الدخول المدرسي

انطلق أمس موسم دراسي جديد ببلادنا، وعانق عشرات الآلاف من التلاميذ طريق المدرسة من جديد، وبذلك تتجدد تطلعاتهم وأحلامهم، وأيضا آمال أسرهم، في مستقبل مشرق.
بدهي أن دخولنا المدرسي هذا العام، بقدر ما أعاد طرح المشكلات والقضايا ذات الصلة بمنظومتنا التربوية الوطنية ككل، والتي تراكمت لتشكل، منذ سنوات، أزمة حقيقية، فهو كذلك جاء ضمن قرارات وإجراءات جديدة أعلنت عنها السلطات الحكومية المعنية، ومن ثم يجب مواكبة كل ذلك بنقاش وطني عمومي جدي وعميق للخروج من أزمة تعليمنا التي لم يعد ينكر وجودها أحد.
التحدي الجوهري أمام المغرب اليوم يشمل تنامي نفور واستياء الأسر من تسجيل أبنائها في المدرسة العمومية، وأيضا التراجع المهول في المستويات المعرفية للتلاميذ، في مختلف الأسلاك والشعب، بالإضافة إلى ضعف الجودة، من خلال المقررات والبرامج والمناهج ومستويات التعلم وطرقه وكيفيته، وأيضا وضعية البنايات المدرسية والمرافق ذات الصلة، والظروف المادية والمهنية والاجتماعية لهيئة التدريس، وكل هذه الجوانب تمثل تجليات معضلة مدرستنا الوطنية العمومية، ما يدفع الكثيرين للسقوط ضحايا غلاء كلفة المدارس الخصوصية وجشع مالكي عدد منها، وتعقيدات مدارس البعثات الأجنبية.
إن ما نطرحه هنا حول المدرسة العمومية ليس مجرد حنين إلى الماضي أو صراع أفضليات بين القطاعين العام والخاص، أو تخندق إيديولوجي مجرد، ولكن الأمر أكثر عمقا، وله ارتباط بانشغال فكري وسياسي لا يخلو من بعد استراتيجي، وهو يتعلق بمبدأ تكافؤ الفرص بين المغاربة وتنمية الشعور الوطني، وهذا من شأن المدرسة العمومية تأمينه.
من حق كل أطفال المغرب التمتع بمدرسة عمومية مغربية مجانية توفر الجودة العالية لأبناء الفقراء والأغنياء معا، وفِي كل مدن البلاد وبواديها، أي أن يستفيد الجميع من فرص متكافئة من حيث الولوج وجودة التعليم وكيفيته.
هذه هي المعركة التي يجب علينا كلنا ربح رهانها، وذلك بما ينمي الوحدة الوطنية والمساواة بين مختلف فئات وطبقات شعبنا في كل الجهات.
من جهة أخرى، الدخول المدرسي لهذه السنة حل متزامنا مع عيد الأضحى، ومباشرة بعد عطلة الصيف، ومن ثم، فقد شكل عبئا ماديا آخر على كاهل الأسر المغربية، وخصوصا المنتمية للفئات الفقيرة والمستضعفة، وللعائلات التي تعلق آمالها لتدريس أبنائها على التعليم العمومي، ولهذا يجب استحضار هذا الجانب أيضا، أي جانب الكلفة المادية، وما تضطر الأسر لتحمله ماديا، جراء تعدد المقررات واللوازم المطلوبة وغلاء أسعارها، وباقي المصاريف الأخرى.
لقد أجريت، طيلة السنوات الماضية، العديد من الدراسات والمخططات حول واقعنا التعليمي، وطرحت مئات المقترحات والأفكار والتحاليل، ومن ثم بات مطلوبا الانكباب بجدية وعمق حول إنجاز الإصلاح وتنفيذه على أرض الواقع في آجال زمنية واقعية ومنظورة، ذلك أن أي تباطؤ أو إرجاء لتنفيذ الإصلاح من شأنه مضاعفة حدة الأزمة، والقضاء على مصداقية الشهادة الوطنية، كما أن الاستخفاف بما تعانيه منظومتنا التعليمية من أزمة هيكلية، وترك الوضع يواصل انحداره، سيزيد في تكريس الفوارق على مستوى الولوج إلى تعليم مجاني ذي جودة.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top