لمزيد من التنصل من أي التزام بشأن ملف تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية اختار رئيس الحكومة تبني استراتيجية مضمرة بهذا الخصوص عبر دعوة مجموعة محدودة من فعاليات تنسب للحركة الأمازيغية للقاء للتشاور عوض دعوة المنظمات والجمعيات والشبكات الأمازيغية، وأقر رئيس الحكومة في هذا الصدد بالصعوبة في الالتزام بتنزيل مضامين القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تنزيل الأمازيغية، كما أرجع الأمر إلى ضعف الإمكانيات وتأثيرها على الوفاء بالالتزامات بل حتى على مستوى تحديد الأولويات.
وأفرز اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة عزيز أخنوش مع عدد جد محدود من الفعاليات الأمازيغية، تساؤلات بشأن مدى احترام الحكومة للدستور والتوجهات العامة الرسمية في قضية الأمازيغية ومستقبلها، وبدت مساعي رئيس الحكومة من خلال هذا اللقاء استعراضية ليس إلا، خاصة وأن أجوبته في تفاعله مع الفاعلين الأمازيغيين الذين استدعاهم لهذا اللقاء، أظهرت بجلاء عدم امتلاك الحكومة لرؤية واستراتيجية حقيقية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
وفي تقييمه للقاء رئيس الحكومة مع بعض الفاعلين الأمازيغيين، أفاد عبد الله بادو، أحد نشطاء وفعاليات الحركة الأمازيغية، الرئيس السابق، لشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة (أزطا)، الذي شارك في هذا اللقاء إثر توصله بدعوة من أجل ذلك، “أن الحكومة وبعد مرور أكثر من عام على تنصيبها لا تمتلك رؤية واستراتيجية حقيقية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وأن ما كانت تروجه من خطابات فضفاضة بخصوص الملف كانت فقط تناور بها وتروج من أجل الاستهلاك والترويج الإعلامي”.
كما لفت بادو في تصريح لجريدة بيان اليوم إلى ضعف التزامات أحزاب الأغلبية الحكومية فيما يتعلق بالأمازيغية والذي لا يرقى إلى الحد الأدنى الوارد في القانون التنظيمي، مشيرا إلى أن هذا الأمر يثير أكثر من تساؤل بخصوص التصريحات والإشادات التي يتم الترويج لها في اللقاءات والندوات التي شارك فيها رئيس الحكومة ووزرائه”.
وأوضح بادو “أن الوضع المأساوي للأمازيغية في الوقت الراهن، والذي يطبعه غياب التزامات وتعاقدات واضحة للحكومة والذي يحول دون تمكن الفاعلين والمنظمات وباقي المتدخلين المهتمين بالملف من تتبع وتقييم السياسات المعتمدة من طرف الحكومة، كما يطبعه التأخر في إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، باعتباره مؤسسة مرجعية دستورية في مجال تدبير السياسة اللغوية والثقافية، ساهم بشكل في التخبط الذي تعيشه العديد من المرافق والقاعات العمومية وبشكل خاص مجال التعليم”.
واعتبر أن الوضع الحالي للأمازيغية “يدعو إلى التساؤل بمدى جدية الحكومة في التعاطي مع المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي، خاصة وأن سقف الالتزامات المعبر عنها من طرف رئيس الحكومة أثناء هذا اللقاء لا يرقى إلى مستوى الالتزامات التي يتضمنها القانون التنظيمي، فضلا عن أن رئيس الحكومة بالرغم من كونه يملك كافة السلطات للدفع بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لكنه يصرح بوجود تعثر في تدبير الملف محتفيا بإحداث الصندوق الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، معتبرا إياه إنجازا من الإنجازات المحققة في السنة الأولى للحكومة”.
كما كشف بادو في بيان توضيحي أصدره بشأن مضامين هذا اللقاء، عن التناقض الذي طبع خطاب رئيس الحكومة أمام الفاعلين الأمازيغيين الحاضرين، حيث أعرب رئيس الحكومة من جهة عن نيته التواصل والتشاور مع باقي الوزراء لبحث سبل تسريع الوتيرة وإعداد خطة لتنفيذ ما يمكن تنزيله، ومن جهة أخرى أفاد أن لا نية له في أجرأة مضامين القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”.
وبخصوص تدخله كفاعل ضمن الحركة الأمازيغية خلال هذا اللقاء مع رئيس الحكومة، أعلن بادو، أنه حاول من جانبه التركيز على مجموعة من القضايا التي يعتبرها، حسب تقديره، جوهرية والتي من شأنها أن تساهم في تجاوز الوضعية المأساوية التي تعيشها الأمازيغية، حيث ذكر في هذا الصدد بالالتزامات الدستورية والقانونية للدولة المغربية وتعاقداتها الدستورية تجاه الأمازيغية، ومسؤولية الحكومة في أجرأتها وتنزيلها في سياستها القطاعية احتراما لدولة المؤسسات، فدستور 2011 والقانون التنظيمي 26.16 ينص وبشكل صريح وغير قابل للتأويل.
وحرص بادو على التذكير أن الدولة/الحكومة ملزمة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية عبر مخططات العمل القطاعية وبرامج العمل الخاصة بالجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيئات الدستورية، والتي ينبغي أن تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية في الميادين التي تخصها، وتأخذ بعين الاعتبار الآجال التي نصت عليها المادتان 31 و32 من القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
ومن بين القضايا التي أثارها بادو، مسألة مآل مخطط الحكومة السابقة واللجنة المشتركة التي شكلت للإشراف على تفعيل المخطط وتنزيل القانون التنظيمي، في جميع القطاعات والسياسات العمومية ذات الصلة بالمجالات ذات الأولوية كما حددها القانون التنظيمي، معلقا على تجميد هذه اللجنة المشتركة يعد هدرا للزمن والإمكانيات، وتسويفا يساهم في تأزيم وضعية الأمازيغية.
كما نبه في تدخله إلى أن الحكومة لحدود الساعة لم تصدر أية خطة عمل أو خارطة طريق تبسط فيها رؤيتها واستراتيجيتها لتنزيل مضامين القانون التنظيمي، معتبرا من جانب آخر إقدام الحكومة على توظيف 300 عون خدمة بالتعاقد لتقديم خدمات الإرشاد والتوجيه داخل الإدارات العمومية بالأمازيغية خاصة في قطاعي الصحة (142 عون) والعدالة (158 عون) تكريسا للهشاشة الوظيفية باعتبار أن تدبير العملية سيسند إلى شركات المناولة مما لن يضمن جودة الخدمة واستدامتها.
كما لم يفت بادو خلال هذا اللقاء، الإشارة إلى التراجعات التي يعرفها قطاع التعليم، سواء على مستوى تدبيره أو على مستوى إعادة تحيين منهاج تدريس اللغة الأمازيغية، والذي تبين أنه يكرس نظرة إقصائية مما يزيد من تدهور وضعية تدريس اللغة الأمازيغية، منبها أن المنهاج الجديد المعتمد يعد تراجعيا ونكوصا مقارنة مع المنهاج المعتمد في 2003، خاصة وأنه يكرس تراتبية بين اللغات المدرسة ولغات التدريس المعتمدة في المدرسة المغربية.
< فنن العفاني