السياحة الثقافية

يعود مهرجان كناوة مرة أخرى، بعد غياب طويل بسبب جائحة كورونا، ليجيب عن سؤال “دور الثقافة والتراث في تحريك عجلة السياحة؟!”، الذي سبق وعملنا على طرحه في وقت سابق.
قد أبانت الحشود الكبيرة التي حلت بمدينة الصويرة، يومي الجمعة والسبت الماضيين، من مختلف المدن المغربية، وأيضا من دول أخرى، لمتابعة فعاليات مهرجان كناوة، عن مدى أهمية وقوة عنصري الثقافة والتراث في تشجيع السياحة بشكل عام والسياحة الداخلية بشكل خاص، حيث لوحظ رواج غير اعتيادي على كافة الأصعدة (المطاعم، الفنادق، المتاجر، الخدمات السياحية…).
ولا غرو أن التراب الوطني يزخر بمقومات ثقافية مهمة، حيث تحظى المملكة بروافد متعددة صنعت زخما وتنوعا كبيرا، يعود للموقع الاستراتيجي للمغرب، فهو قريب من شبه الجزيرة الإيبيرية ومنفتح على الصحراء الكبرى وأفريقيا والمشرق، ومنفتح على ثقافات أخرى كان لها كبير الأثر في هذا التنوع الثقافي واللغوي الذي يشمل الأمازيغي والعربي الإسلامي والحساني والأندلسي الموريسكي والأفريقي واليهودي والمتوسطي.
كما يشير التراث المعماري المغربي بما في ذلك الأسوار والمدن العتيقة والمساجد والقصور والقصبات، إلى الثقافة المغربية المتنوعة والزاخرة بالعادات والتقاليد والطبائع التي تجعلها مميزة عن غيرها، وبالتالي أصبح لزاما إبراز كافة هذه المكونات التي تميز المملكة وتقديمها للزوار.
وتعرف العديد من المدن المغربية مؤهلات ثقافية مهمة يجب النهوض بها لتشجيع السياحة بشقيها الداخلي والخارجي، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى كل من أزمور، كلميم، آسفي، دمنات، شفشاون، ورزازات…
قد أصبح اليوم أصبح لزاما عدم الاكتفاء ببناء المركبات السياحية والفنادق والقرى السياحية -رغم أن هذه أمور لا غنى عنها ويمكن اعتبارها مسلمات باتت بديهية-، بل يجب بذل مجهودات كبرى لتحسين البنيات التحتية بالبلاد من خلال تشييد الطرق وتعزيز الطرق السيارة والمستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير النقل الجيد، وإعداد المواطن المغربي لاستقبال السياح الأجانب حتى تصبح لدينا ثقافة سياحية، إلى جانب نهج سياسة عمومية حقيقية للنهوض بالثقافة والمعمار الوطنيين.
إن السلطات العمومية وعلى رأسها وزارة السياحة تنهج سياسة عمومية غير شمولية باعتمادها أكثر على إعداد وتهيئة السواحل التي تتطلب قدرات مالية وتقنية مهمة، وتغفل عن السياحة الثقافية خاصة بالمدن العتيقة والقصبات…
فبعد مرور أكثر سنوات عدة عن انتهاء رؤية 2010، مازال عدد السياح الأجانب الوافدين على بلادنا لا يتعدى 10 مليون سائح؟ أي بات رقما ثابتا بعدما راهنت وزارة السياحة على جلب 20 مليون سائح في أفق سنة 2020، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتم استكمال العدد بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وكذلك الأمر بالنسبة للإيرادات المحققة فقد بلغت 56 مليار درهم عند نهاية سنة 2010، في حين بلغت 59 مليار درهم سنة 2015 بنسبة نمو لا تتجاوز 5% فقط.
وتعاني السياسة السياحة في بلادنا من عدة أعطاب ومفارقات مزمنة نذكر من بينها إعطاء الأولوية للسياحة على حساب الثقافة والصناعة مثلا، وأيضا تمركز السياحة المغربية بصفة خاصة بوجهتي أكادير مراكش اللتين تستأثران بحصة 70% من المبيتات الدولية وهو ما أكدته الوزارة الوصية على القطاع سابقا.
ومن المفارقات أو الأعطاب أيضا التركيز على السياحة الفاخرة لجلب شريحة من السياح الأجانب، بدل العمل على الاهتمام بتنمية السياحة الداخلية بالرغم من وضع مخطط “بلادي” الذي لم يحقق الأهداف المأمولة منه، ثم التركيز على دعم السياحة ببعض الجهات والمدن الكبرى بالبلاد، وهذا يعزز من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف جهات البلاد.
وعليه أصبح لزاما على الدولة أن تعيد النظر بجدية في طريقة تدبيرها للقطاع السياحي وذلك بالنظر للمنافسة القوية (إسبانيا، اليونان، إيطاليا..) وحتى من بعض الدول الإسلامية والعربية (تركيا، تونس…)، كما ينبغي تكاثف الجهود بين كل القطاعات الحكومية والتعاون بين الدولة والجهات بما يسمح بخلق فرص التنمية واستقطاب الاستثمارات وتوطينها بكل جهات البلاد.
إن النهوض بالسياحة ببلادنا، ينبغي ألا يكون مسؤولية وزارة واحدة وهي وزارة السياحة أو مصالحها الخارجية أو المكتب الوطني للسياحة، بل هي مسؤولية كل السلطات العمومية من وزارة المالية، ووزارة الثقافة، والجماعات الترابية، ووزارة التجهيز…، وعليه ينبغي انخراط كل السلطات في هذا العمل في إطار التقائية السياسات العمومية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي أن تكون السياحة في قلب التنمية المستدامة لتساهم بدورها بشكل ناجع في حل الإشكاليات المجتمعية كالفقر والبطالة، سياحة مستدامة تحافظ على الهوية الثقافية والتقاليد المغربية الأصيلة مع التجديد والانفتاح. إن المغرب بثقافته وتراثه العميق (الطبخ، الفن المعماري، الأزياء والحلي، الفلكلور والثقافات المحلية..) يمكن أن يحقق الكثير في القطاع السياحي.
كما يجب التأكيد على أنه ليس من المهم أن نهتم كثيرا بالجوانب المادية الصرفة والأشكال الهندسية المبهرة والبنايات السياحية المستوحاة من الغرب، لكن الأهم أن نهتم بثقافتنا، بحضارتنا، وأن نأخذ من الآخر ما يلائم هويتنا…

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top