الاحتجاجات المغاربية

تشهد الجزائر، وقبلها تونس، احتجاجات اجتماعية صاخبة تخللتها أعمال عنف، وسقوط ضحايا، ودخل البلدان المغاربيان في توترات اجتماعية عنيفة.
وبالرغم من كون الأحداث المذكورة، إلى جانب احتجاجات اجتماعية كانت قد شهدتها بعض المدن المغربية في السنتين الأخيرتين، ليست مرتبطة فيما بينها، وأن لكل منها أسباب داخلية وديناميات نضالية خاصة وأشكال احتجاجية وتنظيمية مختلفة بين هذا البلد وذاك، فإن تزامنها النسبي، وتشابه المطالب، يجعل قراءتها كتحول لافت لدى شعوب المنطقة، أمرا لايخلو من جدية تحليلية وإستراتيجية، وبالتالي محاولة البحث في نقاط التشابه، وتجليات (الوحدة) في … الشارع المغاربي.
بعد عقود من الاستقلال، تجد البلدان المغاربية (الجزائر، تونس والمغرب) نفسها أمام مظاهر خصاصة وضعف كبيرين على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي بعضها هناك تأخر واضح على مستوى الديمقراطية والحريات، وبالتالي فإن الواضح أن الدولة هنا بدأت تدخل مرحلة جديدة في علاقتها بمواطنيها، وهي المرحلة التي تطرح كثير تحديات، خيطها الناظم هو علاقة الدولة بالمواطن، والحاجة إلى تفعيل إصلاحات حقيقية تهم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد وترسيخ المساواة والعدالة الاجتماعية والحرص على تمتيع كافة المواطنين بكل حقوق المواطنة.
من جهة ثانية، أعادت هذه الاحتجاجات إلى واجهة التفكير موضوع البناء المغاربي المشترك، وأهمية تقوية الاندماج الاقتصادي بين بلدان اتحاد المغرب العربي، ما سيساعد على بلورة أجوبة مناسبة للمطالب التنموية لدى شعوب وشباب المنطقة.
فعندما تصر السلطات الجزائرية على الاستمرار في إغلاق الحدود مع المغرب، وعلى معاداة الوحدة الترابية للمملكة، فإنها تحكم على الاتحاد المغاربي كي يبقى معطلا، وهذا يضيع فرصا هامة على شعوب المنطقة كي تجد في الامتداد المغاربي مداخل مناسبة للتنمية وللتقدم.
وعقب الاحتجاجات، اضطرت الحكومة الجزائرية لإعلان الاستنفار، وتدخلت للحد من موجة غلاء المواد الغذائية، ولم تنس أن تخرج مرة أخرى ورقة «المؤامرة الخارجية والداخلية» ضد الجزائر وضد الرئيس بوتفليقة، وربما تنجح الأجهزة الأمنية هناك في إعادة الهدوء إلى الشارع، لكن مع ذلك، فإن ما جرى يمثل إنذارا حقيقيا، يستدعي من حكام البلد، يقظة الضمير، والانكباب على الأسباب الحقيقية للأزمات.
المشكل في الجزائر يتعلق بالدولة وبطبيعة علاقتها مع المواطنين، ويتعلق بثروات البلد الغني بالنفط والغاز، وبطرق صرفها بعيدا عن حاجيات الشعب الفقير جدا مقارنة بما تمتلكه بلاده من ثروات، ويتعلق بنظام مصاب بالعمى وبالجنون.
أيها السادة في قصر المرادية:
آن أوان الصحو، ولتفتحوا عيونكم عما يجري حقيقة لديكم.

*

*

Top