتب الرباط سنة 1998، عددا من اللحظات التي جمعته بالراحل السكتاوي، خصوصا خلال مرحلة التأسيس لفرع أمنيستي المغرب.
واستعاد بيير ساني ما جمعه بالراحل السكتاوي في ذكرى إخراج فرع المنظمة أمنيستي إلى الوجود وما رافق ذلك من جهد جهيد من قبل الراحل للتأسيس للمنظمة ولحقوق الإنسان بالمغرب والدفاع عن هذه القضايا.
وفي شهادات كثيرة ومتوالية، سجل الحاضرون خصال عديدة للراحل السكتاوي، أجمعت كلها على النبل وعلى التضحية وعلى الحب والود والتعلق بقضايا حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المستضعفين.
بدوره، عبد المتعال قرشاب، مسؤول سوداني سابق بمنظمة العفو الدولية، والذي جاء خصيصا من لندن لحضور أربعينية الفقيد، حكى بتأثر العلاقة الأخوية التي جمعته بالراحل واستحضر ساعات الحكي والمسامرة مع الراحل السكتاوي الذي قال بتأثر إن طيبته وطيبوبته تفوق طيبوبة الشعب السوداني كما هو معرف عليه.
وذكر قرشاب أنه عايش السكتاوي على مدى أربعين سنة إبان عمله بالمنظمة، وكان له جهد كبير في التأسيس لثقافة حقوق الإنسان ليس في المغرب فقط، وغنما على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واستحضر قرشاب المسار الدؤوب لتأسيس المنظمة بالمغرب، والجهود العظيمة التي بذلت لتحسين حقوق الإنسان في الوطن العربي، حيث قال في هذا الصدد “أعلم تمام العلم عمله على المستوى العربي والدولي لا المغربي فقط؛ فقد عرفته مناضلا حقوقيا، ومثقفا تنويريا، وفاعلا أساسيا في الدفاع عن الحريات ومقاومة الاستبداد والدكتاتوريات أنّى وجدت، والعطاء دون مقابل، وفقدت بغيابه صديقا استمتعت بصحبته، ووثقت في معيته، واستمتعت بالحوار معه”.
يشار إلى أن اللقاء عرف مداخلات وشهادات متعددة، لأصدقاء الراحل ومعارفه من حقوقيين وشعراء، وأدباء وفاعلين جمعويين ومدنيين، ضمنهم عزيز رويبح نقيب المحامين بالرباط وعبد الجليل باحدو، رئيس منظمة التضامن الجامعي المغربي، الشاعرة والدبلوماسية وفاء العمراني، ادريس اليزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وشهادات أخرى متداخلة ومتعددة أجمعت على المسار الغني والحافل للفقيد محمد السكتاوي وأحد رموز حقوق الإنسان بالمغرب..
 محمد توفيق أمزيان
 تصوير: رضوان موسى
Top