الأمازيغية في البرلمان

يعتبر إقدام النائبة البرلمانية والفنانة المعروفة تابعمرانت على طرح سؤالها الشفوي في مجلس النواب باللغة التي تتقنها، وهي تاشلحيت، حافزا لتكثيف الحوار السياسي حول تنزيل مضامين الدستور الجديد والإسراع  بإصدار القوانين التنظيمية ذات الصلة. المبادرة المشار إليها جسدت على أرض الواقع التنصيص الدستوري الذي جعل الأمازيغية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية، ومن ثم، فالخطوة تنطلق من القانون الأسمى في المملكة وتطبق مقتضياته، وهي تبعث رسالة قوية إلى الجميع حول ضرورة الانكباب على إعداد القانون التنظيمي المتعلق برسمية الأمازيغية، بالإضافة إلى ضرورة التقدم على صعيد إعداد اللغة المعيارية التي سيتم التعامل بواسطتها، ثم توفير الشروط التقنية واللوجيستية والتنظيمية، والموارد البشرية المؤهلة من أجل تفعيل الترجمة الفورية بمجلسي البرلمان، وبالتالي من أجل التنزيل الحقيقي لمقتضى دستوري، وأيضا حتى لا تصير خطوة تابعمرانت مجرد قوس جرى إغلاقه بسرعة.
لقد أكد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان أن الحكومة بصدد وضع اللمسات الأخيرة لإخراج القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية، ونوهت فرق برلمانية عديدة بمبادرة النائبة السوسية، ما يفرض اليوم الانتقال إلى مرحلة تنزيل هذا الإجماع الوطني على أرض الواقع، والتوافق على القانون، وأيضا الضغط الجماعي من أجل تفعيل إجراءات تدبيرية وتقنية ملموسة من شأنها أن تجعل من تعلم الأمازيغية وكذا من دسترتها امتدادا طبيعيا في مختلف مؤسسات الدولة، وليس فقط في البرلمان أو في التلفزيون.
من جهة أخرى، يتعين على برلمانيينا أيضا إنماء الاجتهاد والإقدام على طرح أسئلة تتعلق ليس فقط بتدريس الأمازيغية، وإنما كذلك بالطاقة والمعادن والنقل والفلاحة والصناعة والتجارة والإصلاح السياسي والديمقراطية، وبربط ذلك باجتهاد الحكومة على مستوى  تجهيزات الترجمة، سيكون الطرفان قد ساهما عمليا في إغناء التجربة والمعجم والأفق، وبالتالي تهيئ الأرضية لتنزيل القانون…
المسألة اليوم ليست عادية في تاريخ مؤسستنا التشريعية، وفي تاريخنا الدستوري والمؤسساتي، إنما الأمر فعلا يتعلق بانتقال تاريخي، وبدخول حقلنا السياسي والبرلماني إلى مرحلة جديدة تتحقق فيها للمغاربة المصالحة مع ذاتهم الثقافية واللغوية المتنوعة.
الأمر أيضا ينبهنا، من جهة ثانية، إلى أهمية ورش التنزيل الديمقراطي لأحكام الدستور الجديد، وضخامة المهمة المطروحة على البرلمان فيما يتعلق بإصدار القوانين التنظيمية، ولاحقا إنشاء الهياكل والمجالس والآليات التي ستتولى السهر على إعمال وتنفيذ التحول الدستوري المغربي.
إنها الرسالة الأهم في خطوة النائبة تابعمرانت الاثنين الماضي، وهي تحمل المسؤولية لكافة الفرقاء السياسيين، وتذكرنا جميعا  بالحلقات الأساسية المتبقية في مسلسل تنزيل الدستور الجديد.
[email protected]

Top