الانتخابات: معركة وطنية

بعد أن مثل الدستور الجديد تأسيسا لمرحلة سياسية جدية في المغرب، جاء الخطاب الملكي لعشرين غشت ليعرض عددا من التوجيهات المحددة للمحطة الانتخابية التي ستدشن عمليا المرحلة المذكورة.
إن «تحميل المسؤولية» يمثل العنوان الأكثر دلالة لتقديم مضامين الخطاب الملكي، فضلا عن كونه شدد من جديد على الإرادة الملكية الواضحة في السير بمسلسل الإصلاحات إلى مداه.
الإنصات والتفاعل الملكيان مع النبض الشعبي ومع المطالب السياسية المعبر عنها في البلاد، هما اللذان جعلا جلالته يبدأ بالسلطات الترابية والقضائية، المعنية بتنظيم الانتخابات، داعيا إياها إلى التقيد الصارم بالقانون، وتفعيل آليات تخليق العمل السياسي والبرلماني، وتوفير شروط المنافسة الانتخابية الحرة، والالتزام بالمساواة بين مختلف الأحزاب والحياد الإيجابي، كما حثها على التصدي الحازم لكل الخروقات، ومحاربة استعمال وشراء الأصوات لإفساد الانتخابات، واستغلال النفوذ أو التوظيف المغرض للدين وللمقدسات في المعارك الانتخابية، مبرزا أن العمل الحزبي والحملات الانتخابية تتطلب تمويلا شفافا ومنصفا.
التنبيه الملكي لم يخص السلطات وحدها، بل هم الأحزاب أيضا، حيث دعاها جلالة الملك إلى التنافس في بلورة برامج انتخابية خلاقة وواقعية، كما أنها مدعوة لتزكية المرشحين الأكفاء القادرين على تحمل المسؤولية في السلطتين البرلمانية والحكومية، ودعاها إلى فسح المجال للطاقات الشابة والنسوية، بما يفرز نخبا مؤهلة، كفيلة بضخ دماء جديدة في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية.
وبالنسبة للمواطنين، أي الناخبين، فقد حثهم جلالة الملك على المساهمة بالتصويت الحر في التعبير عن الإرادة الشعبية، لافتا إلى ضرورة استشعار جسامة أمانة التصويت غير القابلة للمساومة.
كما نبه جلالة الملك المواطنين العازمين على الترشح إلى ضرورة استحضار كون الدستور ربط ممارسة السلطة بالمحاسبة، وحث منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على لعب دورها كاملا في ملاحظة العمليات الانتخابية ومراقبة سلامتها.
إن تحميل جلالة الملك المسؤولية لكل هذه الأطراف ليس رميا للكرة في مرمى الغير، بقدر ما هو تنبيه ملكي موجه للجميع بكون المحطة الانتخابية المقبلة ليست «مجرد تنافس حزبي مشروع ، للفوز بأكبر عدد من المقاعد»، إنما هي استحقاقات تجسد رهانا جوهريا للمغرب وللمغاربة، وهو رهان يقضي «بالارتقاء بها إلى معركة وطنية نوعية حول اختيار أفضل البرامج والنخب المؤهلة، لتحقيق انطلاقة جيدة لتنزيل الدستور، ولإعطاء دفعة قوية للتحول السياسي الحاسم الذي تعرفه بلادنا».
إن الرهان الذي سطره جلالة الملك هو الذي يجب أن يؤطر اليوم كل الأعمال الإعدادية لمحطة الانتخابات، سواء على مستوى القوانين والنصوص، أو على مستوى إجراءات تعزيز الثقة، أو من خلال التصدي لبعض ممارسات الإفساد التي بدأت من الآن.

[email protected]

Top