الدولة وعالم الأعمال

اللقاء الذي انعقد في الصخيرات بين الحكومة وأرباب المقاولات، ومذكرة التفاهم التي وقعت بين الطرفين، يكتسيان أهمية خاصة بالنظر إلى السياق الوطني والدولي الذي يحكم ظرفيتهما الزمنية، ما يحتم اعتبار ذلك تأسيسا لمرحلة جديدة في العلاقة بين الدولة والحقل الاقتصادي، وذلك بهدف تعبئة واستثمار الجهد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي للطرفين، من أجل مواجهة مختلف التحديات المطروحة على البلاد.
إن قضايا جوهرية مطروحة اليوم في بلادنا، مثل التشغيل، السكن، الصحة، التعليم وغيرها، تقتضي تفكيرا مختلفا، وتنسيقا مستمرا بين الحكومة والمقاولات الوطنية، كما أن الظرفية السياسية الوطنية والإقليمية، وما تعانيه كثير من البلدان الأوروبية من أزمات وصعاب مالية واقتصادية، كل هذا يستوجب استمرار يقظة كل الأطراف، وانخراطها في رؤى إستراتيجية واستباقية للتفاعل الإيجابي مع التطورات.
ومن البدهي هنا التذكير بأن تقوية استقرار البلاد السياسي والاجتماعي، وتعزيز مسارها الديمقراطي، من شأنهما خدمة مصالح الفاعلين الاقتصاديين أيضا، وذلك بتوفير شروط الاستقرار والتطور لبيئة الأعمال، وأيضا بتعزيز أسس الوضوح والتحفيز أمام الفاعلين، ومن ثم، فإن انشغال المقاولين بالأوضاع العامة لبلادنا وشعبنا، لا يخلو من منافع اقتصادية لهم وللمناخ الاقتصادي العام في البلاد.
الأمر لا يعني البتة أن المطلب هو أحادي الوجهة، ويهم فقط المقاولات وأربابها، إنما الأمر يعني كذلك، وربما بشكل أكبر السلطات العمومية، أي من خلال تفعيل إصلاحات جوهرية في  ميدان المال والأعمال والاستثمار، ومن خلال تقوية الشفافية وتكافؤ الفرص، ومحاربة الرشوة والريع، وتطوير الإدارة والقضاء والتكوين والتشريعات ذات الصلة، وتحديث المنظومتين البنكية والجبائية، وبتعبير وجيز تكريس دولة القانون في المجال الاقتصادي.
من المؤكد كذلك أن هناك عددا من المقاولين يتميزون بمنظومة سلوكية مواطنة تجاه أجرائهم، وتجاه البلاد ومستقبلها، ولاشك أيضا أن حقلنا النقابي لا يخلو بدوره من اختلالات، لكن مع ذلك، فإن التحدي المركزي اليوم أمام الباطرونا يبقى هو أن تقدم إشارات ملموسة لفائدة الشغيلة من خلال تحسين قدرتها الشرائية، واحترام كافة حقوقها، وبالتالي تثبيت استقرار اجتماعي في البلاد يعتمد على الالتزام بحقوق الأجراء، وسيكون ذلك منطلقا مهما لبناء واقع جديد يحفز على انخراط كل الأطراف في مسار إنجاح أوراش النهوض بالاقتصاد الوطني.
وقد أسس الاتحاد العام لمقاولات المغرب لهذه المقاربة عبر (رؤية 2020)، ومن خلال توقيعه اتفاقات مع أهم المركزيات النقابية في البلاد، ثم من خلال ما عبر عنه من التزامات في ملتقى الصخيرات، ما يجعل هذا الحراك اليوم مؤشرا على بداية مرحلة جديدة الهدف منها إرساء مناخ الثقة بين مختلف المتدخلين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، وتأهيل النسيج المقاولاتي الوطني لمواجهة تحديات التنمية المستدامة، وللوفاء بالالتزامات المترتبة عن كل طرف.

[email protected]

Top